المسرح الملكي دراماتن على المسرح الصغير في ستوكهولم تعرض مسرحية الليل أم النهار للكاتب السويدي المخرج بيورن ميلاندر ويعَدْ الكاتب المسرحي والشاعر لارس نورين والذي يتربع على عرش وقائمة أفضل كتاب المسرح في السويد حاليآ بعد الكاتب المسرحي أوغست سترندبري. ومسرحيات لارس نورين تثير الجدل والنقاش في الاوساط الفنية والثقافية وخاصة في الصحافة السويدية، ويمتاز إسلوبه بأنه يبرز ويسلط الضوء على البقع الداكنة والخلافات الاسرية بكل ايحابياتها وسلبياتها ويؤكد إن غاية الفن المسرحي تصوير الواقع والحياة على خشبة المسرح وإيهام المتفرج وإيهامه بأن مايجري على خشبة المسرح ليس صورة فوتوغرافية من نسيج خيال المؤلف ولكن جزء من واقع الحياة، فحين يبلغ الفن أعلى مراتبه يسيطر علينا الوهم فنخاله حقيقة. ويعد لارس نورين والمولود سنة ١٩٤٤ شاعرآ كبيرآ ومؤلفآ مسرحيآ ومخرجآ أكثر شخوصه المسرحية من الواقع اليومي السويدي سُئل مرة :لماذا كل شخصياتك المسرحية تتخاصم مع بعضها البعض؟ وكان جوابه :"لأنهم يحبون بعضهم البعض". ومسرحية الليل أم النهار صاغه المؤلف لارس نورين في حوار مسرحي بالغ المهارة ذي طابع فني جميل ومضمون نفسي عميق ،هذه المسرحية تثير الضحك في بعض مشاهدها رغم إنها تصور مأساة أسرة يكشف المؤلف النقاب عن حقيقة ومشاعر أفرادها بعضهم إزاء البعض الاخر.تدور أحداث المسرحية في فندق سنة ١٩٥٦ في مقاطعة سكونا جنوب السويد يستعرض المؤلف حياة هذه الاسرة السويدية والمؤلفة من الاب داود وهو شخص ضعيف الارادة سكير ومثقل بالديون والغرامات وشخصية الزوجة إلين والاولاد جورجيو والابن الصغير مارتين والمدلل من الام والاسرة تعيش أجواء الشحن وحالة الصراع الرهيب وفقدان حالة الانسجام والتوافق وعدم الاستقرار الاسري بسبب سلوك الاب وتصرفاته الغريبة، وفي يوم عيد ميلاد الابن مارتين يبدأالخصام مابين الاب الذي يخفي قناني المشروبات الكحولية في زوايا وأمكنة متعددة في البيت ويعثر الابناء عليها ويشربونها دون علم الام ومع ذلك يبلغونها وتحصل معركة كلامية وتشابك بالايدي وهذه معارك يومية إعتادت عليها الاسرة ويهجم الاولاد على الاب ويضربونه لكونه بدأ يفكر وينوي بيع الفندق والسبب في حاجته الى المال لكي يدفع الضرائب ولتغطية نفقات طيشه.وهذه الحبكة تظهر إسلوب لارس نورين وولعه بكل ماهو غريب في كتاباته المسرحية وشاذ عن أقرانه من كتاب المسرح السويدي وهو يتنقل بين كل جديد من مذاهب الادب والفن كاالرمزية والواقعية وأحيانآ ييلتصق بالسريالية، ففي مسرحية الليل أم النهار يمتاز العمل ببعض الجوانب الرمزية والواقعية فالديكور عبارة عن بيت وفندق ثابت لم يتغير فنيآ عدا بعض الرموز الموجودة على خشبة المسرح وكان جل إهتمام المخرج هو أن يركز المتلقي على متابعة الحوار المسرحي وقد إستطاع شدنا ويشغلنا بفضل مجموعة من الممثلين أن يحتفظ بحوار لارس نورين وإيقاعه وحقق الغرض هدفه بتعريفنا بخصوصية ونكهة واسلوب المؤلف ويقول لارس نورين :أنا أكتب يوميآ من أجل التغيير أي تغيير نمط الحياة البليدة والمتخلفة في حياة وسلوك الناس اليومية وبدون رتوش وأشعر بالمتعة في حياتي عندما أكتب وأرسم وأحرك وأختار شخوصي من الواقع وحركة الناس وأشعر بالتحرر والحرية المطلقة في الكتابة بدون رقابة وقيود بقواعد وفن كتابة ولغة المسرح ولاأضع نفسي في سجن وأحاول دومآ أن أتحرر من كل القيود ."