كان القرار الفرنسي والقرار الأمريكي الذي تبعه بمقاطعة قناة "المنار" الفضائية الأصولية الإرهابية هما القراران الحكيمان والشجاعان اللذان لم تستطع أية دولة عربية أن تقدم عليهما نتيجة لخوف الأنظمة العربية من وحشية الإرهابيين الأصوليين الذين استطاعوا وقف مسلسل تافه وسخيف كمسلسل (الطريق إلى كابول) بقوة السلاح وبالتهديد والوعيد، بعدما أصبح العالم العربي ساحة رمّاحة للارهاب الفكري الذي يقوده كتاب الأعمدة اليومية والأسبوعية في الصحافة العربية والإرهاب الإعلامي الذي تقوده رأس الأفعى الاعلامية العربية وهي قناة "الجزيرة" وذنب هذه الأفعى وهي قناة "المنار" الذي قطعته فرنسا بالأمس وتبعتها امريكا، ونأمل أن يتم قطعه في كافة أنحاء أوروبا والعالم العربي الخائف والمرتجف أمام هجمات الإرهابيين الممولين من أصحاب هاتين القناتين سواء كانوا من الإيرانيين أم من القطريين المحكومين لجماعة الإخوان المسلمين ومرجعيتهم الفقهية العليا، وهو الشيخ القرضاوي.

***
إن قرار مقاطعة "المنار" بوق الإرهاب الأصولي الديني المكشوف والمعلن في العالم العربي كان قراراً أصيلاً من فرنسا الدولة العلمانية الديمقراطية. وهذا القرار رغم أنه ينتمي إلى الديمقراطية المستبدة إلا أنه أثلج صدور العلمانيين العرب في العالم العربي وفي داخله. وهو دفاع فرنسي مشكور عن مستقبل العلمانية العربية ومستقبل الحداثة العربية التي تعني لفرنسا الشيء الكثير مما دفعها وبشجاعة نادرة إلى تبني القرار 1559 القاضي بانسحاب سوريا الدولة الأصولية القومية في دعواها والدولة الأصولية الدينية في توجهها وخطابها من خلال تبنيها لكل الحركات الأصولية الدينية الإرهابية المسلحة في العالم العربي (حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي، كتائب الأقصى، القاعدة، مقتدى الصدر وغيرهم). ولكن فرنسا ومن بعدها أمريكا قطعتا ذنب الأفعى الإعلامية الإرهابية المتمثل بفضائية "المنار" وتركت رأس الأفعى الكبير وهو قناة "الجزيرة". فقناة "الجزيرة" أشد خطورة على العلمانية العربية وعلى الحداثة العربية من فضائية "المنار". ولو أجرينا مقارنة سريعة بين قناة "المنار" وقناة "الجزيرة" لوجدنا أن قناة "الجزيرة" كانت أحق بالمقاطعة الفرنسية من قناة "المنار" ولكن لا أمل بمقاطعة امريكية لها لأنها قناة " الجزيرة" أمريكية الصنع والحاجة، عربية اللسان واللجاجة، مرضي عنها من قبل الادارة الأمريكية تمام الرضا، بل إن وجودها يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة وفي قطر على وجه الخصوص ، وهو وجود جاء مع اقامة أكبر القواعد الأمريكية العسكرية في العالم في قطر. ومن هنا فقناة "الجزيرة" أشد خطورة من قناة "المنار" وذلك للأسباب التالية:

1- قناة المنار قناة مكشوفة الأهداف لا تدسّ السُمَّ في العسل ولكنها تعطيك سُماً وتقول لك هذا سُم،ٌ إن شئت أخذته، وإن شئت تركته. ولكن قناة "الجزيرة" تدسّ لك السُمَّ في العسل وتعطيك عسلاً مسموماً. فهي تخدعك، وتغشك، وتغرر بك لكي تقتلك إعلامياً، وتعطل عقلك، وتشنجك، وتشحن فيك العواطف والغرائز، وتسلبك التفكير، وتربيك على التكفير تحقيقاً لهدف بعيد.

