لبنان يتضامن مع غزة ويتشبث بهدوء جبهته مع اسرائيل
حزب الله لحليفته quot;حماسquot;: لن نترككم، ولكن...
إيلي الحاج من بيروت:
سارعت الدولة اللبنانية إلى تأكيد إلتزامها القرارات الدولية ولا سيما القرار 1701 الذي أنهى حرب تموز/ يوليو 2006 بين إسرائيل وquot;حزب اللهquot; في مسعى إلى طمأنة الدول المشاركة في القوة الدولية المعززة quot;اليونيفيلquot; وكذلك اللبنانيين إلى أن تطورات غزة العسكرية لن تنعكس حرباً على لبنان، وإن إعلان quot;حزب اللهquot; اليومي الموجه إلى quot;حماسquot; وفحواه : quot;لن نترككمquot; لن يترجم تجدداً للحرب على الجبهة اللبنانية ndash; الإسرائيلية.
وكان quot;حزب اللهquot; دخل مباشرة وبقوة منذ أيام على خط الوضع الفلسطيني من باب دعم quot;حماسquot; التي تجتاز مرحلة مصيرية في غزة، حيث ترافق الضغوط العسكرية الإسرائيلية الشديدة القسوة عليها مع تضييق سياسي وإعلامي عليها لم تعرف له الحركة مثيلاً له من قبل، مما يجعلها في موقع المحارب على جبهتين: اسرائيلية وعربية، فضلاً عن صراعها الداخل الفلسطيني الذي تراجع عن دائرة الضوء لاعتبارات وطنية لكنه لا يزال عنصراً رئيسياً في ما تشهده غزة. خصوصاً أن quot;حماس كانت تستعد لاتخاذ خيارات مفصلية بدءاً من مطلع السنة الجديدة كان مقدراً لها أن تكون بحجم خيار الحسم العسكري الذي طبقته في غزة ضد حركةquot; فتحquot;.
وفي الواقع لم يتخل quot;حزب اللهquot; يوماً طوال الأعوام الماضية عن دعم quot;حماسquot; لأسباب عقائدية وسياسية على السواء بسبب من إنضواء الفريقين في التحالف الإيراني- السوري في مواجهة إسرائيل طبعاً ولكن أيضاً ما اصطُلح على تسميته quot;خط الإعتدال العربيquot; الذي تقوده المملكة العربية السعودية ومصر خصوصا،ً وتنضوي فيه حركة quot;فتحquot; وquot;السلطة الفلسطينيةquot; بطبيعة الحال وغالبية الأنظمة العربية التي سلكت سبيل التفاوض مع الدولة الإسرائيلية أو تدعو إليه. ولا يتوقف تنظيما quot;حماسquot; وquot;حزب اللهquot; عند المفاوضات غير المباشرة التي تخوضها سورية مع إسرائيل والتي دعا الرئيس بشار الأسد إلى تحويلها مباشرة، ربما لاعتبارهما الموقف السوري مناورة وتكتيكا مرحلياً لن يوصل إلى نتيجة في نهاية الأمر وقد يساعد دمشق في التخلص من أزمة quot;المحكمة الدوليةquot; في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي ستضغط عليها لاحقاً.
على مدى سنوات قدم quot;حزب اللهquot; دعما ماديا وعسكريا كلما سنحت الفرصة إلى شبيهته حركة quot;حماسquot;. والأهم أنه قدم إليها دعماً معنوياً كبيراً شجعها على محاولة نقل نموذج quot;حزب الله quot;في quot;المقاومة الإسلاميةquot; من جنوب لبنان الى جنوب اسرائيل. ويرى كثيرون أن عملية 12 تموز/ يوليو 2006 التي سماها الحزب quot;الوعد الصادقquot; كانت في بعدها محاولة لتخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي عن quot;حماسquot; في غزة بعد أسرها الجندي جلعاد شاليط ولم يكن في حساب الحزب إطلاقاً آنذاك أن يخوض حرباً كبيرة تؤدي إلى دمار كبير في كل لبنان، وقد عبر عن ذلك الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله في عبارته الشهيرة :quot; لو كنت أدري (ما ستؤدي إليه العملية) لما أقدمتquot;.
في ضوء تجربة 2006 المدمرة في لبنان والتي لم يغطها إعلان نصرالله quot;النصر الإلهيquot; لاحقاً، لا شك أن quot;حزب اللهquot; سيدرس ملياً هذه المرة إنعكاس أي خطوة عسكرية يقدم عليها بهدف تخطيط ضغط الجيش الإسرائيلي على quot;حماسquot; غزة، وإن لم يكن إحتمال تحريكه للجبهة اللبنانية- الإسرائيلية مستبعداً تماماً لأسباب محض عقيدية، ومهما تكن النتائج، وحتى لو كانت الأزمة المالية العالمية تعني أن لبنان لن ينال مساعدات بعد الحرب من دول العرب والغرب كما حصل بعد آب / أعسطس 2006، وذلك إذا وصل الوضع في غزة إلى مرحلة بدا معها أن quot;حماسquot; تتعرض للذبح النهائي في ظل وضع عربي رافض أو عاجز عن التحرك. فضلاً عن إدراك الحزب أن دوره قد يكون التالي إذا سقطت quot;حماسquot; وفق قاعدة quot;ذُبحت يوم ذُبح الثور الأبيضquot;.

