الفاتحة:

الصلاةُ شعرٌ تخففَ من كدورات اللغةِ وشحومات الموسيقى؛ ليصيرَ زفرةَ وجدٍ في ظل المطلق: الحاضرُ في ضمير الغياب والغائبُ في حنايا الحضور.. الصلاةُ شعرٌ لا ينبع من ذاتِ الضارع، بل من تضرعٍ لا ذات له، حيث الحدود الـ quot;بين-ذاتيةquot; تتكشف عن وهمٍ هش وصرامةٍ زائفة..

المتن:

اليقظةُ جهادٌ من غير خصم.. والحلم خصمٌ ولا جهاد.. هكذا، أغفو مهزوماً بانتصاري؛ كي أفيق منتصراً لانهزامي.. هكذا، تتناهبني انتصاراتٌ وهزائم، مجردةً من النكهة، حيث quot;اللانكهةquot; أفصح نفحات النقص المُكتمل..

-يا أبا جعفر، لقد جعلني الإله على شاكلتك قفلاً.. إن شاء أن يقفلني أقفلني؛ فأنا العمى الثاقب..

الأمسُ، إذ يُضمر رائحةَ صوتكِ، غدٌ بلا رأس.. أراه في الحلم مدفوناً إلى الخاصرة، فأنحني.. أضغط شفتيَّ ndash;كحلمتين- إلى الثرى العابق بكسلِ القهوة، فينسكب اسمُكِ حليباً مهموساً.. في انتظار أن يتبرعمَ الرأسُ، أتحسس السيجارة التي سأغمدها بين شفتيه، مستقرئاً في نعومتها ظلاً لأنفاسه المرتقبة، آملاً ألا تتلكأ الصاعقة في إشعالها..

-يا أبا جعفر، لقد جعلني الإله قفلاً.. إن شاء أن يفتحني ارتدَ حسيراً مُبلِساً؛ فأنا القفلُ على المفتاح..

تحدقُ السيجارةُ المبقعة بالغضون ndash;وانطفاؤها المستعر يتناهش أناملي البكماء- فيما أراه مدفوناً إلى الكتفين.. أحملقُ في موضع الحزِّ، فإذ بحمامة استقرت على عجلٍ لتبيض.. ثلاث بيضات تركوازية تشفُّ عن ثلاثة مسامير، تنبضُ على وقع الهتافِ المُصلت من السماء:

دَع عنك الرأسَ وأبا جعفر.. فالبحرُ شاطئٌ يُحتضر.. دَع عنك الرأسَ وأبا جعفر.. فبقدر ما تتجرع بطشَ المسافات وعُريها الضاري، تتسربل بالرؤى، إن أنت إلا صومعتك.. دَع عنك الرأسَ وأبا جعفر.. لا تكن شجرةً ينحرها غسقُ البلطة، بل كُن لها ظلاً يزهر بعد الذبح..

الخاتمة:

لا يُعرب عن مَوات القلب سوى التلذذ بالترنحِ بين مخالب الثرثرة.. فلا يدعو أحدٌ منكم نفسه عاشقاً ما لم يصمت؛ فما الصمتُ إلا خفقات الأفئدةِ حين يمحقُ الوجدُ أراغيلَ عظامِها وينزعُ حراشفَ اللحمِ المذموم عن لبابها الأنقى..