أسامة العيسة من القدس : اقدم قياديون من حركة فتح وشخصيات عامة على حلق شواربهم وشعور رؤوسهم، في ساحة المنارة بمدينة رام الله، أمام وسائل الإعلام تضامنا مع إبراهيم أبو النجا القيادي الفتحاوي، الذي اتهم مجموعة من حركة حماس التي تسيطر على غزة، بخطفه لعدة ساعات ثم اطلقوا سراحه بعد أن حلقوا شاربه وشعر رأسه.

واراد المتضامنون في رام الله أن يكون ردهم على ما حدث لابي النجا حضاريا إلى حد ما، بدلا من الرد بالمثل، وحلق لحي رجال حماس في الضفة الغربية.

البرلماني الفلسطيني السابق برهان جرار يحلق شاربه تضامنا مع ابي النجا
ورغم أن العالم يعيش ما يطلق عليه زمن العولمة، إلا أن استخدام حلق الشعر كنوع من الإهانة والتعذيب ما يزال يستخدم لدى المرجعيات السلطوية في العالم العربي، حتى أن بعض العبارات تستخدم كناية عن التنكيل بشخص ما او ازدرائه مثل quot;احلق له ع الناشفquot;.

وكانت إسرائيل استخدمت حلق شعر الرأس كنوع من الإهانة للمعتقلين الفلسطينيين، وكان هؤلاء عندما يخرجون من السجون الإسرائيلية يغطون رؤوسهم بكوفيات حتى ينبت شعرهم من جديد.

لكن إسرائيل تخلت عن هذا الأسلوب البدائي في الإهانة، بعد أن اصبح حلق شعر الرأس نوعا من الموضة، ولم يعد يؤثر شيئا في المعتقلين الفلسطينيين، بل انه انتشرت وما زالت بين الشبان في الأراضي المحتلة قصات شعر غربية، لا تبقي من شعر الرأس إلا القليل، بينما يكون محفوفا على الجوانب.

ومن هذه القصات ما يعرف بقصة المارينز، المنسوبة لمشاة البحرية الأميركية، ووجد من بين الفلسطينيين من اعتبرها أصلا قصة فلسطينية، كان الرعاة والبدو يستخدمونها، وتثير السخرية منهم، ولكن بعد أن انتشرت، قصة المارينز، مع الثقافة الأميركية القوية المتغلغلة في أنحاء العالم، أصبحت قصة مفضلة لاجيال من المراهقين الفلسطينيين.

وحتى الزعيم الأردني الراحل وصفي التل، كان يقص شعره بشكل مشابه، وكانت تعتبر إحدى الغرائب، من قبل زملائه ومعاصريه، ومنهم من اشار في مذكراته الى قصة شعر التل quot;الغريبةquot;، ولا يعرف ماذا سيكتبون لو قدر لهم العودة الى الحياة ورؤية جزر الشعر في رؤوس الشبان العرب.

ولم يكن المحققون الإسرائيليون يلجاون إلى قص شوارب المعتقلين، بل يستخدمون هذه الشوارب لابتكار أنواع من التعذيب، ولذا فان أية فرصة كانت تسنح للمعتقل وهو في زنزانة التعذيب لقص شاربه، يلجا إلى ذلك، بدون تردد، تاركا خلفا كل الأمثال العربية التي تتحدث عن مزايا الشارب ورمزيته وحتى الامثال الشعبية التي ضربت به.

وعندما تأسست السلطة الفلسطينية، بدأت من حيث بدا الآخرون في أساليب القمع، فسقط في سجونها خلال عامين اكثر من عشرين معتقلا سياسيا بسبب التعذيب، واستخدمت قص شعر المعتقلين، ضمن منظومة التعذيب، وكذلك حلق اللحى كما حدث مع قيادي حماس الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.

وشكل ما يحدث في السجون الفلسطينية صدمة كبيرة للفلسطينيين، وتم تفسير بعض ما يجري في هذه السجون، بان السجانيين الجدد، الذين كانوا سجناء في إسرائيل، يقلدون سجانيهم القدامى.

