دقت الساعة عشر دقات. انفرط العقد، وعاد كل من حيث أتى.

في المؤخرة سكران يترنح، مرددا منلوجا قديما عن السكران الذي لم يدفع ثمن قنينة العرق التي شربها- [ فلوس العرق مو منه].
على الجسر، هناك، كانت المباراة حامية بلا مشجعين. انتهت المباراة لصالح صاحب السوط المسنن والنظارة السوداء والعقل العفن.
قيل إن الحاضر الأسود انتصر على أيام خلت، كنا نلعنها في حينه، ونبكيها اليوم، وإن كانت تبكينا أحيانا.
كانت الأغاني تصدح، فتنتعش القلوب.... زكية وعفيفة وزهور وحضيري والقنبنجي وصالح الكويتي ومغني: quot;للناصريةquot; وquot;عيرتني بالشيبquot;، وآخرون. كانوا يتنافسون على كسب النفوس وإنعاش الناس بعد المتاعب والصدمات. ومعهم، كان الجندول وجنينة أسمهان وقلبي دليلي ويا مسهرني وبنت الجلبية تحيّي وتجيب. والمستمعون ما بين ساكب دمع ومدندن مع الأنغام.
دقت الساعة....عاصفة غبار تزمجر وتخنق الأنفاس. من ظلام الكهوف تنبعث رائحة نتنة تصدم النفس وتغلق الخيال. وفي المقبرة يخرج الوالدان رأسيهما دهشة وانقباضا. والجدة تمد اليدين لاحتضاني كأيام العيد. ونادى المنادي أن في البحيرة تماسيح وفي الحفرة العميقة ثعابين.
انطفأت أنوار الشارع المعتق، واستعيض عنها بشمعة وعود ثقاب. وحين أمطرت السماء، غرق وفوقه أكداس القمامة.
ثمة صبية يرقصون بين الجبال، ونساء يبكين في السهول. ونهر يخشى يوم نضوبه. وجثة نورس يجرفها الماء.
ومع الدقة الجديدة، جموع هائجة تنطلق وهي تضرب على الطبول وتدق بالصنوج وتشج الجلود، وبانتظارها دوي يصم الآذان ويمزق جثث العشرات. والسلطان في قصره الحصين يحيي، مع ابنه، المصفقين، وينتثر العطايا والهبات. أما في الجوار المحترق، فثمة خليفة يمعن في تجويع الصغار ويقترح عليهم أكل القطط والكلاب. وراحت قطة مرعوبة تبكي وتتوسل مستعطفةquot; ألستم من كانوا يرعونني ويحبونني ويدللونني؟!quot; ومن بعيد نادى المرشدُ الإمبراطور:quot; بارك الله والحسين فيك. زدهم جوعا ودمارا. هذه إرادة الإمام القريبة عودته لينشر العدل بين الناس.quot; ومن راء البحار، كان بائع الأوهام يتطلع بنظارة عجائبية تحيل السواد بياضا والوحش ملاكا والصقر المفترس حمامة محبة وسلام. وقال لشريكة حياته: quot;بأسهم بينهم. ما لنا نحن ومصائبهم! المهم كسب الولي الفقيه quot;..
سقطت الساعة من عليائها. النوادي أغلقت، والمقاهي دمرت، والكتب أحرقت، والمغنون تواروا عن الأنظار بينما قرقعت أصوات الناعين.
قال الراوي إنه في يوم من الأيام كان جبران ينشد:
quot;أعطني الناي وغنِّ فالغنا سر الوجودquot;. فأين نحن اليوم بين معترك الخصومات والأطماع، وحلبات اللصوص والفاسدين، وتجار الطائفية العمياء....
كان ثمة نهار، ونحن اليوم في ليل دامس، كئيب ومستديم... ختم الراوي..