ترجمة عبد الرحمن الماجدي

ولدتْ ماريا كانغرو Maarja Kangro في تالين العام 1973. والدها المؤلف الموسيقي راينو كانغرو وأمها الشاعرة ليلو تونغال. درست اللغة الانكليزية في جامعة تارتو وأكملت دراستها الأدبية العليا في جامعة تالين. دخلت عالم الشعر مسلحة بإتقانها اللغات الانكلزية والالمانية والروسية إضافة للايطالية التي ترجمت منها الى الاستونية عدداً من الكتاب في مقدمتهم أُمبرتو إيكو وكتابة quot;تاريخ الجمالquot;، كما ترجمت نحو مئة شاعر عالمي الى الاستونية.
توظف السخرية والدهشة، وأحيانا الغرابة، في شعرها مفضلة تفجير الكلمات صوتياً في قصائدها موظفة خبرتها الموسيقية في ذلك.
يرى بعض النقاد أن قصائدها تخلو من مسحة انوثية، حتى في بواكير شعرها، ويبررون السبب في انهماكها بالتنظير والكتابة النقدية، على العكس من مجايلاتها في استونيا إذ لاتغيب الرومانسية الانثوية وقصائد العشق وحتى الايروتيكا عن أشعارهن.
بموازاة الشعر أصدرت عدداً من المجموعات القصصية نالت عن بعضها جوائز في أستونيا، وتستعد لاصدار روايتها الأولى.
أفادها الأرث الموسيقي المنزلي فكتبت خمسة نصوص أوبرالية، ولديها مقالات عديدة في التنظير الموسيقي.
من كتبها: شيطان فوق ثلج هش 2006 (شعر)، وتعال الى كهفي، 2007 (شعر)، يوريكا 2008 (شعر)، ونقد فني لشجرة الميلاد (شعر) 2010، القرود والتكافل 2010 (قصص قصيرة)، حفرة دانتي 2012 (قصص) وطماطم سوداء 2013 (شعر).
فازت بعددٍ من الجوائز الأدبية من بينها جائزة جامعة تالين الثقافية في العامين 2008 و2009 وجائزة إستونيا الثقافية عن الشعر في العامين 2009 و 2011.
تُرجمت قصائدها الى عدة لغات منها: الايطالية، الروسية، الهنغارية، الانكليزية، الالمانية، الفنلندية والسويدية. وهذه أول ترجمة عربية لها.


مصارعة في المكتبة الوطنية

بينَ رفوفِ الكتب،
في المكتبةِ الوطنية، كما لو كنتُ في حلم،
غالباً ماأشعرُ كأني في مصارعة.

أحبُ العراكَ
مع مرتدي الكنزاتِ الصوفية،
والنظارات.

المصارعون الحقيقيون مملون،
الجيمس بونديون في ثلاث ثوانٍ أصرعهم،
بينما هؤلاء القراء بالكاد يهمسون.

أراك في الفهارس،
آه، كم هي مثيرة معاناة كتبنا،
آه، كم هي متأججة نصوصنا.

يا لهذا الماخورِ الصامت،
الناس ينتظمون من أجل الحصول على الكتب،
يصطحبونها، مُعانين منها، ليصابوا بها.

لم أنتبه أني كنتُ أصوب نظري إليها خلال الرفوف،
آه، إنها معاناة، معاناة بالفعل.

ممم- كنزة صوفية-ممم- نظارات- آه، رضيع-
ممم- كنزة صوفية-ممم- نظارات- آه، رضيع-
ممم- كنزة صوفية-ممم- نظارات- آه، رضيع-

كلَّ مرةٍ في المكتبة
أشعر أني مصارعة،
ياقرائي الأعزاء.

عندما أمرُّ من بوابة الخروج مع الكتب،
في بعض الأحيانِ، تصرخُ
صفارة التنبيه!

