1- الانتظار

طلبت من صديقي الذي يجيد تقليد أصوات النساء أجادة تامة أن يتصل هاتفياً بصاحب الفندق الذي كنت اسكن فيه في بداية تعيّني في الوظيفة بعد تخرجي من الجامعة قبل انتقالي للسكن في مكان آخر، لأن صاحب الفندق كان يتحدث كثيراً عن مغامراته مع النساء، طلب صديقي الرقم، وبعد أن تأكد أن المتحدث كان صاحب الفندق، واعده أن ينتظر في مكان محدد، بعد أن مضى قليلاً من الوقت، طلبت من صديقي أن نذهب إلى المكان الذي كان يقف فيه صاحب الفندق منتظراً، ركبت بجانب صديقي بسيارته واتجهنا إلى حيث كان يقف، كان المكان مكشوفاً تحت الشمس وكانت درجة الحرارة تزيد على الخمسين مئوية، توقفت السيارة بمحاذاة الرصيف أمام الرجل، سلمت عليه، سألته: لماذا يقف تحت الشمس في الحر الشديد؟، طلبت منه أن يركب معنا لإيصاله إلى مكانه، رفض، فلت: إن كنت تنتظر امرأة فإنها أمرآه وهمية لا وجود لها ودعوته للركوب خوفاً أن يصاب بضربة شمس، رفض مرة أخرى، تحركت السيارة وما أن قطعت أمتار قليلة، حتى لاحظ صديقي في مرآة السيارة أن صاحب الفندق قد سقط على الرصيف، رجعنا إليه بسرعة، كان فاقد الوعي، حملناه معنا، اتجهنا الى أقرب مستشفى، أدخل إلى ردهة الطوارئ، وضع في غرفة العناية المركزة، سألت الطبيب عن مرضه؟
قال: لقد أصيب بضربة شمس فعلاً.

2- الفيلسوف
ذهبت إليه في الموعد المحدد بيننا في عطلة نهاية كل أسبوع، حيث كان يسكن في غرفة خاصة في فندق في بداية رجوعه بعد إنهاء دراسته العليا في الخارج، طلبت من عامل الفندق أن يخبره أنني أنتظره في البهو، لأنه كان لا يقابل أحداً إلا حين يكون مرتدياً ملابسه التي كان يرتديها حين يذهب لإلقاء محاضراته في الكلية أو يكون خارج مكان إقامته، تلك عادة أكتسبها أيام دراسته
العليا في جامعة كمبرج، عاد العامل وأخبرني أنه سيأتي بعد قليل وغاب عني، انتظرته قليلاً
لكنه لم يأت، غادرت الفندق، مشيت في الشارع، أخذت أتطلع في واجهات المخازن المخصصة لبيع الملابس لأنني أردت شراء قميص لي، وضع يده على كتفي وقال :لماذا لم تبق تنتظرني؟
قلت: اعتقدت أنك كنت تكتب مقالاً وأردتَ أن تنتهي من كتابتهٍ
قال: لم أكن كما اعتقدت
قلت: لماذا تأخرت؟!
قال: أرسلت بذلتي الوحيدة إلى المكوى أول أمس وحين جئت أرسلت العامل لإحضارها
قلت: أعتذر لما سببته لك من إشكالات ومتاعب
قال: لقد أخرجتني من سجني
قلت: هل أنت رهبن المحبسين في هذا الزمن؟
قال: نعم
قلت: حفا ًإنك شاعرً وفيلسوفً وظاهرة ليس لها مثيل
تبسم وأمسك بيدي ومشينا نكمل لقاءنا المعتاد كما كنا نفعل

3 ndash; المكان المناسب
كنت أقف على الرصيف أنتظر سيارة أجرة، توقفت أمامي سيارة خاصة، فُتحَ الباب من الداخل، نادتني أصعد، قالت سأوصلك الى المكان الذي تريد، كانت زميلتي في العمل، صعدت، جلستُ في المقعد الأمامي بجانبها، تحركت السيارة، سارت، توقفت عند تقاطع نقطة المرور لاشتعال الإشارة الحمراء،
سألت امرأة كانت تقود سيارة تقف إلى جانب سيارتنا ::أين تقع مستشفى
الحكيم الأهلي؟ أجابت زميلتي بدون تردد وثقة كبيرة في النفس: في الكاظمية،
ضَحكتُ، قلت لزميلتي :أنها تقع في الكرادة
قالت زميلتي وهي تبتسم: نحن معاشر النساء ندعي المعرفة في كل شيئا حين نعرف أن هناك من يجهل
بعض الأشياء والأمور،
قلت: إنني أجهل طالعي في الحب، هل لك أن تخبريني ماذا سيكون؟
قالت وفي نبرة صوتها كثير من الجد :لا يليق الحديث عن الحب في الطريق ثم أدارت مقود السيارة وغيرت اتجاه سيرها
لم أعترض أو أسأل، بقيت صامتاً، دخلت إلى موقف سيارات فندق من فنادق الدرجة الأولى، أوقفت
السيارة، نزلت منها، اتجهت إلى الباب الذي بجانبي، فتحته، سحبتني من يدي
قالت : إنني أدعوك لتناول طعام الغذاء معي، أضافت سأخبرك بعد تناول الغذاء عن مستقبلك
في الحب، أمسكت بيدي، تشابكت أيدينا، سرنا إلى بهو الفندق، صعدنا في المصعد إلى
الطابق الذي يقع فيه المطعم، دخلنا المطعم يمسك كل منا بيد الآخر ويضغط على اليد التي يمسك بها برفق وحنان .

4- البطاقة الشخصية
بعد الانتهاء من تناول طعام الفطور سألت أخي الذي درس الميكانيك وأفتتح له ورشة لتصليح المعدات الثقيلة لماذا لم يذهب إلى العمل ؟
قال: أنه ينتظر إمام وخطيب الجامع الكبير للسفر معه إلى مدينة أخرى لفحص ومعرفة صلاحية معدة ثقيلة يريد الشيخ شراءها، ولما عرفت المدينة التي سيسافران إليها قلت لأخي لي صديق في تلك المدينة لم ألتق به منذ مدة طويلة وسألته: هل بإمكاني السفر معكما لرؤيته؟
قال أخي: لا مانع في الوقت الذي وصل الشيخ يقود سيارته بنفسه، ركب أخي في المقعد الأمامي بجانب الشيخ وركبت أنا في المقعد الخلفي، وبعد ان قطعت السيارة خمسة كيلومترات تقريباً قال أخي بلهفة كالخائف: شيخ أرجع، أرجع، أرجع إلى البيت
سأل الشيخ والسيارة تسير بسرعتها دون توقف :لماذا؟
قال أخي: لقد نسيت بطاقتي الشخصية
قال الشيخ إنك لست بحاجة لها
قال أخي: إني أحتاجها لإبرازها أمام نقاط التفتيش لأجل أثبات شخصيتي
قال الشيخ: قلت لك إنك لست بحاجة لها
قال أخي: إني أخاف أن أحتجز في أحدى نقاط التفتيش لعدم تمكني من أثبات شخصيتي
قال الشيخ: إنها معي
قال أخي متعجباً: أعطني البطاقة أن كانت حقاً معك لأراها، فرفع الشيخ يده ووضعها فوق عمامته التي كان يعتمرها في رأسه وقال: هذه هي البطاقة الشخصية لك ولجميع العاملين معي
نظر أخي إلى الشيخ متفحصاً فضحك وسكت، لكني أخذت أفكر فيما قاله الشيخ وما سيكون عليه المستقبل القريب ...