المدارس العربية في السويد بين خشية السويديين ورغبات المهاجرين

هاني عبد الله من السويد:تتيح القوانين السويدية تشكيل مدارس خاصة، تسمى بـ " الحرة " الى جانب المدارس الحكومية الرسمية، لكنها يجب ان تتبع نفس النظام التربوي السويدي، وذات المناهج الدراسية، بأستثناء ان المدارس الحرة مسموح لها تعليم الأطفال دروس إضافية غير موجودة في المدارس السويدية.

استفاد المهاجرون العرب الى السويد من هذه القوانين، فأقاموا العشرات من المدارس العربية والأسلامية الخاصة، تتوزع في كبريات المدن السويدية مثل، ستوكهولم ويوتوبوري ومالمو وغيرها من المدن الأخرى.

ويتعلم الأطفال فيها اضافة الى المنهاج العام المقرر في بقية المدارس: اللغة العربية والدين ألأسلامي. وتكون الدراسة فيها باللغة السويدية.

في مدينة يوتوبوري ( جنوب ) التي تعتبر ثاني اكبر مدينة في السويد بعد العاصمة ستوكهولم، هناك 26 مدرسة حرة، غير حكومية. 7 منها دينية تتوزع كالتالي: اربعة مسيحية، أثنتين أسلامية، وواحدة يهودية. كذا الحال هناك مدارس مسيحية تدار من قبل الكنائس الأنجيلية، علما ان كنيسة الدولة هي بروتستانتية، وان الكاثوليك قليلون جدا.

وعلى رغم تزايد عدد المسلمين في السويد في السنوات الأخيرة، والميل المتنامي لديهم في أرسال ابنائهم الى المدارس الحرة، بحسب الكاتبة السويدية " ليلامور ايفرسون "، لكن ليس كل المسلمين يرسلون أطفالهم الى هذه المدارس.

خشية من المدارس الخاصة!

تثير اساليب التعليم وكيفية التعامل مع الأطفال في المدارس العربية جدلا كبيرا في اوساط الحكومة السويدية والجهات التربوية وحتى من عامة المجتمع.

ومعروف ان السويديين حساسين جدا عندما تتعلق الأمور بقيم مجتمعهم الذي بنوه على المساواة بين الرجل والمراة، وحرية المراة، وحرية الأعتقاد. ويرى كثيرون ان المدارس الخاصة تشكل تحديا لهذه القيم، وقد تشكل خططورة عليها.

تقول السكرتيرة السياسية لحزب البيئة ، بريكيتا سفيتسون، إن هناك مخاوف من المدارس العربية في السويد، خاصة الأسلامية منها، تتمثل في مدى تطبيقها القيم الأساسية للمجتمع السويدي.

وتضيف في مقال نشرته في صحيفة سويدية ان المدارس التي لا تعتمد على اساس ديمقراطي من المفروض ان لايجري الأعتراف بها. وتعتقد سفيتسون ان هناك مشكلة اخرى في هذه القضية وهي مسألة الموقف من المرأة وكيف يُنظر اليها، خصوصا " ونحن نعمل على بناء مجتمع متساو".

ويخشى السويديون ان يتم في هذه المداس تربية الأطفال على قيم قد تتعارض مع قيم المجتمع السويدي الحر!

المدارس العربية والأسلامية والأندماج

بحسب تقرير اصدرته المصلحة العامة للمدارس السويدية في العام 1997، فأن المدارس الدينية والأثنية تزيد من عزلة الأجانب عن المجتمع السويدي، وهي ليست في صالح الجهود التي تبذلها الدولة من اجل الأندماج.

وأكد التقرير ان المدارس الخاصة قد تكون في بعض الأحيان عاملا سلبيا يؤثر على المستوى العلمي للتلاميذ، لان الكثير من الآباء والأمهات ينطلقون من قيم وثوابث أجتماعية وثقافية خاصة عندما يرسلون أبنائهم الى هذه المدارس!

ويقول مناهضو هذه المدارس انها تؤدي الى العزلة عن المجتمع، لكن مؤيديها يؤكدون انها تطبق نفس التوجهات والقواعد والشروط العامة للمصلحة العامة للمدارس السويدية.

ويعتقد الكثير من الأباء والأمهات ان المدارس العربية والأسلامية الخاصة، هي محيط آمن لأطفالهم تضمن لهم توفير المناخ الفكري والأجتماعي او الثقافي الذي يريدونه!

ويشير تقرير المصلحة العامة الى اهمية اقتناع الوالدين بمدرسة اطفالهم، لكن احيانا عندما تريد هذه المدارس بناء او مد الجسور بين الأجانب والمجتمع السويدي تواجه رفضا ومقاومة من قبل بعض أولياء أمور التلاميذ، لأنهم يعتقدون بأن هذه المدارس خطت خطوات ابعد مما يريدون!