***

أفغانسان الصغيرة

القوات الأميركية تغزو إقليم هلمند الافغاني،
تذهبُ في جولةٍ حولة السوق،
فتجدُ أن الفراولة فاسدة.

quot;ضربةquot; لطالبان:
quot;أفغانستان قد لا تشكل تهديداً دولياًquot;
لا أحد، في الواقع، يصدقها.

لا أحد يخشى
من التهديد الدولي أو حتى المحلي.
لا أحد، لا أحد.
والدٌ شابٌّ يمضي،
مبتهجاً، مع عربة التسوق بصحبة طفله.

أربعة ألاف من جنود البحرية. نقانقُ متجمعةٌ حولَ مقبضِ الباب.
نقانقُ وبشرٌ عديدون، لا يرون أن طالبان تعيشُ في داخلهم، على طريقة:
رؤوية السعادة الانسانية.
السي آي أي دعمت، ذاتَ مرة، طالبان.
مرة واحدة، فأنتجت رؤيةً للسعادة الانسانية.
لم تكن تعتبرها مؤذية، والآن،
تضحكُ في عُبَّها.

***

طماطم سوداء

وضعتْ أختي طماطمَ حقلية على حافة النافذة
كانت مثل أجنة خضراء.
بعضٌ من صغارها كان يتماسك ببطء.
أفضّلُ الصفراء، لكنْ بحجمٍ كبير،
تغذ ُّ خطىً جادة الى اللون البنّي.
في ليلةٍ ما، كانت، هناك، حفلة،
رأيتها مرةً أخرى،
كانت الطماطم تتوهجُ حمراء.
مسّدتُ على لازاروس: رائع!
سهمُ الوقتِ قاطعٌ: قسوةٌ-موتٌ- نضجٌ؛
كم أود أن أتقن تلك اللعبة!
في صباح اليوم التالي،
كانَ جانبُ الطماطمِ المعرضُ للشمسِ فحمةً سوداء.
فذهبَ لازورس الى الجحيم.

***

خنزير

سمعتُ في الراديو:
منذ فترةٍ طويلةٍ، عن خنزيرٍ يتجولُ حولَ كوخٍ
ويأكلُ برازَ الناس.
كانَ البرازُ يزهرُ خنازيرَ.
قتلَ رجلٌ الخنزيرَ وأكله،
بعد الأكل، راحَ مع الأوساخِ في مكانٍ ما
قربَ كوخٍ مرةً أخرى.
في الربيع قُبض على رائحةِ خنزيرٍ،
كان ذاهباً الى الأجمةِ ليأكل.
وهكذا دواليك.
بعد ذلك، اتضحَ أن التاريخَ دوامةٌ.
كلُّ الاشياءِ تعودُ إلى أصلها،
الخنزيرُ أستغرقَ وقتاً أطول،
بعددِ أواني الطبخِ،
والكثيرِ من المواقف المفصلية.

***

فراشة اللاعودة

quot;مرة أخرىquot; كلمةٌ كبيرة
بطيئةٌ وسريعة
مرة أخرى.

مرةً أخرى يبتهجُ رجالٌ، في الراديو،
أنهم على الطريق الصحيح،
فيتحدثونَ عن دورةِ الوقتِ الطبيعية.

الطريقُ الصحيحُ يذهبُ في دوائرَ، حتى أنا،
أتأملُ جلداً يافعاً على الشاطيء،
و أغني بصوتٍ مرتفعٍ et si tu nrsquo;existais pas

الرجال في الراديو يتحدثون حول التواصل
من كل شيء الى كل شيء آخر: ثمة دويّ،
أحدهم تحدث عن تأثير الفراشة؛ فرفعتُ جناحي.

النومُ الجيدُ يمنحك وقتا دورياً،
بعدَ هكذا نومٍ تفكرُ بانتعاشك،
ومرةً أخرى
أرفرف جناحي.
الرجالُ الجيدون في الراديو بدأوا يسعلون،
أخفق جناحي بقوة أكبر فتهبُ الرياح.

الرجال يسعلون بصفيرٍ، فتثورُ موجات الأثير،
وتجنح سفينةٌ ويغرقُ سباحون،
النوم النهائي
يأتي عاصفةً رمادية.

