قصي صالح الدرويش من باريس،وكالات:بعد عاصفة الإنتقادات التي أثارتها عبارة quot;الإستعداد للأسوأquot; أي quot;حربquot; ضد إيران، حاول وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير تخفيف وقع تصريحه الذي أطلقه يوم الأحد الماضي، مشيرًا إلى أنه من دعاة السلام ولا يسعى إلى الحرب وإنما كان هدف أقواله الدعوة إلى quot;الحوار ثم الحوار دون توقفquot; على أساس أن خطر الحرب محتمل وأنه يسعى إلى تجنبها، مضيفًا بأنه يأمل باستمرار الحوار وصولاً إلى حل مقنع. كوشنر أضاف أنه لا يعتقد بأن الأمور وصلت إلى هذا الحد وأنه لا يتوقع تدخلاً عسكريًا أميركيًا قبل نهاية ولاية بوش وأن الجيش الفرنسي ليس مستعدًا ولا يشارك في أية مناورات، لكنه تحدث عن تحضير لعقوبات مالية سبق لألمانيا أن اقترحتها. هذه التصريحات الجديدة أطلقها كوشنير من موسكو التي يزورها حاليًا، وبعد لقاء مع نظيره الروسي الذي لم يوفر انتقاداته لعبارة زميلة الفرنسي.

تساؤلات داخل فرنسا

كوشنير يستنكر تلاعب الإعلام بتصريحاته حول إيران

أصداء تصريحات كوشنير ترددت على المستويين الداخلي والخارجي، داخليًا أثارت حالة بلبلة وطرحت تساؤلات عما إذا كانت quot;زلة لسانquot; وفي هذه الحالة هناك مشكلة تنسيق وانتقاء مفردات يفترض أن تكون دبلوماسية خاصة عندما تصدر عن رئيس الدبلوماسية الذي يعرف أن للكلمات وقع السلاح كما أشار معلق سياسي فرنسي، أو أنها كانت مدروسة وهي تعني اعتماد خط سياسي جديد لفرنسا في الشرق الأوسط وفي هذه الحالة هناك مشكلة أكبر تتمثل في تساؤلات عديدة منها: هل ستشارك فرنسا في أي حرب ضد إيران؟ وهل هذه التصريحات تحضير للرأي العام بهذا الشأن؟ وهل أصبحت فرنسا حليفة للولايات المتحدة في السراء والضراء؟ وهل أصبحت من دعاة التدخل الأحادي والعقوبات الانفرادية بمعزل عن الأمم المتحدة؟ وهل تملك الإمكانية لإعتماد سياسة من هذا النوع من حيث قدرتها العسكرية أو من حيث شعبية مثل هذه السياسة داخليًا؟ خاصة وأنها تترجم قطيعة من ديبلوماسية مارستها كافة الحكومات المختلفة منذ العهد الديغولي وحتى الآن.

أسئلة كثيرة طالب زعماء المعارضة من الاشتراكي فرنسوا هولاند إلى زعيم حزب الوسط فرنسوا بايرو بأن يتم سجال واستجواب للرئيس في البرلمان كي يقدم الإيضاحات المطلوبة. أما الأحزاب المتطرفة على غرار الشيوعي الفرنسي والجبهة الوطنية اليميني فقد أدانت تصريحات كوشنير ورأت فيها سياسة تبعية أطلسية تعكس تحولاً مقلقًا في السياسة الفرنسية التي أصبحت تسمح لنفسها بتهديد عسكري وحرب ستكون إن حدث مغامرة غير مسؤولة ومجهولة العواقب.

يشار إلى أن رئيس الحكومة الفرنسية كان قد سارع إلى نجدة وزير خارجيته غداة تصريحات هذا الأخير مشيرا إلى ضرورة فعل كل شيء لتجنب الحرب وأن دور فرنسا هو القيادة باتجاه حل سلمي.. مضيفا بأن مواجهة مع إيران هي آخر الحلول القصوى التي يمكن لمسؤول سياسي تمنيها. علما بأن فيللون كان أشار في وقت سابق إلى أن quot;التوتر مع إيران بلغ حده الأقصى، خاصة مع إسرائيلquot;. لكن يفهم من إشارة فيللون عن مخاطر السياسة النووية الإيرانية إلى أنها تدفع فرنسا للعمل من أجل حل سلمي وكأن موقف باريس لا يعني التزاما بالحرب بل مجرد الحديث عن تهديدها والعمل من جديد للحوار مرة ومرة لإيقافها.

