كامل الشيرازي من الجزائر: ينتشي سكان الجنوب الجزائري بتراث quot;الأهليلquot; الشعري الغنائي الأصيل المترع بأشعار الحب الصوفية، ويعتبر الأهليل ديوانا شعريا ضخما يعكس مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للإنسان الجنوبي، ويراه عشاقه الكثر من سكان الصحراء الكبرى في الجزائر، فنا روحانيا عريقا مرتبطا بالموروث الثقافي المحلي.quot;إيلافquot; بحثت مع مختصين وممارسين أسرار هذا الطقس الشعري الفريد.
اعتاد سكان الواحات الجزائرية على التوافد كل مساء لسماع الآداءات المختلفة لفرق quot;أهليلquot; المنتشرة في الجنوب الجزائري في فضاءات مفتوحة فوق الرمال وسط أجواء حميمية خاصة وفي فترات معينة.
وحول أصل تسمية quot;أهليلquot;، يقول الأستاذ quot;محمد سالم بن زايدquot; أنّه ليس هناك اتفاق بين جمهور الدارسين بشأن المسألة، حيث يرجعها فريق إلى quot;أزلوانquot; وهي كلمة محلية تُطلق على quot;أهل الليلquot; اعتبارا لكون قصائد الأهليل عادة ما تلقى ويتم التغني بها في الليل حتى مطلع الفجر، بينما ربط فريق آخر، كلمة أهليل بالهلال الذي يهل مطلع كل شهر، في حين يذهب البعض إلى أنّ كلمة أهليل جاءت من التهليل لله وذكر عبارة quot;لا اله إلا اللهquot;.
من جهته، يركّز الشيخ quot;البشيرquot; كبير فرقة quot;القورارةquot; على أنّ موسيقى الأهليل ثلاثية الاتجاه فهي quot;إسلامية الطابع، مغربية المنشأ، تربوية الروحquot;، وتهدف بمنظاره إلى بعث الوعي الروحاني لدى جمهور المتلقين وتحفيزهم على التأمل في بدائع الخالق ونواميس الكون، ويرفض البشير (61 عاما) اعتبار موسيقى الأهليل جزائرية محضة، ملاحظا أنّها موجودة وبشكل متفاوت في دول الجوار كمالي وتونس وليبيا، إضافة إلى فرنسا وألمانيا بفضل تأسيس الجالية المغاربية هناك لعديد الفرق.
وبشأن السبيل لفهم أصول هذا التراث، يشير بن زايد الباحث المختص في فن الأهليل، إلى أنّه يتعيّن الاعتماد على موروث خمس مدارس تعنى بتراث الأهليل، وهي: تيميمون، كالي وأولاد سعيد، أوقروت، شروين ومدرسة طلمين، مضيفا أنّ المدارس جميعها تتسم بمنهجها الصوفي، وتستلهم من الطريقتين quot;التيجانيةquot; وquot;القادريةquot; المنتشرة في الجزائر ومنطقة المغرب العربي.
وبحسب الأستاذ quot;عبد الجليل قاديريquot;، فإنّ الأهليل يحتوي على مجموعة من الإيقاعات الخاصة بمنطقة قورارة الجزائرية (اقصى الجنوب)، وتوظف في الأهلال آلات: الإمزاد، البندير، الطبلة، الدف، فضلا عن البانجو، الكمان، والقيثارة، ويؤدى هذا اللون من طرف فرق تتألف غالبا من سبعة منشدين يحتفلون بطريقة مهيبة في أماكن عامة أثناء الليل في المناسبات الدينية والأفراح وكذا لدى زيارة مقامات الأولياء الصالحين، ويشير قاديري إلى أنّ فن quot;الأهليلquot; ينقسم إلى نوعين الأول يُطلق عليه quot;تقرابتquot; ويُؤدى جلوسا بآلات موسيقية خاصة في المناسبات الدينية، والنوع الثاني هو quot;أهليلquot; ويؤدى وقوفا باستعمال آلتي الناي والطبل.
من جانبه، يشير الباحث quot;سعيد بوطرفةquot; إلى أنّ تراث الأهليل يعود تاريخه إلى قبائل الصحراء وهم quot;الزناتيونquot; الذين ينتمون إلى قبائل بني حسان اليمنية وتواجدوا في عموم القارة الإفريقية، ويرجّح أنهم هم من أسّسوا للأهليل بغرض روحاني لغرض العبادة في أوائل القرن الرابع عشر.
ويقول quot;عبد الحميد عزوquot; مؤسس فرصة الأحباب، أنّ الأهليل كان يقتصر قديما على بضع آلات ايقاع ويقوم على الأهازيج، ليتطور لاحقا إلى مستويات استعراضية جرى فيه المناغمة بين الأشعار الصوفية والفولكلور المحلي.
ويبدي موسى وأحمد المتابعان لمسار الأهليل، انبهارا بطقوسيات النار المشتعلة تحت سماء مضيئة بالنجوم ما يضفي على الصوت والحركة سحرا إضافيا، ووسط حلقات بديعة يقوم المؤدي- الشاعر أو القوّال (الحكواتي) والذي يطلق عليه اسم الزناتي بإلقاء قصائد والتغني بالدين والحب والحياة وأيضا تمجيد الله والحياة الأخرى.
وبأنساق جمالية استثنائية، يتخذ شعراء من الحب والحرب والشهرة والكرامة والعطف، مواضيع محبّبة لهم، وإذا كان المعطى الديني أساسا في هذه الأناشيد، فإنّ ذكر الأساطير والملاحم وقصص الحب والقصور والحروب بين قبائل المنطقة لا يغيب عنها بل هو يتساوى فيها مع ذكر الله وأنبيائه وأوليائه الصالحين على مساحة وسطى تمزج مزيدا من السحر والحلم، ويحدث أن يتجاوب الجميع مع قصيدة quot;النبي الأعظمquot;:
صلى الله على صاحب المقام الرفيع
والسلام على الطاهر الحبيب الشفيع
قدر الداعي والمدعي ومن هو سميع
قدر الشاري في السوق ومن جاء يبيع
قدر الطايع للحق رآه في أمره سميع
قدر ما قبضت اليد الكافلة بالجميع
قدر الحلفة والدوم والزرع والربيع..
وبموازاة مع ما يراه باحثون انتقال الأهليل من الدنيوي إلى الديني، تبعا لتغنيه بالأولياء والصالحين إضافة إلى الله ورسله، يدعو عموم المهتمين بالتراث الشفوي وشيوخ quot;الأهليلquot; ورواد هذا الفن، إلى المحافظة على هذا التراث الأصيل، ويشكّل تنظيم المهرجان الثقافي لثقافة quot;أهليلquot; الذي تحتضنه مدينة تيميمون (أقصى جنوب الجزائر) في شهر ديسمبر من كل عام، مناسبة لتشجيع البحث حول فن الأهليل.
وتمّ إطلاق جائزة لأحسن بحث أكاديمي حول هذا التراث الفني الأصيل بالنسبة للباحثين والمهتمين، وجائزة أخرى لجامع أكبر عدد من قصائد الأهليل، كما سيجري انجاز دار quot;الإمزادquot; لأجل المحافظة على هذا التراث الأصيل.