وحدث أمر مشابه بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، ويمكن رصد نقاط مشتركة كثيرة بين بدايات سلطة فتح، وسلطة حماس، وصلت إلى حد حلق شوارب إبراهيم أبو النجا، وهو حدث رمزي يؤشر على الثقافة الواحدة التي تستند إليها فصائل العمل السياسي الفلسطيني، وتجعلها لا تفرق بين عمل عصابات الشوارع البدائية، وعمل المؤسسات حتى لو كانت مؤسسات قمع.

وانطبق على ما حدث لشارب أبو النجا، مقولة الفيلسوف، حول أن الحدث الواحد يتكرر مرة كمأساة، ومرة أخرى كمهزلة، وإذا كان ما جرى للرنتيسي أثار السخط حينها، فان ما حدث لابي النجا الان أثار السخرية اكثر، وكانت مناسبة لسيل من التصريحات والبيانات السياسية المستنكرة، وايضا لمقالات ساخرة.

وتوجد دلائل عديدة أن استخدام حلق الشعر كنوع من التعذيب والإهانة يستخدم في سجون عربية، وهو ما تحدث عنه الكاتب الأردني الدكتور هشام البستاني، لدى اعتقله لعدة أيام في سجن الجويدة الأردني في شهر نيسان (أبريل) 2002.

وكتب البستاني عن تجربته تلك في مجلة الآداب اللبنانية، مما جعل الحكومة الأردنية تمنع العدد الذي نشر فيه البستاني مقاله من دخول الأردن.
وقدم البستاني رؤيته لمدلولات حلق شعر الرأس من قبل السجانين قائلا quot;حلق الشعر هو انتهاك جسدي/نفسي صارخ، من ناحية أنها تعرية للرأس تماماً، وهو فعل فاحش إذا ما استندنا إلى الموروث الاجتماعي العربي الذي يعتبر الرأس السافر عيباً سواء للرجل أو المرأة، فالمرأة تضع quot;العصبةquot; والرجل يلبس quot;الشماغquot; أو الطربوشquot;.

واعتبر أن quot;الحلق هو فعل إهانة وإخضاع، وبالإمكان الاستدلال على الإهانة المتأتية من موضوع الحلق إذا ما نظرنا إلى العبارة المتداولة: quot;احلقquot;، التي تستعمل في سياق طرد شخص ما غير مرغوب فيه بطريقة مهينة، وquot;احلق لهquot; التي تحمل معاني الاستبعاد والإقصاء والفوقيةquot;.
واضاف quot; يعتبر الحلق (قص الشعر) ختاناً رمزياً لإدخال الفرد إلى قمعية المجتمع الجديد، وهنا هو السجن. والختان طقس يهودي في الأصل، يستدعي قص لحم الغرلة من أجل الدخول/التماهي الرمزي في المنظومة الاجتماعية الجمعية والخضوع لتقاليدها من خلال تقديم قربان دموي رمزي للربquot;.

ويؤكد البستاني بان حلاقة الشعر في السجن quot;ليست لها علاقة بالنظافة على الإطلاق، حيث تتم الحلاقة جماعياً وبآلة لا تنظف ولا تعقم بين سجين وآخر، وتتم بصورة عشوائية غير منتظمة وهو أمر يجعل من الرأسquot;مرقعاًquot; بكتل مختلفة الطول من الشعر غير المتناسق إمعاناً في الإهانة. وما يزيد من تأكيد قصدية الإهانة هو أن الموقوف/السجين يسمح له بعد فترة بالذهاب إلى الحلاق لتشذيب الخريطة المرسومة على رأسه، ويسمح له فيما بعد بإطالة شعره، وإذا ما فعل ما يستدعي العقاب من السجانين، فإنهم يقومون بحلق شعره مرة أخرى وبالطريقة ذاتها كإحدى العقوبات العديدةquot;.