دبي: أثار تسارع الأحداث في المنطقة على خط المواجهة المستمرة بين إيران وأميركا الكثير من التساؤلات، وخاصة لجهة ما عرفته الأيام الأخيرة من تهديدات متبادلة وتلويح بضربات quot;قاصمةquot; وquot;مدمرةquot;، وما إلى ذلك من تعابير عرفها قاموس الخطب المتبادلة بين طهران ووواشنطن وتل أبيب. وكانت الإشارات الأبرز إلى عمق التوتر الحاصل إشارة إيران غير المسبوقة إلى أنها قد تقفل مضيق هرمز الذي تمّر من خلاله إمدادات نفط الخليج إلى العالم، إذا تعرضت لعمل عسكري. فجاء الرد سريعاً على لسان الأدميرال كيفين كوسغريف، قائد الأسطول الأميركي الخامس، إذ أكد أن واشنطن quot;لن تسمح بذلك.quot;

غير أن الأمور تبدلت بسرعة الأربعاء، حيث أكد البيت الأبيض أولوية الخيار الدبلوماسي مع طهران، ليخرج بعد ذلك قائد الأركان الأميركية، الأدميرال مايكل مولن، بتصريح أتى بمثابة الترجمة العسكرية لذلك، إذ أشار إلى أن ضرب إيران، إلى جانب الحرب بالعراق وأفغانستان، سيضع الجيش الأميركي تحت quot;ضغط هائل.quot;

وبينما رأى منظّرو احتمال حصول صفقة بين القوى المتصارعة في المنطقة هذه التطورات دليلاً على صحة ما توجهوا إليه، شدد خبراء على أن الخيار العسكري سيظل واردا،ً وأن تكلفته على واشنطن وحلفائها في المنطقة - بصرف النظر عن حجمها - ستكون أسهل بما لا يقاس من قبول تبدلات استراتيجيه يفرضها تحوّل إيران إلى قوة عظمى في المنطقة مع قنبلة نووية.

قهوجي: نتجه إلى حرب باردة في الشرق الأوسط

وفي هذا الإطار، رأى رياض قهوجي، مدير مركز الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري إن المنطقة أمام خيار من اثنين، quot;الأول احتمال المواجهة، والثاني اعتراف أميركي غير مباشر بعدم القدرة على حسم الملف عسكرياً حالياً.quot; واضاف قهوجي: quot;سيفرض الخيار الثاني الانتقال إلى حرب باردة يستعاض عبرها عن المواجهة المباشرة بمواجهات على جبهات فلسطينية ولبنانية وعراقية، وتتجه المنطقة إلى مرحلة تأزيم طويلة.quot;

قهوجي استبعد أن تنجح فرص التوصل إلى صفقة بين واشنطن وطهران، معتبراً أن إسرائيل quot;لن تقبل بها، رغم أن بعض الجهات الأميركية تدعو إليها،quot; وخاصة إذا تضمنت الصفقة الحفاظ على بعض جوانب البرنامج النووي الإيراني، وفي مقدمتها التخصيب، الذي quot;لن تقبل به تل أبيب مطلقاً.quot; لافتاً إلى أن الحلفاء العرب quot;لديهم أيضاً تساؤلات عن النوايا الإيرانية، وهم لن يسمحوا بتسوية تكون على حسابهم.quot;

ورفض قهوجي اعتبار أن أميركا عاجزة عن توجيه ضربه عسكرية لإيران، معتبراً أن هناك نوع من quot;الإنهاك المعنويquot; للجيش الأميركي، أما الحديث عن الإنهاك المادي فهو quot;محدود،quot; خاصة وأن واشنطن ما تزال قادرة بكل المقاييس على خوض الحرب، باستثناء عائق الرفض الشعبي وضعف الجبهة الداخلية.

غير أن الخبير العسكري حث إيران على quot;عدم النظر إلى الموضوع وكأنه ضمانة لها، وعدم اعتبار نفسها قوة عظمى، لأن أميركا قادرة على خوض حرب ثالثة، وتدمير البنية التحتية العسكرية الإيرانية خلال بضعة أسابيع، وإن كان هناك مخاوف من استخدام إيران لسلاح العمليات الإرهابية في المنطقة والولايات المتحدة نفسها.quot;

ورأى قهوجي أن موقف طهران من واشنطن خلال الفترة المقبلة quot;سيتوقف على مدى حكمتها، واحتمال أن تفترض بأن أميركا في موقف انهزامي وعليها التصعيد لحصد مكاسب جديدة،quot; مشدداً على أن أميركا quot;تضع حدودا لن تسمح لإيران بتجاوزها.quot;

وحذّر قهوجي من احتمال انفجار الأوضاع في منطقة معينة، متسببة بسلسلة تفاعلات تؤدي إلى انفجار شامل، داعياً القيادة الإيرانية إلى الأخذ بعين الاعتبار واقع أن الإدارة الأميركية الحالية تعيش أيامها الأخيرة، وليس هناك ما تخسره سياسياً، وهي على استعداد بالتالي للمجازفة.

