وزلزال عام 1992 كشف عن المطبعة السرية لـ «الوفد» في دهليزه

القاهرة ــ من محمود حسين: في مقاهي القاهرة «حواديت» اجتماعية، وحكايات ثقافية، وأسرار نضالات سياسية، وبخاصة مقاهي النخبة، أو التي حفرت لنفسها مكانة متميزة، وباتت أماكن ثقافية وفكرية، فجذبت المشاهير، وبات لها عشاقها، ومن بين أشهر هذه المقاهي «ريش كافيه» الذي زارته «الرأي العام» وعرفت حكاياته وأسراره.
مقهى «ريش» الذي يقع في قلب مدينة القاهرة وبالتحديد في ميدان «طلعت حرب» (سليمان باشا سابقا) يمثل في كل مراحل وجوده ركنا لذاكرة العاصمة المصرية ليختزل ذاكرتها عبر 100 عام ويعد جزءا مهما من تطور الحياة السياسية والثقافية والفنون في مصر المحروسة.
وقد لايعرف الكثيرون أن كلا من طه حسين والعقاد وأحمد أمين ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف ادريس وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وأم كلثوم ورياض السنباطي وفاطمة اليوسف وصلاح عبد الصبور ونجيب سرور من رواد هذا المقهى.
وعودة الى الماضي يذكر صاحب المقهى الحالي، أن العمارة التي يقع فيها المقهى شيدت في العام 1908 مكان قصر الأمير محمد علي، وقد أقامها جد الكاتب الكبير فتحي غانم من أمه، وأسس «كافيه ريش» رجل الأعمال النمسوي برنارد سينبرخ العام 1914، ثم باعه للفرنسي هنري ريسني الذي باعه لليوناني جورج أيفانوس، ثم في العام 1960 باع اليوناني المقهى لأحد أبناء الصعيد، وتحديدا من «أسيوط»، وهو عبد الملاك ميخائيل، وبعد رحيله انتقلت ملكية المقهى الى الورثة الذين أعادوا صياغة المقهى دفاعا عن التراث والتاريخ.
ويقول أقدم رواد المقهى المهندس عباس محمود: «ان المقهى لم يكن على صورته الحالية حيث كان يشرف على ميدان سليمان وله حديقة مضاءة تعزف بها فرقة «أوركسترالية كلاسيكية» وتلتقي فيه النخب العائدة من أوروبا كما كانت تجلس فيه قيادات ثورة 1919.
وأوضح أنه عندما ضرب الزلزال مدينة القاهرة في 1992 تصدع جدار في «البدروم» داخل المقهى وعند اجراء الترميمات تم اكتشاف دهليز صغير يؤدي الى مخزن سري عثر في داخله على ماكينة طباعة كان يستخدمها الجهاز السري لحزب «الوفد» لطباعة المنشورات التي كانت تستخدم في ثورة 1919».
من جانبه يقول الكاتب محمود صلاح رئيس تحرير مجلة «الحوادث» الصادرة عن مؤسسة «أخبار اليوم» والذي يعد من أقدم رواد المقهى: «ان هناك ألف مقهى ولكن لا يفضلا حتساء القهوة والشاي الا في مقهى يمكنك احتساء افكار نجيب محفوظ صباحا وأن تتحاور مع ذكريات محمد عودة ظهرا، وأن تسبح مع شعر أحمد فؤاد نجم مساء».
ويضيف: «داخل «ريش» قرر الجهاز السري لثورة 19 اغتيال يوسف وهبه عميل الانكليز رئيس الوزراء في ذلك الوقت واختير لتنفيذ العملية قبطي مصري هو عريان يوسف سعد».
ومن أدوار هذا المقهى اسهامه في عرض الفنون المختلفة حيث مثلت داخل مسرحه مسرحيات لفاطمة رشدي وفاطمة اليوسف كما غنى على مسرحه صالح عبد الحي وزكي مراد والد الفنانة ليلى مراد وقدم الشيخ أبو العلا محمد كوكب الشرق «أم كلثوم» التي كانت حينذاك قادمة من قريتها في الشرقية.
ويحتفظ أصحاب «ريش» باعلان في جريدة «المقطم» الصادرة في يوم 23 مايو 1923 يقول: «تياترو كافيه ريش تطرب الجمهور يوم 31 مايو بلبلة مصر صاحبة الصوت الرخيم الآنسة أم كلثوم,,,,هلموا واحجزوا محلاتكم من الآن كرسي مخصوص 15 قرشا دخول عمومي 10 قروش».
وكذلك ظل ريش المكان الذي ينطلق من خيال الفنانين والسوريالية المصرية ورائدها رمسيس يونان كما يقال ان السينارست أسامة أنور عكاشة استوحى شخصيتي العمدة والباشا في مسلسله «ليالي الحلمية» من بعض رواد «ريش» كما استلهم شخصية الفتوة «زينهم السماحي» من شخصية قبضاي لبناني اسمه سليم حداد كان من رواد المقهى.
ويذكر بعض زبائن المقهى أن الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات كانا ممن يرتادون هذا المقهى.