الشيئ الغريب في هذه المسرحية هو المكان عبارة عن فندق ولكننا لم نشاهد أي واحد من نزلاء الفندق. إعتمد المخرج على بعض الرموز والدلالات مثل السكين في يد الزوجة إلين وفي يد الابن مارتين وخاصة في مشاهد الشحن والخصام والعنف الاسري كنا نتوقع حصول جريمة قتل في أي لحظة أو محاولة إنتحار وفي النهاية كانت ذروة إنفجار الحدث بدأنا نتحرك من مقاعدنا وتوقعات مايحصل تحولت الاسرة الابن الصغير تحول الى صايع وضايع في الشوارع الاب لايزال يعيش أحلامه الوردية وضياع الاسرة والام إلين مسلوبة وضعيفة الارادة وبائسة لاتستطيع إتخاد القرار المناسب وأما الاخ الكبير جورجيوا قرر الرحيل وترك الاسرة في أزمتها ،هذه الاسرة المفككة كل واحد لايفكر إلابنفسه فأنانيته جعلته يلغي وجود الاخرين، والمسرحية عبارة عن جرس إنذار تحاكي عموم الاسر في الغرب وخاصة في نمودج المجتمع السويدي وهي عبارة عن حكاية إجتماعية تتغلغل في أعماق الانسان الحائر أمام صراعات وقساوة الحياة من البطالة وقانون فرض الضرائب العالية ،هنا تبرز للمتلقي ظاهرة وقضية الاغتراب الداخلي عندما يعيش الانسان على حافة الحياة بعيدآ عن مراحل تطورها السريع.هذه الصورة وهذا الاسلوب الذي يتميز به الكاتب السويدي لارس نورين في عرض أحداث مسرحياته إنه يربط من خلال مسرحياته بين الانسان والعالم في عصر ما إنها العلاقة بين صراعه مع الحياة ومجمل أهدافه هي أهداف إنسانية، ومسرحية الليل أم النهار مبنية على هذه الاسرة وأشخاصها الاب وهي شخصية محورية وكذلك الام والابناء ،الاب يعيش على هامش الحياة بين الكد في عمله وحيرته وضياع الهدف فلم يستطع أن يثبت أمام صراعات الطبيعة والاسرة وقوانين الدولة وعاش بعيدآ عن هامش معترك الحياة يعيش داخل الاسرة ولكن في إغتراب كامل عنها ربما يرمز الكاتب لارس نورين من خلال الام المتمسكة والرافضة لبيع الفندق كرمز للوطن والذي هو أعز شيئ عندهم ولن يتخلوا عنه& في أصعب الظروف وأصعب المحن الابناء يحمون الام ويدافعون عنها من طيش وسلوكية الاب العدوانية والكاتب لارس نورين المولود في جنوب السويد بالقرب من المدينة الجامعية لوند بذأ بكتابة الشعر عندما كان عمره ١٤ سنة ففي مرحلة الستينات أصبح من أفضل كتاب المسرح السويدي شهرة وخاصة عن مسرحية الليل أم النهار ويعد قامة مهمة وإمتداد لكتاب المسرح في الدول الاسكندنافية أمثال الكاتب النرويجي هنريك أبسن والكاتب السويدي أوغست سترندبري والمخرج والمسرحي إنغمار برغمان . وقد أثارت مسرحيته 3 في7 ضجة إعلامية على مستوى الصحافة والتلفزيون لأن أحداثها تدور في السجون والممثلون من أرباب السجون والقتلة واللصوص وهم متهمين بقتل إثنين من رجال الشرطة إثناء عملية سرقة بنك سويدي وأكثرهم من النازيين الجدد في المجتمع السويدي.أستطاع المخرج في مسرحية الليل أم النهار بناء الاحداث الفنية وقيادة الممثلين في توليفة جميلة وبناء الاحداث الفنية على منهج إصلاح المجتمع على أساس بناء الاسرة وخلق أجواء المحبة والوئام والمودة داخل الاسرة لغرض بناء مجتمع راق. ويبقى الكاتب لارس نورين في حدود املامسة الواقع والحياة اليومية ليكشف عن حقيقته ويبرز كل العيوب السلبيات والايحابيات ويطورها وينتهي الى مايريد قد يبدو في مسرحه شيئ من التدبير والاصطناع في بناء الاحداث وفقآ لمقتضيات الفكرة التي يريد إبرازها حتى إن بعض النقاد السويديين يتهمونه إنه داعية إجتماعي وسياسي أكثر منه فنانآ، وأكثر قصص وحكايات مسرحياته مبني على أساس الهدف الذي يرمي إليه وحتى لو كان هذا الترتيب يخالف قليلآ أوكثيرآ المعقول والمألوف من واقع الحياة في المجتمع .السويدي

عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي ستوكهولم