سفير أميركي في دمشق لتحسين صورة واشنطن
دمشق: في سوريا تعكف الحكومة على تعديل قوانينها بغية جذب العدد الكبير من المغتربين السوريين وحثهم على العودة إلى تراب الوطن، حاملين معهم أموالهم والمهارات والخبرات التي أكتسبوها في بلاد الاغتراب.

والرئيس السوري بشار الأسد نفسه سبق له أن عاش أكثر من سنتين في بريطانيا قبل أن يعود إلى البلاد في أعقاب وفاة شقيقه باسل في حادث سير عام 1994، ومن ثم ليتسلم مقاليد الحكم في البلاد بعد وفاة والده الرئيس حافظ الأسد عام 2000.

وتشمل الإجراءات الجديدة التي تقدمها الحكمة حوافز اقتصادية وإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية التي شكلت دوما السبب الرئيسي الذي حدا بالكثير من مغتربي سوريا إلى عدم الرجوع إلى البلاد حتى ولو لزيارة أسرهم.

خبير اتصالات
يقول المغترب بهاء عيسى، وهو في الثلاثينيات من العمر وأمضى أكثر من 15 عاما في كل من بريطانيا والإمارات العربية المتحدة، إنه ترك عمله مؤخرا كخبير اتصالات في شركة مايكروسوفت العالمية للبرمجيات، وذلك من أجل العمل في شركة quot;الشام القابضةquot; التي تم تأسيسها حديثا في سوريا.

ويضيف عيسى: quot;أنا مبتهج جدا بعودتي، ففي بلد متقدم عليك أن تتدرج ببطء على السلم الوظيفي والمهني، إلا أنك تكون هنا جزءا من فريق عمل يعمل على نقل البلاد إلى مستوى مختلف.quot;

والحكومة، التي تقدر عدد المغتربين السوريين في العالم بحوالي 15 مليون شخص، حريصة على إيصال مثل هذه الرسالة التي عبر عنها عيسى.

تقول الدكتورة بثينة شعبان، التي ترأس وزارة المغتربين التي أُنشئت منذ أكثر من خمس سنوات بهدف دعم المغتربين وتشجيعهم على رفد وطنهم بخبراتهم واستثماراتهم: quot;لقد تم تأسيس الوزارة لتسهيل العلاقات بين المغتربين وبلدهم الأم سوريا.quot;

مؤهلات عالية
وتضيف الوزيرة شعبان قائلة: quot;إن العديد من هؤلاء المغتربين يحملون مؤهلات عالية وسيكون من المفيد جدا أن يعودوا، وليس بالضرورة أن يرحلوا نهائيا عن البلدان التي يعيشون فيها، بل على الأقل من أجل بناء الجسور مع بلدهم.quot;

وتقر الدكتورة شعبان بحقيقة مفادها أن سوريا ليست دوما هي المكان الأسهل للعمل، فمازال يلزم مؤسساتها أن تقطع شوطا طويلا، لكنها بلد يمر بمرحلة انتقالية.

وتتابع المسؤولة السورية موجهة حديثها إلى مغتربي بلادها قائلة: quot;لا تظنوا أنه بإمكاننا جعل سوريا مكانا أفضل بين عشية وضحاها، فأنتم عائدون للمشاركة في صنع سوريا وجعلها تصبح أفضل، بما في ذلك مكافحة البيروقراطية والفساد وكل مظهر سلبي نعاني منه جميعا.quot;

مشقات ومصاعب
ويعتقد بعض المغتربين أن ثقافة بلدهم الأم ووجود الفرص الاقتصادية الجديدة تعوضهم عن المشقات والمصاعب التي تواجههم.

يقول سمير كلاس، وهو مهندس معماري في الخمسينيات من العمر، إنه كان خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي مترددا بالعودة من الولايات المتحدة، حيث كان يعيش ويعمل لسنوات، وذلك كي يستقر في بلد مثل سوريا التي لا تستطيع برأيه اللحاق بالغرب في مجال التكنولوجيا والتطور.

أما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر من عام 2001، يقول كلاس، فإن نظرته إلى الأمر قد تغيرت.

