عجمي يقيّم لـ quot;إيلافquot; أوضاع العالم العربي من المحيط إلى الخليج:
مصير لبنان يعتمد على الخيار الذي سيتخذه الشيعة
أفشين مولافي من واشنطن: يحتل الدكتور فؤاد عجمي، الباحث والكاتب اللبناني الأصل وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة جون هوبكنز للأبحاث الدولية المتطورة، مكانة مرموقة بين الأكاديميين الأميركيين. زار العراق مرّات عدّة وبوتيرة منتظمة، ليكون بذلك أكثر الأكاديميين زيارة لهذا البلد بعيد الحرب. له مؤلفات بارزة، كان آخرها quot;هديّة الأجنبي: الأميركيون والعرب والعراقيون في العراقquot;. وهو يعدّ من الأكاديميين القلائل المقربين من
فؤاد عجمي
الإدارةالأميركية الحالية. خبير في الشأن العراقي وقضايا الشرق الأوسط، وسبق أن قدم مشورات غير رسمية للرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس.
حصد عجمي مؤخراً وسام العلوم الإنسانية الوطنيّ، أعلى وسام أميركي يمنح في مجال الانجازات الأكاديمية والفنية. وهو كتب لمطبوعات أميركية مرموقة من بينها مجلة quot;فورين أفيرزquot; وصحف quot;نيويورك تايمزquot; وquot;نيو ريبابليكquot; وquot;سي بي إسquot; وquot;بي بي إسquot;، لتعكس مقالاته نظرة جيل كامل من الأميركيين إلى الشرق الأوسط.
وتزخر مكتبة عجمي بمؤلفات أخرى، من بينها quot;قصر الأحلام لدى العربquot; الصادر في العام 1998، وquot;بيروت: مدينة الندمquot; (1988) وquot;المأزق العربيquot; وquot;الإمام المغيّب: موسى الصدر وشيعة لبنانquot; (1986)، الذي حاز عنه تنويه quot;نيويورك تايمزquot;، بعدما وصفته الصحيفة بأنَّه من أبرز الكتب الصادرة في القرن العشرين.
خصّ الدكتور عجمي quot;إيلافquot; بحوار حصريّ أجراه الكاتب والأكاديمي الخبير في شؤون الشرق الأوسط أفشين مولافي*.
وفي ما يلي نص الحوار:
لبنان والخيار الشيعيّ
- كيف تقيّم الوضع اللبناني اليوم؟ وبرأيك، ماذا انتجت ثورة الأرز؟
أنا ممن احتفلوا بثورة الأرز، وسأبقى وفيّاً لتلك الذكرى، كما لن أنسى تاريخ الخامس والعشرين من نيسان (أبريل) من العام 2005، والفرح الذي خالجني حينها مع خروج القوّات السورية من لبنان.
التقيت في قطر بأحد المقربين غير الرسميين من بشار الاسد، وذلك قبل فترة وجيزة من الانسحاب السوري من لبنان. ومن دون أي ادّعاء، أخبرني أن سوريا كان يرعبها احتمال شن هجوم أميركي عليها. ولولا هذا الخوف، لما كان الانسحاب من لبنان
إن لبنان هو هذا الوطن المتميز الذي يضم 17 أو 18 طائفة ويحتضن معالم الحضارتين الإغريقيّة والرومانيّة، وفي ربوعه يستوطن أغلبية مسيحيي الشرق الذين لا يريدون الذوبان في مجتمع عربيّ إسلاميّ يفوقهم عدداً. إنه أيضا البلد الذي يتميز بنظام تعليمي متطور، يمزج بين أفضل ما في الثقافات الفرنسية والأميركية والعربية. ومجرّد التفكير بأن هذا البلد كان عرضة للتحوّل إلى سجن سوري كبير كما كان يقول الراحل كمال جنبلاط، يعتبر إهانة له ويسبب ألماً لشعبه.
