قصي صالح الدرويش من باريس: بينما سجلت أحزاب اليسار تقدما مهما في الدور الأول من الإنتخابات البلدية، إذ حصلت على نحو 48% من إجمالي أصوات الناخبين مقابل 40% لحزب الإتحاد من أجل حركة شعبية وهو حزب الرئيس ساركوزي. وأظهرت النتائج الأولية خسارة الحزب الحاكم لبعض المدن الكبرى المهمة التي انتقلت إلى اليسار كما حصل في روان أو لافال، كذلك استطاع الحزب الاشتراكي ومنذ الدور الأول الاحتفاظ ببلدية ليون ثاني المدن الفرنسية أهمية بعد باريس. أما غالبية المدن الرئيسية وفي مقدمتها العاصمة فسوف تنتظر حتى مساء الأحد المقبل لتعرف اللون الذي سيحكمها وإن كانت المعطيات الحالية ترجح فوز اليسار في بعضها مثل باريس وستراسبورغ.

ولا شك أن الأسبوع المقبل سيشهد تكثيفا للحملة الانتخابية ومساومات وتحالفات بهدف تجيير أصوات الخاسرين لصالح من بقي على حلبة المنافسة. وعلى هذا المستوى قد يكون من السهل توقع المسار الذي ستأخذه أصوات ناخبي اليمين أو اليسار المتطرف، لكن دور الحكم سيكون بالتأكيد من نصيب حزب الوسط الذي حصل 5% من إجمالي أصوات الناخبين، وهذه النسبة تتفاوت حسب المدن لكنها كافية في معظم الأحوال لحسم مصير هذه القائمة أو تلك. وفي الواقع وفور الإعلان عن نتائج بلدية باريس الكبرى التي أظهر تقدم اليسار بنسبة كبيرة بلغت 41.7% مقابل نحو 28% للحزب الحاكم، سارعت فرنسواز بانافيو مرشحة حزب الرئيس ساركوزي إلى المناداة بتقارب مع حزب الوسط الذي تحتاج إلى كافة أصواته كي تأمل في الانتصار الأحد المقبل وهو ما يبدو صعبا من الناحية الحسابية المحضة على الأقل. هذا مع العلم أن بلدية باريس الكبرى التي تضم عشرين دائرة أو بلدية يسيطر الاشتراكيون على غالبيتها حاليا وينتظر أن تتسع سيطرتهم إلى الدائرة الخامسة والثانية عشرة اللتين ينتظر أن يخسرهما اليمين.

التقدم الذي حققه اليسار لم يكن بالانتصار الساحق الذي تنبأت به استطلاعات الرأي، لكن نتائج الأحد المقبل قد تحول هذا التقدم إلى موجة كاسحة اشتراكية وردية اللون وقد تقلب التوجه لصالح أزرق اليمين الحاكم. وبما أن الحزب الاشتراكي لم يعرف سوى التمزق وتصفية الحسابات طيلة الشهور الماضية، فإن تقدمه لا يعكس رضى الناخبين عنه وإنما نقمة على غيره أو بالأحرى، هذا التقدم يعكس خيبة تجاه شخص محدد هو الرئيس نيكولا ساركوزي. هذا مع العلم بأن الرئيس الفرنسي نشط خلال الأيام الأخيرة لاستعادة شعبيته المنحسرة، مستندا إلى ما تحقق في عهده من تراجع للبطالة ومشددا على مبادرته لتعويض ذوي المرتبات التقاعدية المتدنية أو معلنا عن هدف جديد يتمثل في مساواة الأجور بين الرجال والنساء. وكان الرئيس ساركوزي قد أكد أنه سيواصل تطبيق برنامج الإصلاح الذي اعتمده كما نفى التوقعات القائلة بأنه سيجري تغييرا في الحكومة بعد الانتخابات البلدية، وفي الواقع سيكون من الصعب عليه ضمن هذه المعطيات تغيير فريق حكومي يتمتع رئيسه فرنسوا فيللون برصيد شعبي مرتفع. لكن السؤال ما يزال مطروحا حول إمكانية مواصلة فتح الوزارة أمام شخصيات اشتراكية جديدة مثل وزير الثقافة السابق جاك لانج أو كلود أليجر زميله في وزارة التعليم، علما بأن كلا الرجلين ابتعد بمواقفه عن الحزب الاشتراكي في المرحلة الأخيرة.

عودة إلى نتائج الانتخابات، لم يحقق حزب الوسط الجديد quot;الحركة الديمقراطيةquot; الانتصار المأمول لكن بعض مرشحيه ومنهم رئيسه فرنسوا بايرو سيخوضون الدور الثاني وقد يفوزون، علما بأن الحزب الحاكم حارب بايرو بكافة السبل وعمل على استقطاب قياداته التي انشقت في حزب وسط موال لساركوزي. لكن بايرو سيكون أحد مفاتيح الدور الثاني وهو أعلن أن حركته لن تصدر تعليمات عامة لناخبيها بشأن تجيير أصواتهم لكنها ستدرس كل حالة على حدة وتقرر وفق المعطيات والتحالفات في كل بلدية، هذا مع العلم أن المراقبين يتوقعون أن ترجح أصوات ناخبي بايرو فوز الاشتراكيين في معظم الحالات.

ومن المعطيات التي أفرزتها الجولة الأولى من هذه الانتخابات لاحظ المراقبون تقدما لأحزاب أقصى اليسار مثل الحزب التروتسكي، وبالتوازي تراجع رصيد حزب الجبهة الوطنية المتطرف يمينيا بشكل لا يسمح له بلعب دور الحكم إلى في مدن محدودة للغاية هذا إذا أصغى الناخبون لتوصياته. إن خارطة البلديات الفرنسية ستحكمها نتائج الدور الثاني للانتخابات والتي ستنتهي غالبا إلى فوز واضح لليسار وهزيمة مريرة للرئيس نيكولا ساركوزي.