ويضيف: quot;لا يوجد مكان كامل على وجه البسيطة، وسوريا فيها الكثير من المصاعب والعقبات. إلا أنه لا يتعين أن نتوقع أن يتوفر لنا كل شيء ويكون جاهزا أمامنا لنيله.quot;

ويردف قائلا: quot;بعد 9/11، أصبح الجو برمته في الولايات المتحدة موبوءا ومشوها، وخصوصا بالنسبة لأولئك الأمريكيين المنحدرين من أصل عربي أو ذوي الخلفيات التي تربطهم بالعرب. من هنا، فقد شعرت بالحرية أكثر باتخاذ قرار العودة إلى منطقة الشرق الأوسط.quot;

quot;غياب الحرية السياسيةquot;
ولكن الكثير من المغتربين العائدين إلى وطنهم سوريا يشعرون بأن الحرية الاقتصادية المتعاظمة لا تغني ولا تعوض عن غياب الحرية السياسية في البلاد.

فها هو الفنان التشكيلي المعروف يوسف عبدللكي قد عاد منذ سنوات مضت ليستقر في مدينته القديمة في سوريا بعد أن أمضى سنوات في فرنسا التي قصدها خلال ثمانينيات القرن الماضي على أثر سجنه بسبب عضويته في حزب العمل الاشتراكي المحظور.

يقول عبدللكي: quot;لقد عدت لأنه من حقي أن أعود. أنا لا أعتقد أنه قد تبدل الكثير في طبيعة السلطات أو في قبضتها الأمنية، إلا أن الوضع الدولي هو الذي قد تبدل.quot;
ويضيف: quot;سيظل لدينا أشخاص في السجن بسبب التعبير عن وجهات نظرهم. وأنا لا أعتقد أنه بإمكان بلد ان تتطور ما زالت الحريات فيه مغيبة.quot;

حرية التعبير
ومع ذلك، يقول الفنان السوري، إنه ليحدوني أمل كبير بأن السوريين سيتمتعون بحرية التعبير ذات يوم.

وفي مدينة دمشق القديمة، راح بعض الموسيقيين الشباب يعدون العدة لإقامة حفل موسيقي على مسرح quot;ثيتروquot; الصغير الذي افتتحته الممثلة مي سكاف وأضحى مقصدا لعشاق الفن والتمثيل.

تقول سكاف إنها حريصة على منح الفنانين السوريين الشباب مكانا ليمارسوا فيه حقهم في حرية التعبير.

وتتابع سكاف قائلة: quot;لقد بدأ مسرح ثيترو بفكرة كانت حلما تتلخص بأننا نحن الفنانين الشباب نمتلك طاقة وحماسا ورغبة بالعمل في مجال نعرفه وهو بالنسبة لنا قضية كيان وهوية.quot;

أحلام الشباب

وتضيف قائلة: quot;إن الحركات الثقافية ترفع من سوية خدمات البنية التحتية للمجتمع وتخلق فرصا للفنانين الشباب للبقاء وتحقيق أحلامهم هنا. أنا شخصيا أشعر بأنني غير قادرة على رؤية مشروعي أو نفسي خارج سوريا، أي أن أعيش وأعمل خارج سوريا، فأنا أشعر عندئذ أنني سأضيع وأفقد هويتي.quot;

وقد يكون لربما من الأهمية بمكان أن يكون معظم الموسيقيين الشباب يخططون لبناء مستقبلهم في بلدهم سوريا.

وبينما تظل الأرقام والإحصائيات المتعلقة بعدد العائدين من المغتربين السوريين إلى وطنهم الأم غير متوفرة، إلا أن الأدلة التي يتناقلها الناس هنا تشير إلى أن العديد من هؤلاء قد عادوا فعلا إلى بلادهم.

وأخيرا، يبقى الامتحان الحقيقي للحكومة ومقياس نجاحها متمثلا فيما إذا كان أفراد الجيل الشاب من المغتربين سيقرر ما إذا كانت سوريا هي فعلا البلد الذي يرغبون بالعيش فيه أم لا.

لينا سنجاب
بي بي سي-دمشق