وبالرغم من أني لم أزر لبنان من مدّة طويلة، إلا أن الكلمات عجزت عن التعبير عن مشاعري لحظة خروج القوات السورية منه. ويعود الفضل أولاً إلى جورج بوش وبنسبة أقلّ إلى جاك شيراك، لأن السبب الوحيد الذي دفع سوريا للخروج من لبنان كان خشيتها من هجوم أميركي على أراضيها، وذلك بعد أن طرد بوش البعثيين من العراق في نيسان (أبريل) من العام 2005، وساد الاعتقاد في دمشق بأنه سيطارد البعثيين السوريين. أذكر أني التقيت في قطر بأحد المقربين غير الرسميين من بشار الاسد، وذلك قبل فترة وجيزة من الانسحاب السوري من لبنان. ومن دون أي ادّعاء، أخبرني أن سوريا كان يرعبها احتمال شن هجوم أميركي عليها. ولولا هذا الخوف، لما كان الانسحاب من لبنان. لم تخف سوريا من وليد جنبلاط أو من اللبنانيين، بل ارتعبت من الآلة العسكرية الأميركية. جميع الأحرار يجب أن يرحبوا بتحرير لبنان من الطغيان السوري.
ومع ذلك، ثمة مشكلة تزعجني في ثورة الأرز، وهي عقدة الخوف من الطائفة الشيعية. لقد تطورت هذه الثورة لتستقطب الموارنة والسنة والدروز، لكنها فشلت في اجتذاب الشيعة.
لم يكن للشيعة تمثيل فعليّ في ثورة الأرز، وذلك يعود جزئياً الى الشيعة أنفسهم. وتعامل بعض من رموز ثورة الأرز بعدائية مع الطائفة الشيعية.
كنت أتمنى لو أن للشاب سعد الحريري علاقات أعمق مع المجتمع الشيعيّ، لكنه لا يملك علاقات مماثلة. أقولها بشكل صريح. أعرفه شخصياً، وأكن له مودة، لكنه لا يملك علاقات عميقة مع الطائفة الشيعية. ولا تنسى أن وليد جنبلاط نفسه كان لسنوات طويلة آداة في يد سوريا.
ما يزعجني أن ثورة الأرز لديها عقدة خوف من الطائفة الشيعية لأنها تنظر الى هذه الطائفة بما كانت تمثله قديماً. عليهم ان يعرفوا ان الشيعة تغيروا. أظن أن مصير لبنان يعتمد بشكل أساسي على الخيار الذي ستتخذه الطائفة الشيعية. هل هم لبنانيون أم يريدون ربط مستقبلهم بسوريا وإيران؟ في حال اختاروا المحور الايراني السوري، فإن مستقبل لبنان سيكون مظلماً، أما إن آمنوا بمدأ البلد المستقلّ، فسيكون ذلك خلاصاً للبنان.
كان الإمام موسى الصّدر، الذي كتبتُ عنه سيرة ذاتية تظهر إعجابي به ومحبتي له، يقول باستمرار إن لبنان هو الموطن النهائي للشيعة، وليس هذا البلد جزءاً من سوريا الكبرى أو من الثورة الإيرانية أو من القومية العربية. لقد أراد للشيعة أن يصبحوا مواطنين لبنانيين، وتوقّع لهم أن يحدثوا تغييراً في هذا البلد لأنهم يملكون القدرات الماديّة والديموغرافيّة والطاقة والروح المقاومة. لكن عليهم الاختيار. إلا أن بعض رموز ثورة الأرز لديهم الكثير من الملاحظات حول خيارات الشيعة، فالشيعة لديهم حس استشعار قويّ، وفي حال قوبلوا برفض من قادة ثورة الأرز، فإن خيارهم سيكون مختلفاً.
في مطلع شبابي في الخمسينيات، لم يكن للشيعة في بيروت مقابر. أيضاً، لم يكن لدينا في العاصمة اللبنانية حُسينيّات (وهي المعادل الشيعي للجامع). لم يكن ثمة تقاليد بيروتيّة.
حين انتقلت عائلتي للعيش في بيروت الغربية التي كانت مرتعاً للسنة آنذاك، لم يلقوا أيّ ترحيب، ما دفعهم للانتقال إلى الشاطر الشماليّ الشرقيّ من العاصمة حيث تقيم أغلبية من المسيحيين والأرمن. والصورة اليوم مختلفة، فالشيعة يشكلون جزءاً أساسياً من المشهد البيروتيّ.
إذن، على الشيعة أن يختاروا.
أحيانا أمزح فأقحم نفسي في المشاكل: على الشيعة أن يختاروا بين حسن نصر الله وهيفا وهبي (يضحك). لكن جدّياً، بلغت الطائفة الشيعيّة سنّ الرُّشد. إنهم يجنون الكثير من المال من مغترباتهم في غرب
بلغت الطائفة الشيعيّة سنّ الرُّشد. إنهم يجنون الكثير من المال من مغترباتهم في غرب أفريقيا. وهم يطرقون باب الحداثة. وإن ظنّ قادة ثورة الأرز انه بالامكان استبعاد الطائفة الشيعية، فذلك لن ينجح.
