تهاني فجر: استطاعت الرّوائية الفلسطينية الشّابة مايا أبو الحيات أن تتجاوز تجربتها الأولى quot;حبّات السكرquot; بقفزات ثابتة عبر روايتها الجديدة quot;عتبة ثقيلة الرّوحquot; الصادرة حديثاً عن quot;مركز أوغاريت الثقافي ndash; فلسطينquot; في 111 صفحة من القطع المتوسّط.
تلتقط أبو الحيات الواقع الفلسطيني عبر تفاصيل العلاقات الإنسانية وما ينشأ عنها من علاقات حب، دون إغفال التشوه الذي طرأ على تلك العلاقات نتيجة تراكمات الإحتلال وظروفه وتأثير ذلك على تركيبة الإنسان الفلسطيني وسلوكه.
رواية quot;عتبة ثقيلة الرّوحquot; هي رواية قائمة على الخيبات العارمة التي تُشكّل الحجر الأساس لعلاقة حب قوية وهشّة في الوقت ذاته تنشأ بين quot;سلمىquot; الفتاة التي تحاول أن تتخلّص من كل القيود الإجتماعية، وبين quot;ناصرquot; الشّاب المعيد في الجامعة والذي يعيش وحيداً في المدينة، فيكون حرّاً في علاقاته النسائية المتعدّدة، تهب سلمى نفسها لناصر في عيد ميلاده كهدية ثمينة له، فتثمر هذه العلاقة عن طفل سرعان ما يتخلّصان منه قبل أن يتكوّن بطريقة سريّة عند أحد الأطباء.
لناصر حيوات أخرى كثيرة تنسيه في كثير من الأحيان سلمى التي لا تتصور الحياة من دونه، حتى بعد اكتشافها خيانته لها بعد ارتباطها به رسمياً ونشوء الفتور والبرود بينهم فتقرر أن تستسلم للرّوتين كي تحفظ لابنها حياة نفسية صحية، إضافة إلى أنّها لا تستطيع العيش من دون ناصر.
إن أهم ما خرجت به رواية أبو الحيات هذه هو تحررها من قيد المقاومة والإحتلال الذي تناولته بطريقة غير مباشرة من خلال تأثيره على السلوك الفردي للإنسان الفلسطيني عبر تراكمات المدى البعيد من خلال الجيل الذي وُلد وكبر في ظل الإحتلال، وإبراز التأثير الغير مباشر لذلك الإحتلال في نفسيته، لقد أظهرت أبو الحيات التشوه السّلوكي والأخلاقي الذي أصاب الفرد الفلسطيني جرّاء الإحتلال فدخل ذلك التشوه ضمن الجينات الوراثية تماما كما فعلت أحداث هيروشيما فغيرت جينات الإنسان الياباني، إن الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين على مدى عقود أثّر بشكل بالغ على طبيعة السلوك الفردي وعلى كيفية التعامل بين الأشخاص، وهذا ما تبيّنه أبو الحيات من خلال سلمى بطلة الرواية التي تحاول الإنعتاق من كل القيود الإجتماعية التي يفرضها المجتمع الذّكوري، وذلك من خلال فعل الرّقص الذي يتحوّل إلى فعل تحرّر تقوم به البطلة لخلق وسيلة اتصال فعلية مرئية ومحسوسة بينها وبين حبيبها quot;ناصرquot; ظاهرياً فقط، لكن غايتها الحقيقية من وراء فعل الرّقص هو التحرّر من القيود المفروضة ذاتياً أي التي تفرضها هي على نفسها نتيجة المجتمع الذّكوري المتسلط الذي تعيش فيه، ومن ثمّ قيود المجتمع المفروضة عليها، لقد أرادت من فعل الرّقص ومن علاقتها الغير شرعية أن تثبت لنفسها أنّها قادرة على فعل التحرّر هذا، وهنا ثمّة التباس وتناقض يلبس البطلة على أية حال فهي تنشد الحريّة والتحرّر من المجتمع، وتستسلم للذكورية المتسلطة عبر استمرار علاقتها بناصر!
جاءت لغة مايا أبو الحيات خليط من الشعر والفلسفة في آن معاً بقالب سردي بسيط، فإذا ما نظرنا إلى البداية نلاحظ تلك اللّغة الشعرية الواضحة بوصف دقيق للمكان:
quot;في بيته، تبدو الأشياء أجمل على حقيقتها، ترخي ثقلها على إصبع قدمها الكبيرة وهي تخطو حافية من غرفة إلى أخرى، لا تجهد نفسها في البحث. الأشياء طافحة مكتنزة وتنتظر من يفضّ عنها بكارة الدّهشة، تزاوج في اللّون والتكوين: الجدار السّماوي واللّوحة الصفراء، الكرسي المعلّق على الجدار البنفسجي، يتدلّى من أسفله خيط ينتهي بوردة جورية مجفّفة، الغرفة لا تبدو كذلك، لوحة بمساحة خمسة أمتار طولاً وثلاثة عرضاً، ملونة بكل شيء في تداخل لا هو مبهر ولا هو غير مبال، كانعكاس لشخصية رتبت بعضاً من فيضها في مساحة فراغية حوّلت صفاتها أثاثاً وألواناً ومسافات،(الإحساس أقوى من العقل، العقل أقوى من المنطق)quot;
مايا أبو الحيات تؤسّس مشهداً روائياً شبابياً حديثاً، قادر على التعبير عن نفسه بأسلوب حداثي ينتمي إلى هذا الزّمن الذي يختصر كل شيء بما فيها علاقات الحب الواضحة والرّغبات الأوضح التي لا يجب أن يكون هناك حياءاً في التّصريح عنها، بل إن عدم التّصريح يُنافي الواقع ولا يعبّر عنه:
quot;هنا رقصتُ له الرّقصة الأولى لأكمل التكوين بالحركة الطافحة من ذراعيّ وساقيّ، الجفنان أسدلا خجلاً، في بيجامتي الزّهرية الشّفيفة. السّاتان يداعب الحلمتين البارزتين المتحرّرتين إلاّ من ثنية الحياء المصاحبة للرّقصة الأولى والعري الأولquot;.