(1 ـ 2)

لم تخفي وجهها فقط وانما ارادت ان تميد بها الارض حينما رأت أن الرجل الذي قضت عمرها طوع يمينه ولم يجل في خاطرها يوما خيانته، يتأبط ذراع فتاة تصغره أكثر من عقدين. كان يمتختر في مشيته بصورة عادية جدا وكأنه لم يرتكب أي جرم أو خطيئة ما، كانت تلاحظ ثمة بريق غير عادي يشع من عينيه و فرحة استثنائية تكاد تتجسد في كل حركة من حركات جسده و تقاسيم وجهه وركزت مليا على ذراعه الذي كان يشد بقوة على ذراعها البض، وتذكرت نفسها! تذكرته عندما كانت ترافقه مرات (يتيمة)خارج البيت وكان دوما يجعل ثمة فاصل بينهما، فاصل لم تشتك منه يوما لأنه كان دوما يقول الحب في داخل البيت وليس خارجه، وأكثر الازواج فشلا هم اولئك الذين يجسدون حبهم خارج البيت، ورغم انه لم يجسد لها حبه داخل البيت لكنها مع ذلك تصورته يحب بطريقة الرجال الذين لايودون أبدا البوح بحقيقة مشاعرهم! وإمتزجت سخريتها من مبدئه الهزيل هذا بعميق جرحها في روحها و كبريائها كأنثى سيما وانها لم تبخل عليه بشئ يوما وكانت ترضي طيش و غطرسة رجولته بشتى الاساليب سيما عندما كان يذكرها دوما بأنه لايأبه إطلاقا بكل نساء الدنيا إكراما لها وانه من واجبها أن تملئ عينيه و تحرص عليه كجزء من الوفاء لموقفه الشهم هذا ولم تجده يوما يكلمها ولو للحظات عن الحب أو شيئا من هذا القبيل وكان كل الذي يهمه منها إنجاز أعمال البيت و الواجب الليلي كما يحب و يشتهي!
وهي تبصرهما يعبرا الشارع بفرح غامر، كانت تتبعهما ببطأ وكأنها أم ثكلت بكل أطفالها في لحظة واحدة لكنها ولهول الصدمة لم تتمكن من البكاء، ورأته كيف أنه يضمها إليه بقوة في وسط الشارع وبين الناس وكيف ينظر الى وجهها بإبتسامة لم يتسنى لها أن شاهدت مثله على محياه، ورمقته كيف انه وبين حشود الناس طبع قبلة سريعة على خدها! كانت تترنح من دون أن تكون سكرى، و يدور رأسها من دون أن تكون مصابة بدوار، كانت تردد كلمة واحدة فقط لاغير: لماذا؟ وفجأة بدأت الدموع تنهمر من عينيها كالمدرار، حينما لم تجد أية إجابة شافية و انما كانت تحس بأنها تجر كومة من اللحم و العظام خلفها و لم تدر الى أين تمض سوى أنها كانت تتبعهما من دون روية وكانت أحيانا تشعر أن جسدها قد بات ثقيلا على قدميها وانها تجد صعوبة حمل كل هذا الثقل الذي تضاعف مع ثقل ذلك المشهد المفجع لروحها و كرامتها.
لماذا لاتخاطبني في البيت بكلمة (حبيبتي)، بهذه الصراحة طلبت منه ابداء الحب نحوها، لا لا...هذا كلمة كاذبة ينطق بها المراهقين و الصايعين، هكذا برر عدم نطقه بتلك الكلمة وكعادتها فلم يكن أمامها غير أن تصدقه و تأخذ كلامه على محمل حسن إذ هو كما أكد لها مرارا رجل حدي و صادق مع عائلته.
وتذكرت وهي تبصره يحشر رأسه بين طيات شعر تلك الفتاة المنفوش و يهمس في أذنيها، كيف أنه ألح عليها بأن تأخذ الاطفال سريعا الى بيت أختها لأنه هنالك مجموعة رجال أعمال سيعقدون إجتماعا خاصا في بيته ويجب أن يكون البيت هادئا بالكامل، وضحكت على سذاجتها وهي تتذكر سرعة إنصياعها لكلامه و كأنه أمر عسكري وحتى أن ابنته المدللة لما أبدت رفضها للذهاب رأت كيف صاح بها و كاد ينهال عليها ضربا لولا تداركتها و نهرتها باسلوبها كأم.
وصعقت وقد تبادر الى ذهنها فكرة ذهابه الى البيت و... رباه أتراه يفعلها على سرير الزوجية؟ هل تصل به السفالة الى هذا الحد؟ لا لا قد تكون مجرد علاقة عابرة وسطحية وليس بحاجة لأخذها للبيت إنها مجرد نزوة ليس إلا، وسخرت من نفسها وهي تجد طيبتها و سذاجتها مازالت تعمل بنفس النسق السابق وكأنها تنهر فكرها و مشاعرها على ذلك مسحت بكم ثوبها دموعها الغزيرة على خديها محدقة فيهما وهما يدلفان الى زقاق ضيق شبه مقفر من المارة ولم تصدق عينيها وهي تراه يحتضنها في بداية الزقاق و يقبلها بجنون ظاهر ومن فرط إحتقارها لهذا الرجل الذي عاشرها كزوج مخادع لعشر سنوات و انجبت منه أربعة خمسة أطفال، أرادت أن تعود أدراجها وان تختط لنفسها حياة أخرى بعيدا عن هذا الافاق، لكنها وجدت قدميها تسحبانها بكل قوة و إصرار خلف دعي الاخلاق و المثل و القيم الرفيعة هذا حتى إنتهى الامر بهما الى دار الزوجية وهنا لم تتمالك نفسها وجلست على ركبتيها وهي لاتدري ماذا تفعل ولمن تشكي سوى أن ذرفت سواق سخية أخرى من دموعها على ضريح وفائها لزوج لم يرع لها إلا و لاذمة نعم لم يرع لها شيئا وهي التي كانت بمثابة منبع خاص له من دون العالم كله، منبع أدركت الآن أنه أعطش مايكون للحب!
آه لو تدرين كم كان إجتماعا ناجحا ومثمرا وكم أشعرني بسعادة غير عادية بل انا اسعد انسان في الوجود حاليا!
قال ذلك وهو غير منتبه الى زوجته التي كانت تستمع الى أكاذيبه وهي تغلي في داخلها كمرجل يكاد أن ينفجر من شدة كظم غيظها.
تصوري من فرط إعجابهم و تقديرهم لي وعلى الجهد الخاص الذي بذلته من أجلهم، فقد صمموا على عقد إجتماع آخر يوم غد في بيتنا وفي نفس الموعد أيضا!
ونظر إليها وقد لاحظ صمتها الغريب لكنها تداركت نفسها و رفعت رأسها وهي ترسم إبتسامة ذات مغزى لتقول و ببرود قاتل يقبع في أغواره ألف علامة استفهام:
مبروك ألف مبروك، عقبال عقد الاجتماعات الليلية الاكثر حرارة في بيتنا يا زوجي العزيز!