دعوني أفكر بكلمةٍ لم تكنْ من قبل
لم تكن إلا الآنَ،
الآنَ فقط.

***

ثمة أنينٌ ورنينٌ في الهواء.
أنتَ تتكلمُ عن شخصٍ ما جاهلٍ.
أنا وحيدة للغاية. ولن تصلَ خلالي الى ما هو أعمق أو أعلى،
الوميضُ البريءُ يجعلكَ تؤمنُ به
فترى في القريةِ سكيراً
أو شاعراً جنَّ جنونه.
حينَ يشربُ، تظهرُ الأسرارُ للعلن.
حينَ أفقدُ سيقاني، أهجم،
أو أندفعُ الى رائحةٍ كريهةٍ، فتظلمُّ نظرتي.
أنفثُ بخاري في وجهك.

أريدُ جسداً جميلاً لا أخجلُ منه. أخشى من الفقدان.
الكلماتُ غاضبةٌ مني، فأجهش.
أشاهدُ التلفزيونَ، لا أقرأُ، ولا أكتبُ كما ينبغي.
القمامةُ متروكةٌ ورائي.
أنا قمامةٌ. أنا التي تتحدثُ أنتَ عنها.
- آه لا، الذي تدورينَ حوله، أنهُ أنا.
- آه لا، إنها أنا.
- كلا، أنا الوحيدُ.
- كلا، أنا. سامحني.
الطريق ممتليء بنا، وأوراحنا الهشة تدّوي.
انصتوا، للهدوء، أعزائي الفتيات والشبان.

***

نهاية طويلة ومثيرة
(رحلة قصيرة في ماكينة سريعة)

طائرةٌ صغيرةٌ تحلق
على ارتفاعٍ مثالي،
ومضيفةٌ تجلبُ القهوةَ،
فتُسمع فرقعةٌ خافتة،
بعدَ ذلك نبدو كأننا نغرقُ،
نشعرُ بمتعةٍ،
فنحنُ نغرقُ في غيومِ العاصفة.
الأنفُ يندفعُ باتجاهِ الأرض،
نقتربُ من الانفجارِ،
نشربُ قهوةً فتندلق.
يمكن أن يستمر الاندفاع الى ما لانهاية:
مريحُ مع قعقعةٍ رمادية،
لدينا ما يكفي من الحبِّ المسبقِ، والانسجام،
شاهدنا الصورَ مراراً،
نحنُ مسودة من التقلباتِ اللغويّة،
حقاً، لماذا لم تنفجر؟
موتٌ مثيرٌ، طويلُ الأجلِ ومفاجيء،
جبّارٌ مثل الموسيقى.
quot;هل تعرف قصة جون آدمز
quot;رحلة قصيرة في ماكينة سريعةquot;؟
ينبغي تسميتها quot;التي بلا نهايةquot;.
نبتسمُ لبعضنا،
نتبادلُ الأكوابَ،
ولا نقوى على التفكير بعد الآن
حول معاناة شخصٍ ما، يغادرُ دونَ إله،
بينما نحن نسقطُ نحو الموت.
الأرض لما تزل تنجرفُ بعيدا قبالتنا:
رُبّما ستكون آخر مرة، ربّما.
السرعةُ ذاتها كاعتذاراتنا،
التسارع يثير الحماس.
ربما ستكون آخر لا نهاية.
انفجار
لا نهاية
انفجار
لا نهاية

***

شاعرة تتلوى

شاعرةٌ لبنانية
استلقتْ على بطنها،
كانشَعرُها يتماوج.
زحفتْ وزحفت،
تحدثتْ عن السقوف،
وعن صفيرِ القنابل،
وعن الأزياءِ الموحدة، والمعدن.
على المرء أن يتحدث همساً
مع أشجارِ الموزِ، قالتْ.
صرختْ ثمَّ زحفتْ،
زحفتْ، وزحفتْ.
quot;حسناquot; ردّتْ الاستونية.
وظلتْ تكرّرُ: حسناً.. حسناً.