2- قناة "المنار" قناة شيعية مكشوفة التمويل والدعم السياسي فهي الناطقة الرسمية العربية باسم حكم الملالي في إيران وباسم الحكومة الدينية الظلامية هناك. وكانت الغاية من انشائها هي الدعوة لاقامة حكومات دينية أصولية في العالم العربي على غرار دولة الملالي في ايران واقامة أحزاب لله على غرار "حزب الله" في لبنان الحداثي والعلماني. وهي لا تدعي الحداثة ولا تدعي الليبرالية. في حين أن قناة "الجزيرة" تنكر أنها تنطق باسم دولة قطر التي لها ثأر مع معظم دول الخليج، وتريد أن تنتقم من هذه الدول إعلامياً حين لم تستطع الانتقام منهم عسكرياً أو ديبلوماسياً. وكان الغرض من انشائها غرضاً سياسياً بالدرجة الأولى لكي تغطي على اقامة أكبر القواعد الأمريكية في العالم على أراضيها. ولذا فمن غير المحتمل اطلاقاً أن تمنع امريكا بث هذه القناة في امريكا أو محاولة اغلاقها في قطر وهي تستطيع ذلك بجرة قلم. بل على العكس من ذلك، فالحكومة الأمريكية أعطت لقناة "الجزيرة" في واشنطن من التسهيلات ما لم تعطه لأية قناة عربية أخرى، وسمحت لها بحرية واسعة للتحرك في كل الاتجاهات، وذلك لأنها تشكل الحماية الإعلامية الكبيرة لقواعدها في قطر. بل أن هناك من يقول أن أمريكا غير راضية عن سياسية القناة الحالية وتريدها أن تكون أكثر قسوة على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط حتى ترضي غرور الإرهابيين العرب وتلجمهم وتبعدهم عن مهاجمة قواعدها العسكرية في قطر. وما مهاجمة بعض المسؤولين الأمريكيين لقناة "الجزيرة" بين وقت وآخر إلا لذر الرماد في العيون العمياء. ومن هنا فقناة "الجزيرة" تتبني خطابات وأشرطة "القاعدة". بل هي الناطق الرسمي باسم "القاعدة" وكافة المنظمات الإرهابية الأصولية في العالم العربي وذلك لمنع هذه المنظمات من مهاجمة القواعد الأمريكية في قطر، وهو ما يثلج صدر أمريكا ويريحها، ويدع الجنرال "جون أبو زيد" ينام هانئاً مطمئناً في قاعدة "العُديد" الأمريكية العسكرية. فتخيلوا أيها القراء لو لم تكن في قطر قناة "الجزيرة" (الناطقة الرسمية باسم كافة الفصائل الارهابية الأصولية) وكانت في قطر أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم، فمن سيحمي هذه القواعد من هجوم الإرهابيين عليها كما يحصل الآن في العراق. وهذه إجابة واضحة على سؤال الكثيرين عن سبب حماس وتبني "الجزيرة" لخطابات وعمليات الإرهابيين في كل مكان من العالم العربي.

***
لو كان قادة الفصائل الارهابية الأصولية أذكياء بما فيه الكفاية لاستطاعوا فهم أهداف قناة "الجزيرة" فهماً صائباً ولكشفوا الغطاء الإعلامي عن أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم. ولكن هؤلاء القادة بلهاء وأغبياء وفرحين بهذه القناة التي يطلون على العالم من خلالها والتي يظنون بأنها قناتهم وعلى رأسهم الشيخ القرضاوي مؤسس هذه القناة ومفتيها الشرعي والذي يهاجم امريكا وسياستها وقواتها ومدنييها في كل مكان في العالم ما عدا قطر المحروسة.
وفي ذلك برهان لمن لم يدركه العرفان.

[email protected]