عراقي يخشى ان تموت أمه إذا علمت بقصته:
عرب في أميركا: جائعون ومن دون مأوى!

عراقيون لـ"إيلاف": نحب أميركا


عبدالله المغلوث من فلوريدا: "أنا بردانة وجائعة"، بدأت السودانية فوزية محمود (39عامًا) جملتها القصيرة السابقة بصوتها المرتعش قبل أن يتوقف وتكملها على ذراعها، حفرت على زندها بأظافرها الحادة الطويلة بالانكليزية: "أريد لحافًا، أرجوك". فوزية تعيش على ضفاف شارع آيلف بولاية كولورادو الأميركية (غرب)، تنام بالقرب من مستودع للأخشاب مع صديقة أميركية، تشعلان يوميًا حطبًا كثيرًا يحرقان أمامه مشاكلهما ووقتهما، لاتستقبل نقودًا من العابرين، تحذرني بصوت ضئيل: "إذا كنت انسانًا حقيقيًا، اجلب غطاءً يحميني فقط، طلقني زوجي وتركني في الشارع". دلني على فوزية صديق تونسي رفضت السودانية قبول مساعدته، تقول عنها رفيقتها كاتي جيمس التي ترتدي قميصا مكتوب عليه (هل تحبني؟): "تعرفت على فوزية منذ 5 شهور عندما قابلتها في مطعم قريب، طلقها زوجها بعد أن ضربها وطردها، لاتملك اي شهادة، لم تدرس في السودان، تتكلم الانجليزية بسبب وجودها في أميركا منذ 4 سنوات لكن لاتستطيع الكتابة والعمل، أيضا لاتملك إقامة قانونية، إنها تختبئ هنا حتى لايكتشفها رجال الهجرة!".

كاتي (35عامًا) هربت من أسرتها التي تنتمي إلى طائفة (المورمن) المسيحية بعد أن مارست الجنس مع صديقها وهي في السادسة عشرة من عمرها. خرجت مبكرًا من المنزل قبل ان يكتشف الأمر والدها المتشدد، وتبين لـ(إيلاف): "لن يقتلني أحد لكن ستطاردني نظرات أسرتي المتدينة التي تشبه الطعنات. نفذت بجلدي. لم أتابع دراستي. عملت في أماكن عديدة حتى استقريت في الشارع. تغير الوضع بعد 18 عامًا لكن لن أعود إلى بيت يصادر الحريات". تقتات كاتي وفوزية على العلب الفارغة التي يعاد انتاجها ويحصلان مقابل جمعها على مبلغ زهيد.

على بعد (15) دقيقة بالسيارة من فوزية يرقد العراقي سالم الطاعي (42عامًا) خلف أشجار صغيرة قاحلة بجوار مرآب للسيارات، أتى سالم لأميركا لاجئًا في العام 1993من مخيم رفحا للاجئين العراقيين في السعودية. وصل تحديدًا إلى فلوريدا (جنوب) قبل أن ينتقل إلى كلورادو التي عمل في مطاريها(ستيبلتون)، و(مطار دنفر الدولي).

الطاعي تزوج أميركية من الهنود الحمر عام 1997. أحبها، يتنهد بعمق ويسترجع الذكريات: "تزوجتها لأن ملامحها وتصرفاتها تذكرني بالمرأة العربية، ارتبطت بها رغم أنها تكبرني بسنوات فضلًا عن معرفتي بإدمانها للكحوليات. الحب أعمى. ربيت أطفالها من زوجها الأفغاني السابق حيث عملت 70 ساعة أسبوعيًا لأصرف على أسرة وافواه جائعة".

دخل السجن لأول مرة بسببها عام 1999، ويبرر لـ(إيلاف): "عملت بشكل مضاعف لأنفق عليها واطفالها فضلًا عن أسرتي في العراق. بينما كنت أكافح في سبيلها كانت تهدر وتنفق جل مدخولي في الشراب. تفاقمت المشاكل بيننا ما جعلني أفقد أعصابي ذات يوم بسبب الضغط المتواصل. ارتفع صوتي. بلغ أحد الجيران الشرطة التي اعتقلتني بعد أن كذبت زوجتي في التحقيقات لتتخلص مني ونصائحي التي تمقتها".

صورة ومعاناة عربية جماعية
حول السجن سالم من إنسان منتج يرحب به الجميع إلى انسان عاطل عن العمل، يهرب منه حتى أعز أصدقائه: "خسرت كل شيء، وثائقي وبطاقتي الخضراء، وزوجتي وأطفالها الذين كنت أحبهم كأنهم أبنائي".

قال له صديقه عادل عندما شاهده في شارع كوليفاكس الرئيس في دنفر عاصمة كلورادو وهو يجمع إطارات السيارات بعد أن خرج من السجن :"أنت عار على العراق والعراقيين".

يخشى الطاعي أن يؤدي نشر الموضوع إلى موت أمه التي ابتاع لها منزلًا في العراق قبل دخوله السجن وتدهور أحواله: "إنها مريضة وتحسبني أعيش حياة كريمة في الولايات المتحدة. ستعلم اني أنام على الاسفلت. أصلي حتى لاتموت عندما تعلم بماحدث لإبنها".

سالم الشيعي استنجد بإمام الطائفة الشيعية في دنفر الشيخ حجة الإسلام إبراهيم الكرزوني ليوفر له وظيفة تنتشله من الشارع والظلام: "ذهبت إليه، أبدى اهتمامًا كبيرًا، لكن ضياع وثائقي حال دون أن تتكلل جهوده بالنجاح".

هنا يعيش العراقي الطاعي
يعيش الطاعي الذي يحمل الشهادة المتوسطة على جمع العلب الفارغة وإطارات السيارات التالفة. ينتظر استكمال اجراءات استعادة وثائقه الرسمية ليعمل من جديد. ندم على قدومه إلى أميركا، تركته يتابع رحلة البحث عن علب فارغة بعد أن عبس في وجهي وزميل يرافقني بعد أن عرضنا عليه مبلغًا متواضعًا.

ليس بعيدًا، وفي مدينة ارورا المجاورة لدنفر، يوجد مغربي، يلتحف الليل والبرد. عندما اقتربت منه وعرفت بنفسي ووظيفتي، أطلق ساقيه إلى الريح. وجدت بجوار الأكياس التي ينام عليها علبة سجائر رخيصة وصورة للمطربة الأميركية بيانسي.

في أميركا نحو 5 ملايين عربي، وما يقارب الـ240 ألف عراقي، ونحو 600 ألف لبناني، خلاف الجنسيات العربية الأخرى والتي تتكاثر أعدادها بوضوح كالمصرية والمغربية والسودانية والصومالية.