بداية تجدر الإشارة إلى أنّ تناول هذا الموضوع الذي أعتبره شائكا وعويصا إلى حدّ كبير، حصل ليس بدافع التّنظير أو ما شابه، إنما بإيعاز من الممارسة والتجربة الذاتية. فالشّعر من وجهة نظري، هو توأم الدم دائم الجريان في عروق أصحابه وعشاقه.
حقيقة لقد أذهلني الوحي حال تطرّقه إلى هذا الفن التعبيري و الجنس الأدبي الذي شغل بال الإنسان منذ القدم. حيث جاء بمفهوم آخر للشّعر غير مألوف ، وبكيفية تخدم أكثر كلاّ من البعدين الجمالي والمعرفي في جسد النّص الشّعري.. لهذا نجد الاستثناء المتمخّض عن بضع آيات من سورة الشّعراء قد اقترح صورة مستقلّة عن الزّمان والمكان تبقى دائمة الصلاحية عبر أجيال ممتدة إلى ما لانهاية، حريّ بالشّاعر أن يكون عليها، أي تلكم الصورة كونها تسهّل عليه تأدية الواجب، بصفته لسان قومه ونبيا من طراز آخر ورسول الآدمية، يحرص على التّوفيق بين الرسالة وتهذيب الذائقة الفنية لدى المتلقي ونقل مشاعره ومعارفه تجسيدا لمواقفه من ذاته فالآخر فكل ما يحيط به انتهاءا، على الرغم مما قد يعترض مسيرته الإبداعية من تحديات وإكراهات. موجز قرآني غاية في الدّقة وشمولية الرؤيا، بحيث اختزن منظومة أخلاقية، المقام هنا لا يتّسع لذكرها كاملة بالتفصيل لذا سأكتفي بقيمة واحدة منها فقط، إنها الصّدق / روح النبوّة ونبضها. ومما لاشكّ فيه أن الصّدق وحده يصنع النّجاح، كما يتكفّل بأعباء إعادة صياغة علاقة الذات بالآخر وبالكون، داخل حدود تصون كرامة الإنسان، خليفة الله في الأرض، وتضعه في اتّزان بين الواجبات والحقوق... الأصل كمين في تطابق القول والفعل، وإلاّ أضحى وجود المرء تفاهة ونكرة..دائما ونحن بصدد الحديث عن الشّعر، ليس ثمّة بدّ من ضرب مثل يتماشى وسياق الجو العامّ للقضية / عندما يعبر أحدنا تجربة ما أكانت حلوة أم مرّة، مشهدا ما تركه يختمر في ذاكرته، ليعود إليه ثانية بغرض بلورته في قصيدة بمواصفات معينة / الأسطورة ـــ مخزون الذاكرة– التراث- الصورة – الراهن. عليه ألاّ يصف& علاجا لعلّة هو أول من يشكو منها، بمعنى: لا يجوز أن يطرح فكرة يناهضها وهو يأتيها في الأصل وهكذا.
ينبغي الاعتراف بصعوبة تحديد ملامح أفق الشّعر العربي لكثرة الملابسات لكن... يبقى التفاؤل بمستقبل متوهّج وزاهر للمشهد الثقافي عموما، يبقى واردا.. حسب معرفتي ثمّة كمّ من الطّاقات المفتقرة فقط إلى مزيد من الوقت والثّقة لتقول كلمتها.. كثر هم من سلكوا دروب العصامية، كانت في البدء إبداعاتهم لا تتخطى حدود الصّداقة والأسرية ؛يعانون ازدواجية الكتابة والكسب، يظلّ هاجسهم الأكبر مختزلا في الحلم بالتّفرغ وأسئلته.. كضرب من الجنون إدمانهم المداد وإمساكهم بجمرة القلم لأنه قدرهم الذي لا ينفع معه حذر.. توحي كائناتهم الورقية وكتاباتهم العنيدة والمستميتة بالنّبوغ والعبقرية.. لاشكّ أنّهم ثراء وإضافة للساحة، فقط لو يلتفت إليهم حتى بقليل ممّا تحظى به الأغنية على سبيل المثال،ونحن نعيش تعاقب مهرجانات ضخمة ونلمس من خلالها كيف يتمّ بذل جهود مضنية وينفق بسخاء، تنقيبا على أصوات جديدة.. مؤكد أنّي لا أنحاز إلى جهة بعينها.. فالنّهضة لابدّ وأن تكون شاملة والتّطور كمين في عدم ترجيح كفّة فنّ على أخرى أو مجالا بحد ذاته على آخر...
شاعر من المغرب
&