على الصعيد الإعلامي، تفاوتت آراء المراقبين حول تصريح كوشنر فهناك من وجد فيها استغراقا في الموقف الأميركي نحو الحرب كما أشار الجنرال دافيد بتراوس واشتراك فرنسا في هذا التوجه، وأن حديث كوشنير لم يكن مجرد اندفاع شخصي غير موزون فوزير الخارجية ليس من دعاة الحرب وثقافتها وقد حاول منذ صار وزيرا للخارجية أن يوسع آفاق الانفتاح إزاء الجهات المتطرفة مثل إيران وحزب الله وسورية والسودان أي أنه كان أكثر انفتاحا من الدبلوماسية الشيراكية قبل رئاسة نيكولا ساركوزي وبالتالي فإن تصريحاته الأخيرة كانت نابعة من موقف ساركوزي الذي أصدر إشارات متشددة باتجاه إيران والذي سبق له القول بأن البحث الإيراني عن سلاح نووي غير مقبول.

وهناك من وجد في تصريحات الوزير الفرنسي زلة لسان غير مدروسة دفعته إلى التراجع لاحقا ليبدو الاستخفاف الإيراني بهذه التصريحات في محله. وفي ألمانيا أشارت الصحف الألمانية إلى التكتيك الخطر للرئيس الفرنسي مذكرة بتصريحات إبان أول خطاب عن السياسة الخارجية له كرئيس حيث رسم بديلا كارثيا يتمثل في الخيار بين إيران لديها القنبلة أو القنبلة على إيران. صحيفة ألمانية أخرى نوهت أن الموقف الفرنسي من إيران يضع حدا للتنافس بين باريس وواشنطن.

تباين في المواقف الخارجية

اما على الصعيد الخارجي فكان هناك تباين معهود في المواقف بين قلق أعربت عنه أغلب الدول العربية وترحيب إسرائيلي وأميركي، على الرغم من أن ممثل الولايات المتحدة في الوكالة وزير الطاقة صامويل بودمان أكد أن الولايات المتحدة تتمنى تفضيل الدبلوماسية والضغط في الملف النووي الإيراني على أمل أن تطبق إيران مقررات مجلس الأمن.

أما أوروبيا فصدر أول دعم لكوشنير من نظيره الهولندي ماكسيم فيرهاجن الذي أعرب عن استعداده لتطبيق عقوبات أوروبية ضد طهران إذا لم يتفق مجلس الأمن على إجراءات إضافية.

لكن وزيرة الخارجية النمساوية اورسولا بلاسنيك انتقدت بشدة نظيرها الفرنسي بقولها quot;الزميل كوشنير هو الوحيد القادر على شرح ما أراد قوله. من غير المفهوم بالنسبة لي اللجوء إلى خطاب عسكري في هذه اللحظةquot;. وفي برلين خفف المتحدث باسم الدبلوماسية الألمانية مارتن جاجير من وقع تصريحات كوشنير بقوله quot;من الخطأ الحديث عن تهديدات بالحرب، على العكس، نحن نأخذ ذلك كبرهان على أن أصدقاءنا الفرنسيين يأخذون الوضع على محمل الجدل وسيسعون معنا بفعالية للحيلولة دون تطور من هذا النوعquot;.

ولم يكن مفاجئا رفض بكين وموسكو لتصريحات كوشنير وإن اتسم الرد الروسي بالحدة إذ أعرب وزير الخارجية سيرغي لافروف عن قلقه لاستخدام كوشنير تعبير الحرب ضد إيران ومن تعدد المعلومات التي تشير إلى أن هناك توجها لاتخاذ عقوبات عسكرية ضدها. لافروف الذي انتقد العقوبات الأحادية الجانب ضد طهران، حذر الغرب من أي استخدام للقوة مشيرا إلى أنه من الصعب تصور أن هذه العقوبات ستخفف التوتر في المنطقة وأنه لا توجد حلول عسكرية لمشكلة معاصرة وهذا ينطبق أيضا على البرنامج الذري الإيراني.

من جانبه قال رئيس وزير الخارجية الروسي الكسندر لوسيوكوف لا أعرف إذا كان الأميركيون سيقصفون أثناء قمة قزوين، أعتقد أنهم سيمتنعون، نحن مقتنعون أن لا حل عسكري للأزمة الإيراني كما لم يكن للعراق لكن الآن كل شيء يمكن أن يكون أكثر تعقيدًا. لكن المسؤول الروسي لم يستبعد في الوقت نفسهإجلاء الخبراء الروس العاملين في بناء محطة بوشهر مشيرًا إلى وجود خطة لذلك إذا اقتضت الحاجة، معربًا عن اعتقاده بأن القوة لن تستخدم خاصة وأنها ستزيد الوضع سوءًا في الشرق الأوسط وسيكون أثرها سلبيا في العالم الإسلامي.