انتقادات تربوية رسمية لمدرسة " منار الهدى " العربية

أثارت مزاعم بأنتهاك قواعد التربية في مدرسة " منار الهدى " بالعاصمة ستوكهولم الكثير من النتقادات اللاذعة للمدراس العربية والأسلامية في السويد.

فبحسب تصريح صادر من قبل المفتشية التربوية بستوكهولم، قامت مديرية المدارس العامة بتفتيش مدرسة " منار الهدى " السويدية العربية، لانها حصلت على معلومات تزعم بأن الطلبة فيها يُهانون بجدية من قبل المدرسين ومساعديهم!

وطالبت المديرية ادارة المدرسة التقييد بشروط المديرية حتى تستوفى شروط الأجازة.

وتقول المديرية في تقريرها ان من واجب كل مدرسة ان تخلق لطلابها جو من الآمان والشعور بالراحة، وان أدارة المدرسة وطاقم المعلمين والمعلمات عليهم ان يمنعوا أهانة التلاميذ في حال وُجدت. وان كل أهانة يجب ان تؤخذ أجراءات ضدها من قبل الأدارة.

وجاء في تقرير المديرية العامة للمدارس عن مدرسة منار الهدى، ان احد المدرسين قام لعدة مرات بسكب الماء على راس الطلبة وضربهم على عنقهم، وضغط على أظافرهم!! لكن ادارة المدرسة والطلاب قالوا ان هذه التصرفات كانت بدافع " المزاح " فقط، وانها تعبير عن ثقافة سائدة في بعض الدول، ولها مردود او محتوى ايجابي بحسب الطلاب والمدرسين!

لكن المديرية تؤكد في تقريرها ان هذه الأنواع من التصرفات غير مقبولة ابدا، وتتناقض مع القيم والقوانين المتبعة في المدارس السويدية. وان حدوث هذه التصرفات بدافع المزحة، او اذا كانت ذات محتوى ايجابي حسب تقاليد معينة، فأنها اطلاقا غير مسموح بها حسب القوانين السويدية.

وتقول المديرية ان أدارة المدرسة يجب ان تدرك بأن كل الذين يتواجدون في االمدرسة قد لايكون لهم نفس الفهم بالنسبة الى هذه الممارسات.

واشار التقرير الى وجود أهانات أخرى في المدرسة. لكن ادارتها رفضت هذه الأتهامات، وتقول ان بعض الطلاب كذبوا وان القضية ليس فيها شهود، وليسوا متاكدين من حدوث ذلك. وقد قدمت المديرية شكوى الى الشرطة السويدية بذلك!

وقامت لجنة من المديرية بزيارة الى المدرسة في شهر شباط ( فبراير ) من العام 2004 ووضعت عليها رقابة مستمرة. وتم اتخاذ بعض الأجراءات. ولكن على رغم ذلك أشتكى بعض الطلاب على معاون معلم لقيامه _ حسب أدعائهم _ بأهانتهم! وأتخذت مدرسة منار الهدى سلسلة من الأجراءات لمواجهة ذلك.

لكن المديرية العامة للمدارس رأت بأن المدرسة لاتستوفي الشروط التي جاءت في الفقرة ( 9 ) من المادة ( 2 ) من قانون المدارس السويدي، حول الأعتراف بالمدارس الحرة. والتي تنص على مراعاة المدرسة للقيم التي تنسجم مع الأهداف العامة والقيم الأساسية الموجودة في الجهاز التعليمي الرسمي العام الحكومي .

وكانت المديرية قد وضعت خطة عمل للمدرسة حددت لها تاريخا معينا أشترطت فيه ان تضع المدرسة حدا لهذه الممارسات كي تستوفي الشروط القانونية.

وقد أهتمت الصحف السويدية وقنوات التلفزة بهذا الموضوع الذي اثار اهتمام السويديين حيث اعتبره البعض ناقوس خطر!!

مدرسة المعارف السويدية العربية في هلسنبورغ

في مدينة هلسنبورغ السويدية التي تقع في الجنوب، حققت مدرسة سويدية عربية تسمى " المعارف " نجاحا كبيرا في تبديد مخاوف الآباء والأمهات على مستقبل اطفالهم وسلوكهم. فقد أحتضنتهم هذه المدرسة ووفرت لهم كل اسباب النجاح، وشجعتهم في ذات الوقت على التواصل مع المجتمع السويدي وعدم الأنعزال عنه. وذلك بجهود مدرسين عرب وسويديين أكفاء .