أفريقيا. وهم يطرقون باب الحداثة. وإن ظنّ قادة ثورة الأرز انه بالامكان استبعاد الطائفة الشيعية، فذلك لن ينجح.
من جانب آخر، لا أتصوّر بأنّ الشيعة يأتمرون ببساطة الى حسن نصر الله أو نبيه برّي، ويكتفون بذلك. ثمّة قوّة ثالثة لا يمكن الاستهانة بها، وهذه القوى لا تندرج تحت شعار حزب الله أو حركة أمل. أؤمن بالفرد العادي من الطبقة الوسطى الذي يهمه مصلحة بلده وثقافته وممتلكاته، وبالتالي يهمه لبنان.
نصرالله خرج من اللعبة. كانت نهايته في العام 2006. أظن أن مستقبل الشيعة أكبر من نصرالله. أسمع بأن الشيعة يشكلون الأغلبية في لبنان، لكن لنقل انهم أكثرية تشكل 40% من المجتمع اللبنانيّ. هذه الأكثرية لن يملي مستقبلها نصر الله او نبيه بري. إيماني بهم أكبر من ذلك، وما سأقوله قد يفاجئ العديد من القراء العرب، لكني من المؤمنين بحلم التطوّر، وهؤلاء الناس يسعون لتحقيق هذا الحلم.
يملك نصر الله السلاح والمال والتلفزيون والدعم الإيراني، ويميل إلى توظيف بلده لخدمة الآخرين، وهنا تكمن مشكلة لبنان الحقيقية.
العرب والمتغيرات التكنولوجية
شهد قطاعا الإعلام والتكنولوجيا تغييرات كثيرة خلال السنوات الماضية الأخيرة، وبتنا نرى فضائيات إخبارية على غرار الجزيرة والعربيّة، ناهيك عن الانتشار الواسع الذي تحققّه تكنولوجيا الانترنت. كيف يؤثر ذلك على العالم العربيّ؟
ثمة مغالاة في الربط بين التطوّر التكنولوجي أو الإنترنت وبين بنية الأنظمة. ولن تتأثر السلطة بشكل كبير بهذه المتغييرات، خصوصاً وأنها تتّسم بالعناد، وبالتالي تسخّر السلطة هذا التطور التكنولوجي
ينجح الثيوقراطيون الإيرانيون في توظيف الإنترنت لقمع شعوبهم. وأرجّح بأن تشكّل التكنولوجيا قوّة تأثير على السياسة، لكنها لا تملك القوّة الكافية لإحداث تغيير في هذه السلطة.
وإمكانيات شبكة الإنترنت لتحقيق مصالحها الخاصة. على سبيل المثال، فيما يميل المعاصرون إلى الاعتقاد بأن التكنولوجيا تؤثر على السياسة أو تحدث تغيّراً فيها، ينجح الثيوقراطيون الإيرانيون في توظيف الإنترنت لقمع شعوبهم. وأرجّح بأن تشكّل التكنولوجيا قوّة تأثير على السياسة، لكنها لا تملك القوّة الكافية لإحداث تغيير في هذه السلطة.
كما سبق وأشرت، تتسم السلطة بالعناد، لكنّها منغرسة في أعماق الرجال، وتملك السلاح والمال. أعترف بأسى في عمق ترسّخ الأوتوقراطيات في العالم الإسلامي، حيث يخضع الأفراد للحكّام خشية جيرانهم.
الاستئثار بالسلطة وتوريثها
قبل سبع سنوات، تسلم بشار الأسد مقاليد الحكم في سوريا. لقد ورث الحكم عن والده، وظنّت مادلين أولبرايت في حينها أن بشار الأسد سيكون العقل الممكن للمجتمع السوري، واستبشرت بتغيرات جذرية. أما اليوم، يقول الخبراء في الشأن السوري إن بشار الأسد يطبّق نظاماً أكثر قمعيّة من والده. فحافظ الأسد كان رجلاً عسكرياً وقائداً ذكيّاً، أمّا الإبن فأصعب مراساً. فهل يهمّ حقّاً إن أجاد بشّار الأسد أصول استخدام الكمبيوتر؟
يترسّخ مبدأ المال والسلطة في العالم العربي. أنظر إلى ليبيا، حيث يستولي معمر القذافي على السلطة منذ العام 1969، وها نحن نقترب من الاحتفال بالسّنة الأربعين لهذا العسكري الفاسد على رأس الحكم وهو مازال يتعامل مع البلد وكأنها إرث شخصيّ، بدعم كامل من ابنه سيف الإسلام.