أمام هذه الضجة التي أثارتها تصريحات كوشنير تتوجه الأنظار إلى الرئيس ساركوزي الذي تنتظره أسئلة كثيرة وإن كانت هناك إشارة في تراجع كوشنير وتخفيف لهجته وتصريحات فيللون. فعلى الرغم من تصريحات كوشنير المثيرة للقلق وعلى الرغم من تصريحات الرئيس ساركوزي السابقة من الصعب التصور بأن فرنسا تتجه نحو الحرب في إطار اتفاق استراتيجي دفاعي مع أميركا، أي بمشاركة فرنسية. فهناك مسافة كبيرة بين رفض ساركوزي لإمكانية وجود سلاح نووي إيراني والمشاركة ذاتيًا في معركة ليس من السهل معرفة مداها ومخاطرها ونتائجها في إيران وفي منطقة الخليج ناهيك عن المصالح الاقتصادية، حيث تبقى فرنسا ثالث شريك اقتصادي لإيران.

وقد يأتي الرد يوم الحادي والعشرين الجاري من واشنطن حيث يجتمع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (الصين، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا وروسيا) لبحث سلسة عقوبات ثالثة ضد إيران.

توتال قد تدفع الثمن

إلى جانب الشق السياسي من تصريحه، طالب برنار كوشنير الشركات الفرنسية الكبرى بالامتناع عن الاستثمار في إيران وذكر بالاسم شركتي توتال وغاز فرنسا. ولم يتأخر رد الفعل الإيراني الذي جاء على لسان علاء الدين بوروجيردي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني والذي قال quot;إذا استمرت الحكومة الفرنسية في موقفها غير المنطقي حيال إيران فإن البرلمان سوف يعتمد إجراءات قاسية ضد باريس. فمع مثل هذه المواقف من غير المفيد وجود علاقات تجارية بعدة مليارات يورو مع فرنسا. على باريس تقديم الاعتذار للشعب الإيرانيquot;. وتبادل التهديد الاقتصادي الفرنسي الإيراني يهدد على وجه الخصوص صفقة غازية كبيرة تشارك فيها شركة توتال الفرنسية مع شل وريبسول في تطوير حقول الغاز وبناء مصنع لتسييله في منطقة quot;جنوب بارسquot; تصل استثمارات توتال فيه إلى 1.6 مليار يورو. هذا العقد الذي أعلنت طهران عزمها إعادة النظر فيه بدأ التفاوض حوله منذ عام 2004 وينتظر أن يبدأ تنفيذه بعد عامين. بالنسبة لأوروبا التي تريد تقليص اعتمادها على الغاز الروسي كان الغاز الإيراني حلا مريحا، لكن المراقبين يتساءلون عما إذا كانت الصفقة ستؤول إلى روسيا أو الصين، أو ربما الشركات الأوروبية الأخرى.

يشار إلى أن مسؤول قسم الشرق الأوسط في توتال ومهندس هذه الصفقة كريستوف دومارجوري يخضع حاليا للمساءلة القضائية بشأن عقد إيراني آخر نالته توتال في نفس المنطقة عام 1997 حيث اتهم بدفع رشوة للحصول على العقد.

السفير الايراني في باريس

من جانبه اعلن السفير الايراني في باريس علي آهني انه quot;فوجىء كثيراquot; بquot;الخطاب الحربيquot; لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي تطرق الى احتمال نشوب حرب مع طهران.وقال آهني في حديث الى قناة quot;فرنسا 24quot; التلفزيونية الفرنسية quot;فوجئنا كثيرا بالاستماع الى هذا الخطاب الحربي الذي اعطى انطباعا بان الدبلوماسية الفرنسية ستسير في الخط الاميركيquot;. ورأى آهني ان هذا الامر quot;مدعاة للاسف لان فرنسا كانت معروفة باستمرار في ايران والعالم بفخرها باستقلالها السياسيquot;.

وقال وزير الخارجية الفرنسي الاحد ان على العالم ان quot;يتوقع الاسوأquot;، محذرا من احتمال اندلاع حرب مع ايران في حال لم تنجح العقوبات في اقناعها بتعليق نشاطاتها النووية الحساسة.واثار هذا الكلام جدلا واسعا. وحاول كوشنير خلال وجوده في موسكو اليوم الثلاثاء ان يلطف من حدة التصريح الذي ادلى به، فاشار الى وجوب بذل كل ما امكن quot;من اجل تجنب الحربquot; ضد ايران، داعيا الى quot;التفاوض معها من دون توقفquot; مع استمرار العمل على فرض عقوبات.