مدرسة المعارف في هلسنبورغ ، مدرسة ابتدائية خاصة، تساعد وتدعم التطوير الذاتي للتلاميذ، من خلال تنشأتهم ليكونوا قادرين للعيش في الثقافة والمجتمع السويدي، مع احتفاظهم باللغة والثقافة العربية . وتشير كل الدراسات ان الأطفال ذوي اللغتين أكثر ذكاء من الاطفال ذوي اللغة الواحدة وأن اللغة الأم هي الأساس. هدف المدرسة هو العمل على توفير أفضل الشروط للتلاميذ العرب للاندماج بالمجتمع السويدي، عبر تقوية الانتماء الثقافي والهوية لهم. افتتحت المدرسة في خريف عام 2000 بـ 36 طالب وبستة صفوف، من الصف الأول إلى الصف السادس. عدد التلاميذ الآن 160. نفتتح صف سابع العام القادم. ونتابع فتح صف اعلى كل عام حتى الصف التاسع .

" إيلاف " التقت الأستاذ ياسين ياسين، مدرس مادتي ( الرياضيات والعربي ) باللغتين العربية والسويدية، وهو منسق وأداري في مدرسة المعارف، الذي حدثنا عن تأسيس المدرسة ، فقال انه " من أجل توفير افضل الأمكانيات للأطفال للحصول على الثقافة واللغة العربية والمحافظة على جذورهم الثقافية وتعزيز العلاقة والارتباط بين الوالدين والأبناء، وتوفير الظروف المناسبة للنمو الطبيعي في مجتمع مختلف الثقافة والعادات، كالمجتمع السويدي ".

واضاف " إن الكثير من اللاجئين يشعرون بقلق على نمو أبنائهم،هنا، ومما يزيد من صعوبة توجيه وتربية أبنائهم هو عدم تمكنهم من اللغة السويدية وقلة معلوماتهم عن المجتمع السويدي. إن هذه الصعوبات تؤدي إلى معاناة الأطفال من أزمة،ناتجة من الازدواج الثقافي، الذي تفرضه بيئة المهجر. ولكي يتم التقليل من آثار أزمة الازدواج الثقافي، لابد من تعزيز ارتباط الاطفال بجذورهم الثقافية التي لا يكمن المحافظة عليها إلا من خلال تعليمهم اللغة العربية وترسيخ القيم والعادات العربية الجيدة، وهذا ما تحاول مدرسة المعارف تقديمه للأطفال، الأمر الذي يجعلهم قادرين على اتخاذ الموقف الثقافي المستقل عند اندماجهم بالمجتمع السويدي .

وعن مميزات المدرسة قال الاستاذ ياسين: " المنهج التعليمي المقرر هو نفس المنهج المقرر في كافة المدارس السويدية. لكن هناك اهتمام خاص باللغة العربية والتربية الدينية مع المحافظة على القيم والأخلاق الحميدة علما ان اللغة السويدية هي لغة التدريس في كل المواد عدا اللغة الأم ".

وأكد ان المدرسة تولي أهتماما كبيرأ بالمواد العلمية باشراف مختصين سويديين ذوي خبرة عالية، وتركز بشكل خاص على استعمال الطالب للكومبيوتر وتدريبه عليه، الأهتمام الخاص بتنمية مواهب الطالب وهواياته الرياضية والأدبية بإشراف مختصين، مؤكدا انه لاتوجد رسوم مالية شهرية على الطلاب .

وأستطرد القول: " يوجد توازن في الهيئة التعليمية من حيث العمر والجنس، الامر الذي يوفر شروطاً أفضل للعمل التعليمي". وقال ايضا" في مدرسة المعارف ، يتحمل المعلمون المسئولية الأساسية والحرية الواسعة لتخطيط العمل المدرسي اليومي. ويتم كل هذا تحت اشراف مديرة المدرسة السويدية الأصل و التي تتقن اللغة العربية، و تتمتع بخبرة عالية جدا في ايجاد القاسم المشترك بين الثقافتين و الذي يصب في مصلحة التلاميذ. كما أن المدرسة تتبع وتنفذ الخطة الرسمية للمدارس السويدية 94 LPO والتي تهدف إلى تطوير امكانات التلاميذ الثقافية والاجتماعية. عبر المحاور التالية :

ـ منح التلاميذ كل ما له فائدة للتخطيط للعمل .

ـ تنشيط تحمل التلاميذ للمسئولية والمشاركة الفعالة في اتخاذ القرار .

ـ تهيئة التلاميذ للاندماج الافضل في المجتمع السويدي .

ـ دمج التلاميذ من مختلف الأعمار في النشاطات المدرسية المختلفة .

وأكد كذلك على ان المدرسة تعطي أهمية خاصة لتطوير تعليم اللغة السويدية، خاصة في مجال التركيب اللغوي، والتشجيع على قراءة الكتب الأدبية، وتعويدهم على القراءة المفيدة من خلال تدريبهم على تسجيل الملاحظات المختصرة، إضافة إلى تعلمهم طريقة البحث وجمع المعلومات من الكتب والمصادر المختلفة. إضافة الى إعطاء التلاميذ التأهيل والخبرة الاجتماعية التي تساعدهم على التصرف السليم في المستقبل، الشيء الضروري لحياتهم الاجتماعية عند البلوغ .