القذافي على السلطة منذ العام 1969، وها نحن نقترب من الاحتفال بالسّنة الأربعين لهذا العسكري الفاسد على رأس الحكم وهو مازال يتعامل مع البلد وكأنها إرث شخصيّ، بدعم كامل من ابنه سيف الإسلام. .
الشعوب العربيّة ترى التطوّر على الضفّة الأخرى من النهر، لكنّها تجهل الطريق المؤدّي إليه، وهذا ما يُغضبها. لقد ولّى عصر الانقلابات العسكريّة في العالم العربيّ، وغلب الاستئثار بالسلطات وتوريثها، لتجد نفسك أمام ما أسماه سعد الدين ابراهيم quot;الجمهوركيّةquot;، أي نصف جمهوريّة ونصف حكم ملكي.
وتستنبط ذلك من استمرارية النخب الحاكمة في السلطة لسنوات متتالية في عدّة بلدان عربيّة، فالقذافي يقود ليبيا منذ العام 1960، ومبارك يقود مصر منذ العام 1981، وسلالة الأسد تقود سوريا منذ العام 1970، والجنرال زين العابدين يقود تونس منذ العام 1987. علينا الاعتراف لأولئك القادة بقدرتهم على الاستئثار بالسلطة من دون أن يقدموا في المقابل أي تطوير للبلدان التي يحكمون. وبالرغم من أنهم لا يطورون الخدمات الاجتماعية ولا يعالجون مسألة البطالة وتحتلّ بلدانهم مراتب متأخّرة في المؤشّر العام للتنمية البشريّة التابع للأمم المتّحدة، إلا أنهم يحتفظون بالسلطة.
تلك البلدان تمضي في مسيرتها غير آبهة بما نقول. وتلك المسيرة لا تنتظرني أو تنتظر إدوار سعيد.
أفضال بوش: إقصاء الرايخ التكريتي
برأيك، لولا التدخل الأميركي في العراق، لكان صدّام حسين لا يزال في السلطة؟
لا أشك بذلك. خلال احدى زياراتي إلى مقام الخادمية في العراق برفقة أحمد الجلبي، استوقفتني المفارقة التالية: كل ما يشهده العراق اليوم من تغييرات يعزى إلى أصوات 537 مقترعاً في فلوريدا. لو خسر
ما يشهده العراق اليوم من تغييرات يعزى إلى أصوات 537 مقترعاً في فلوريدا. لو خسر بوش السباق إلى الرئاسة، لكان صدّام حسين لا يزال في السلطة ليخلفه ابناه عديّ وقصيّ وبعدهما حفيده مصطفى.
بوش السباق إلى الرئاسة، لكان صدّام حسين لا يزال في السلطة ليخلفه ابناه عديّ وقصيّ وبعدهما حفيده مصطفى. كان يمكن لذلك الرايخ التكريتي أن يدوم ألف سنة، ولم يكن بمقدور أي شخص من الداخل اسقاطه. حين اسمع الشيعة يتذمّرون خلال زياراتي للعراق، أقول لهم إنّكم مدينون إلى السلطات الأميركية وجورج بوش بالحرية التي تنعمون بها.
تسود مشاعر العداء للولايات المتحدة في العالم العربي، ما يجعلني في حيرة من أمري. ففيما تشير استطلاعات الرأي إلى تنامي هذه المشاعر في العالم العربي، تزدحم السفارات الأميركية بآلاف العرب الساعين للهجرة إليها.
شخصيّاً، وبصفتي مواطناً أميركيّاً أحمل جنسية هذه البلاد، أؤمن بصدق هذه الجمهورية وبأن الولايات المتحدة الأميركية كانت جيدة العالم الإسلامي.
ولو نظرت إلى حرب الكويت في العام 1991، والبوسنة في العام 1995، وكوسوفو في العام 1999، وأفغانستان بين العامين 2001 الى 2002، والعراق في العام 2003، لوجدت أن القوّة العسكريّة الأميركيّة نجحت في إنقاذ خمسة مجتمعات مسلمة ومنحتها الحريّة، والفرصة بحياة أكثر تطوراً خلال فترة لا تتعدّى عقدين من الزمن.
