قامت دنيا العرب ولم تقعد لاختطاف فرنسيين، لا لسواد عينيهما بالطبع، وانما لزرقة أعين شيراك وفرنسا التي لم تأل جهدا للحفاظ على صدام حسين على كرسي السلطة.ولكن تلك الدنيا، حكومات ومعارضات، نامت قريرة العين عن زميلهما الايطالي الذي ذبح كالنعاج قبل أيام، وبعده الاثني عشر نيباليا، مرورا باتراك ومصريين وباكستانيين وهنود ولبنانيين، وعراقيين بالطبع، الذين يذبحون جماعيا وعلى مدار الساعة ..
إن الخطف بالتأكيد جريمة شنعاء، بما تتضمنه من اذلال نفسي وجسدي، لا فرق بين ضحاياها أكانوا فرنسيين أم نيباليين، فكيف اذا توجت بالذبح..

ينتاب المرء الضحك، وهو ضحك كالبكاء، عندما يقرأ سيل البيانات العربية الرسمية والمعارضة التي تستجدي الخاطفين الافراج عن الفرنسيين لغرض "عدم تشويه صورة المقاومة العراقية" ، وكأن ذبح الايطالي والنيباليين والاتراك والمصريين لم يشوه وجهها، أوان عملياتها البطولية التي تنتهي بمقتل امريكي واحد أو صفر مقابل مئتي أو ثلاثمئة عراقي واجهة مشرفة، وتكفي الملهاة التي تفرج عليها العالم أجمع ليلة أمس حين افرج الأشاوس عن سبعة مساكين مقابل نصف مليون دولار لتظهر للعالم من هؤلاء وما يخبئونه للعراق..

لم يبق اسم عربي له منفذ الى الاعلام، ابتداء من شيخ قطر وانتهاء بمروان البرغوثي، مرورا بالحكام والاحزاب والسياسيين والفضائيين، والمشاهير والنكرات، لم يطالب باطلاق سراح الفرنسيين، ولكن أي من هؤلاء، لم يؤرقه مصير النيباليين المساكين واقرانهم "العالم ثالثيين"، الفقراء، العراة، وكأن النيبالي أو المصري أو الباكستاني لا أم ثكلى له تبكيه، أو طفل يحلم بلقمة نظيفة، أو زوجة تنتظر.. بالطبع، انها فرنسا، وما ادراك ما فرنسا ، صاحبة المال والنفوذ والسلاح وشركات البترول وحليفة صدام وسنده ، وحليفة اسلاميي الجزائر المتباكية على حقوقهم وليس على رؤوس ضحاياهم المقطوعة، والسيدة العجوز التي تحاول استعادة شبابها امام العاصفة الاميركية بدون جدوى بعد ان فقدت حتى افريقيا السوداء.. أما النيبال فما النيبال، كتلة اخرى من فقراء اسيا الذين لا حول لهم ولا قوة مثلها مثل الباكستان أوالهند وقرينتهما العربية الافريقية مصر ..

مما يثير التأمل ان يتذكر العرب "الدواعي الانسانية" و"قيم الاسلام" عند مناشدتهم للعصابة التي خطفت الفرنسيين، فـ"الانسانية" و"قيم الاسلام" لا تنطبق الا على الفرنسيين ، أما ما عداهما فهو"نضال ضد الاحتلال" و"مقاومة شريفة" و"ضربة مؤثرة للعدو"، وكأن اميركا ستهتز لها شعرة اذا ما ذبح اثني عشر او أثني عشر مليونا من النيباليين أ غيرهم..

ويخرج الشيخ غيرالجليل متحدثا عن الهيئة اياها في العراق فيدين بخطبة عصماء اختطاف الفرنسيين، ثم يعرج لثوان على النيباليين فيصفهم بالاغبياء الضالين الذين كان يجب اطلاقهم لتكون رسالة لشعبهم. ثم يذّكر أحد ما هذه الهيئة ، كما يبدو، في اليوم التالي بأن ما قالوه ونقلته الفضائيات خزي كبير خصوصا بعد ان انتفض فقراء تلك البلاد لكرامتهم فحرقوا وقتلوا، فتتغير اللهجة في اليوم التالي فيصبح قتل النيباليين غير شرعي فقط..

وفي وسط كل هذا الضجيج، تبقى جثث العراقيين نسيا منسيا، تفجر اجسادهم سيارات الموت بأسم المقاومة، وتنتهك كرامتهم يوميا عصابات الشارع بأسم الدين، ويذبحون في منازلهم بتهمة سب الأمام فلان أو الملا علان، ولا بواكي ولا نوائح، فقط مصفقين من المحيط الى الخليج. فدم العراقي رخيص، ولحمه رخيص، وبلاده مشاع للجميع..

توا..

قرأت توا خبر اغتيال ثلاث شابات مسيحيات في الموصل.. لكم الله يا مسيحيي العراق، وصبرا جميلا. أن الرحيل الجماعي الذي تشهده النقاط الحدودية العراقية ليس خلاصا لكم، فهذا وطنكم كما هو وطن غيركم، فانتم اصلاء ولستم دخلاء .. إن كل شبر تتركونه لظلامي معتوه أو قاتل مأجور مسمار في نعش العراق، فلا تمنحوا لهم هذه الفرصة..