وحتى الآن يلتزم quot;حزب اللهquot; موقف المستنفر والمتابع عن كثب لما يجري في القطاع وحوله، وكان قرر مع تصاعد مؤشرات اقتراب المواجهة العسكرية هناك أن ينقل دعمه لحركة quot;حماسquot; إلى الشارع اللبناني من خلال تحريكه عبر تظاهرات ترفدها حملة إعلامية شديدة عبر وسائل إعلام الحزب لا سيما قناة quot;المنارquot; على أنظمة quot;الإعتدال العربيquot;، مركزاً على مصر من خلال دعوتها إلى فتح معبر رفح والتنديد بسياساتها وعلاقاتها بإسرائيل وقياداتها.
وبعدما كان اهتمام quot;حزب اللهquot; منصبا على مواكبة التطورات العراقية الذي يشهد تحولاً مع نهاية حقبة الرئيس جورج بوش في العراق انتقل إلى متابعة الوضع الفلسطيني الخطيرإنطلاقاً من أنه نقطة الضعف أو الخاصرة الرخوة في الوضع العربي الاسلامي. وهو بدخوله القوي على خط غزة دخل على خط التوتر الايراني - المصري الذي تفاقم في المرحلة الأخيرة إثر انهيار فرص الحوار الفلسطيني برعاية مصرية وانطلاق تحركات وضغوط وفق خطة لرفع الحصار عن غزة كانت موجهة ضد اسرائيل ومصر في آن واحد وقطعتها العمليات العسكرية الإسرائيلية.
لكن مصر لا تتفرج في المقابل على الحملة ضدها، إذ وجهت إتهامات صريحة إلى ايران وسورية وquot;حزب الله quot; أيضاً بنسف الحوار الفلسطيني وتأليب الشارع العربي والمصري ضد النظام المصري الذي يجري تصويره متواطئا في ضرب غزة ومنحازا الىquot; فتحquot;. ولا يزال يتردد ما قاله وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط لوزير الخارجية السوري وليد المعلم في اجتماع لمجلس وزراء الخارجية العرب محملا سورية وquot;حماسquot; المسؤولية عن فشل الحوار واستمرار الانقسام الفلسطيني والعمل وفق أجندة اقليمية، وقد قال أكثر منه في ما يتعلق بإيران عندما شن هجوما مباشرا وغير مسبوق عليها قائلاً: quot;هناك للأسف بعض الفلسطينيين من هم ألعوبة في أيدي ايران. ان الايرانيين يحاولون الانتشار وفرض الأيديولوجية الخاصة بهم على هذا الاقليم، كما انهم يستغلون بعض الفلسطينيين سواء بأفعال بنية حسنة أو بمعرفة عميقة للأهداف الايرانية. وحقيقة الأمر انهم لا يقدمون أي شيء للقضية الفلسطينية سوى المزاعم والأحاديث والادعاءات، وكل ما هو كلام فارغ quot;. وشدد أبو الغيط على ان السياسة الخارجية المصرية quot;لن يتم تطويعها كي تصبح لمصلحة ايران، أو لمصلحة بعض الأطراف التي فقدت الرؤية الحقيقية للأهداف الفلسطينية الحقةquot;.
وهكذا يتضح ان المواجهة التاريخية الفلسطينية- الاسرائيلية التاريخي توازيها مواجهة داخلية فلسطينية وعربية، وإن الصراع في فلسطين يتحول أشبه ما يكون بالصراع في لبنان حيث يدور على السلطة والنفوذ من جهة كما يدر على مشروعين واستراتيجيتين في شأن القضية الفلسطينية، وكل من المشروعين والطرفين يحظى برعاية ودعم من جهات اقليمية، مما يعني ادخال الوضع الفلسطيني على غرار الوضع اللبناني في سياسة المحاور العربية والاقليمية علناً وعلى شاشات التلفزيونات.
وأكثر ما يهم اللبنانيين في هذه المرحلة أن يكتفي quot;حزب اللهquot; بالتعبير عن مواقفه المساندة لquot;حماسquot; ndash; والتي توازيها حملة تضامن شاملة مع الفلسطينيين عموما وقضيتهم وأهل غزة من كل اللبنانيين ndash; في حدود التظاهر السلمي في الشارع والمواقف عبر وسائل الإعلام.