ويعدّ العالم الإسلامي ثالث امبراطورية في العالم الحديث تؤسّسها الولايات المتحدة الأميركية على أراض كانت تشكّل ما عرف في السابق بالامبراطورية العُثمانيّة. وأتت بعد الامبراطورية الأولى التي أقامتها الولايات المتحدة الاميركيّة في المحيط الهادئ بعد حربها مع إسبانيا في العام 1898، ثمّ الثانية التي كانت في أوروبا وآسيا بعد العام 1945 والتي استمرت حتى سقوط جدار برلين في العام 1989. لا انكر أن للحروب التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية في الكويت والبوسنة وكوسوفو وأفغانستان والعراق أهداف استراتيجية، لكنّها في الوقت نفسه طورت فرص الحياة للمسلمين في بلدانهم. لا شكّ في أن السياسة الخارجية ليست عملاً اجتماعياً. لقد شنت الولايات المتحدة حربين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، كما شنّت حملة لخلق توازن في القوى خلال حرب الكويت في العام 1991، وحملتان لاستبعاد وحشيّة التطهير العرقي في البوسنة وكوسوفو.
الفلسطينيون والثّقل المفقود
هل سنرى سلاما في فلسطين؟
أحمل أخباراً سيئة إلى الفلسطينيين، مع العلم أني أدرك بأنهم لا ينتظرونني لأنقل إليهم أيّة أخبار، إذ أشعر بعزلة تامّة عن النخب المثقفة لديهم. ويفيد الخبر السيء بأن فلسطين خسرت ما كانت تشكله من
خان الفلسطينيون أنفسهم بالمغالاة في تقدير الذات، وساعدهم على ذلك العرب من خلال حملهم على الاعتقاد بأنهم مركز أساسيّ لحفظ توازنات القوى في المنطقة، ولكن الواقع يشير إلى غير ذلك.
مركز ثقل في العالم العربي، لصالح العراق في الخليج.
خان الفلسطينيون أنفسهم بالمغالاة في تقدير الذات، وساعدهم على ذلك العرب من خلال حملهم على الاعتقاد بأنهم مركز أساسيّ لحفظ توازنات القوى في المنطقة، ولكن الواقع يشير إلى غير ذلك. فمنذ العام 2000، يشهد المجتمع الفلسطينيّ تراجعاً، بعد أن خرج الفلسطينيون فارغي الأيدي من الانتفاضة الثانية التي حظيت بالتبجيل وقرأنا الكثير عنها، فيما عانت الطبقة الوسطى من المجتمع الفلسطيني تراجعاً وتحوّلت إلى جماعة دينية.
وبالرغم من الشعارات التي رفعها الفلسطينيون والمناهضة للاقتتال الداخلي، إلا أننا نراهم اليوم غارقون فيه. وإن لم يبادروا بإنقاذ أنفسهم من هذا المستنقع الذي يغرقون فيه اليوم، لن تمدّ لهم أي يد للمساعدة والإنقاذ، كما لن يطلّ عليهم فارس عربي لينقذهم، ولن يغازلهم الرئيس الأميركي الحاليّ كما فعل سلفه كلينتون.
وتدفع المجتمعات ديوناً مستحقة جرّاء أخطائها التاريخيّة. فبعد ان زخرت فلسطين بثقافة مؤقتة، استولى تمجيد العنف على مجتمعها، وقضى على أي بصيص أمل فيها. ويفتقر مستقبل الفلسطينيون لقادة يعزّزون الثقافة والتعليم وغيرها من المهارات التسويقية. وبات من الصعب استرداد كل ما خسره هذا المجتمع. ويعتبر عملاً طائشاً خسارة جيل كامل لصالح العنف، وتمجيد أطفال الحجارة والادّعاء بأن هذه الحجارة ستبني عالماً جديداًً. إذ لا يمكن تحقيق تقدّم في المجتمعات إلا من خلال تعليم الأطفال على الصّبر والعمل الشّاق، وكيفيّة حلّ المشاكل الخاصة من دون الاعتماد على الآخرين. وأشكّ في أن هذا ما يعلّمه القادة الفسلطينيون لأجيالهم الصّاعدة.
*أفشين مولافي، مدير المبادرة العالمية الشرق أوسطية في quot;مؤسسة أميركا الجديدةquot; الفكرية.