تتعالى صيحات وتستجد وثنيات وينشط المعتزلة الجدد في تشويه الحقائق، فترى بين الحين والآخر من يريد أن يظهر الدين بطريقة تليق به وأكثر أمام العالم، دون أن يعلم أن هذا العمل الذي ظن أنه يخدم الدين ما هو إلا إفساد للواقع الديني الذي شرعه الله تعالى بواسطة كتبه وعلى لسان رسله.

فعندما خلق الله تعالى جميع الخلائق جعل بعض مخلوقاته أفضل من بعض لتستقيم الحياة وتستمر كما هي عليه، لذلك قال جل شأنه: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء 70.

وكذلك فقد جعل تعالى نظام التسخير هو النظام الذي يتحكم في تقسيم البشرية حسب الدرجات التي تتفاوت بينهم كما أشار إلى ذلك بقوله: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً........الآية) الزخرف 32. فإن قيل: ألا يدخل هذا التقسيم في الجبر المنزه عنه تعالى وبالتالي نكون قد أجبرنا على القيام بأفعالنا التي من مصاديقها التسخير كما هو ظاهر في الآية؟ أقول: هذا التقسيم أشبه بالنصب المتنوعة التي توضع للمتسابقين أما التفاوت في الوصول إليها فهم من يحدده لا من وضع النصب فتأمل.

والمعنى المشار إليه في الآية الكريمة يظهر أن التقسيم الذي قضاه الله تعالى ورفع بموجبه درجات البعض على البعض الآخر كل هذا لأجل أن تستمر الحياة لذا علله بقوله: [ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً] فأطلق السبب وأراد به المسبب، ليكون هذا التسخير بمثابة الفاعلية المؤسسة لبناء المجتمعات على إختلاف أنواعها وتوجهاتها.

وقد يتدرج هذا التفاضل إلى أن يصل إلى الأنبياء والرسل أنفسهم كما يشهد لذلك قوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس.......الآية) البقرة 253. ولو أراد الإنسان أن يتأمل هذا التفضيل الذي جعله الله تعالى من الأسباب الرئيسية لإدامة الحياة، تقطع أمامه جميع الحجج التي يتلقاها من هنا وهناك والتي يروجها أعداء الإنسانية الذين همهم الطعن والتشويه للنظم والقوانين التي بني عليها الكون بكل تراكيبه وتفاصيله.

ومن هنا يظهر أن الذين يريدون المساواة بين الرجل والمرأة لا تستقيم حججهم قبال آيات الله تعالى، حيث أن المساواة بين الرجال والنساء مرفوضة جملة وتفصيلاً سواء بالقانون أو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولو أردنا التسليم بأفكارهم اللاشرعية فسوف نكون أمام خيارين إما أن نساوي بين الرجال والنساء ونحيد عن قانون الله تعالى، وإما أن نفضل النساء على الرجال وهذا ما يتناقض مع الفطرة.

بل حتى في البلاد التي لا تؤمن بالديانات السماوية نجد أن الرجال قوامون على النساء ولا يوجد بلد في العالم ينسب لقب الرجل بعد الزواج إلى عائلة المرأة بل على العكس من ذلك فإن المرأة تنسب إلى زوجها في جميع أنحاء الأرض، ناهيك عن الحقوق والتشريعات الأخرى إضافة إلى تبعية الإبن إلى أبيه دون أمه، وقد تطرقنا إلى الأدنى الذي يغنينا عن التطرق إلى ما هو أهم من ذلك.

وإشارة القرآن الكريم إلى تفضيل الرجال على النساء لا يعني أن هذا سلب لكرامة المرأة أو هتك لحقوقها وكأن هناك مباراة بين الطرفين ولابد من رابح وخاسر فيها، كما يصور البعض ذلك، بل على العكس فإن هذه الدرجة التي تميز بها الرجال هبة من الله تعالى حسب ما تقتضيه حكمته لعلمه جل شأنه بالحالة التي يجب أن يكون عليها كل واحد منهما.

ولو أردنا البحث في مصاديق تلك الدرجة لا نحتاج إلى كثير من الجهد، حيث أن هذا ظاهر في إختيار الله تعالى للرجال في كثير من المهام التي لايسمح تكوين المرأة على القيام بها كالرسالات السماوية مثلاً، كما أشار إلى ذلك تعالى بقوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم) يوسف 109. النحل 43. وكذلك قوله: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم) الأنبياء7. وبالإضافة إلى ما تقدم فهناك بعض المهام التي أثبتها الشارع على الرجال وأسقطها عن النساء لنفس الأسباب آنفة الذكر كالجهاد الذي فرضه تعالى على الرجال دون النساء، وكذلك تقديم الرجل في الصلاة حيث لم يذكر في تأريخ المسلمين أن المرأة قد أمت الرجال وأقصد من هذا الطرق الشرعية ولا يلتفت إلى الطرق الدخيلة.

وقد كان النبي (ص) يقدم أفضل الرجال قراءة للقرآن الكريم ولم يجر هذا التفاضل بين النساء بمعنى لو وجدت من هي أفضل من الرجال قراءة فلم تقدم للصلاة، وهناك الكثير من الأمور التي تميز الرجل والتي لو تطرقنا إليها لكنا قد إحتجنا إلى أكثر من مقال.

فإن قيل: ألا يعتبر هذا من التخلف الذي لو تمسكنا به لكنا آخر الأمم كما نحن عليه الآن؟ أقول: هذا ما قضاه الله تعالى وهو جار في جميع البشر سواء من يتقبل منهم الأمر أو من يرفضه.

فإن قيل: ألا ينطبق مثال النصب السابق على هذا التفاضل الذي جعله الله تعالى بين الرجل والمرأة؟ أقول: الجهة منفكة بسبب أن هذا التفاضل هو أمر تكويني بخلاف الأول الذي يكون التسابق إليه حسب المقدرة والأعمال فتأمل الفرق.

عبدالله بدر إسكندر المالكي
[email protected]