وعن الموقف السوري حيال تصعيد عسكري ضد إيران قال: quot;سوريا أجندتها لا تتوافق مع أجندة إيران، فالنظام في دمشق عربي علماني هدفه استرجاع الجولان والحفاظ على نفسه وضمان سلامته، بينما النظام في طهران فارسي إسلامي شيعي هدفه التحول إلى قوة عظمى، والشيء الوحيد الذي يجمع بينهما هو حزب الله.. وأرى أن السوري سيتابع معالجة ملفاته وهو سيحدد متى يمكن له أخذ خطوة معينة قد تسمح لها بالمزيد من الحراك السياسي.quot;

العاني: مكاسب ضرب إيران قد تكون أكبر من الخسائر

من جهته، اعتبر مصطفى العاني، مدير قسم الأمن الوطني ودراسات الإرهاب في مركز الخليج للأبحاث في دبي أن تسلسل الأحداث في المنطقة شهد تسجيل تطورين أساسيين، الأول تأكيد الولايات المتحدة على لسان قيادتها العسكرية والسياسية أنها لن تقوم بعمل عسكري ضد إيران، طالما الخيار السياسي والدبلوماسي مفتوح.

والثاني الرد الأميركي على تلويح إيران بإمكانية إقفال مضيق هرمز، حيث أكد قائد الأسطول الخامس أكثر من مرة أنه لن يسمح لإيران بذلك، وهذا ليس تناقضاً بل إثبات أن واشنطن لن تستبعد الخيار العسكري، وذلك للضغط على إيران.

وعن احتمال أن تتجه الأمور نحو ترتيبات تمنح إيران موقعاً في المنطقة، قال: quot;لا أجد مجالاً لصفقة كبرى بين أميركا وإيران في ظل إدارة بوش، ولكنها محتملة ومرجحة في ظل الإدارة المقبلة سواء أكانت جمهورية أم ديمقراطية، لأن الإدارة الحالية والنظام الإيراني عبرا عن يأسهما المتبادل من بعضهما.quot;

وتوقع العاني ألا تقع ضربة أميركية على إيران quot;إذا ظلت الأمور على وضعها حتى دون نهاية ولاية بوش،quot; مشدداً على أن الصفقة هي quot;مطلب إيراني وأمنية لطهران، التي تريد الحصول على مكانة في المنطقة، والعودة إلى أن تصبح حليفة لأميركا.quot;

غير أن الخبير المتخصص في الشؤون الأمنية حذر من احتمال أن تقوم إسرائيل بعمل منفرد ضد البرنامج النووي الإيراني، قائلاً: quot;لدى إسرائيل سياسة مستقلة عندما يتعلق الأمر ببقائها وأمنها، وسياستها الخارجية مرتبطة بوضعها السياسي الداخلي، فإذا ظهرت ضغوط داخلية تدعوها إلى ضرب إيران فستفعل ذلك.quot;

وأضاف: quot;واشنطن لن تستطيع إيقاف تل أبيب إذا كانت تشعر بوجود تهديد لبقائها، وقد سبق لإسرائيل أن وجهت ضربات عسكرية إلى دولتين عربيتين على خلفية برامج نووية، الأولى ضد مفاعل تموز العراقي عام 1981، والثاني ضد ما قيل إنه منشأة نووية سورية عام 2007، وقد خرجت من العمليتين بأقل قدر من الخسائر العسكرية والدبلوماسية، ويمكن لها الاعتماد على هذه التجارب للتحرك ضد إيران.quot;

وعن وضع دول المنطقة العربية، قال العاني إن الأخيرة quot; لا تريد أن تجد نفسها بين فكي كماشة بين أميركا وإسرائيل وإيران، لكن إذا كانت الضربة العسكرية ستوقف طهران عن الظهور بمثابة دولة نووية تهدد المنطقة وتوازناتها، فالدول العربية ستؤيدها لأن إيران النووية تمثل تبدلا استراتيجياً على أرض الواقع في المنطقة.quot; وقال إن إسرائيل ستتوقع بالتأكيد رداً من حزب الله إذا ضربت إيران، وأن واشنطن ستتوقع رداً إيرانياً في العراق والخليج إذا قامت شخصياً بالضربة.

غير أنه شدد على أن ذلك قد لا يحول دون استهداف البرنامج النووي الإيراني باعتبار أن quot;تحمّل ضربات إيرانية قد تستمر أياماً أو أسابيع سيكون مقبولاً بالقياس إلى الخسائر الإستراتيجية التي ستقع إذا امتلكت إيران السلاح النووي، وتبدلت موازيين القوى في المنطقة.quot; ويذكر أن التوتر الأخير كان قد انعكس على القطاع الاقتصادي في الخليج والعالم، إذ تزايد القلق حيال إمدادات النفط، وسجلت أسعاره قفزات قياسية في الأسواق الدولية، وتعرضت البورصات في بعض الدول لهزات عنيفة.