&بغداد: صدرت مؤخرا للروائي العراقي اسعد الهلالي روايته التي تحمل عنوان (يوميات غياب الندى) عن (مكتبة عدنان) في شارع المتنبي ببغداد، تقع الرواية 208 صفحات من الحجم المتوسط، وهي الثالثة في تسلسل رواياته، فقد سبقتها رواية (الميتة الثالثة والأخيرة لعبد شويخ البدوي) ورواية (أسفل خاص).
&الرواية.. لا تذهب بعيدا عن الزمن العراقي المعاصر، بل انها تترامى على مساحات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي،حيث الحرب يشتد اوارها وحيث الحصار الاقتصادي يمزق الانسجة المجتمعية ويحاول ان يفتت الاشياء لتهرب الى الاغتراب، فهي تقرأ في تلك العذابات التي كانت دوائرها تدور بقسوة فتنهمر الدموع ويعلو العويل، حيث تناولها الكاتب وتناول فيها من خلال عشرة أيام غابت فيها ( ندى) تلك الفتاة اليمنية التي أحبها وصار يراها قطرات الندى التي تبلل جدب روحه.
&& تبدأ احداث الرواية في مطار العاصمة اليمنية صنعاء عندما يودع (أحمد العراقي) الشخصية الرئيسية حبيبته (ندى)،التي ستغادر مدينة (صنعاء) الى مكان مجهول،شارحا ذلك بقوله:"هدرت محركات الطائرة الفضية.. إبتلع الممر الضيق المؤدي إلى صالة المغادرة آخر الاقدام المسرعة، مجلللاً بعضها بالدموع والآخر بخفقات قلوب إستلقى فيها فرح غامر أرهقه التقافز حتى أوشك على الانهيار... ".
& ويتّخذ المؤلف من صيغة المذكرات اليومية وسيلة لسرده احداث الرواية التي يتنقل فيها ما بين البعيد والقرب من الازمنة ويترك لذاكرته اعلان ما استقطبته على مر السنوات& في إدارات دفة احداثٍ بعيدة وقريبة إكتظت في ذاكرة متعبة وخائفة وحزينة عبَّر عنها المؤلف بصيغة ضمير المتكلم،يبدأها بتاريخ محدد 7/ 8 / 2001 ثم 8/ 8 / 2001 وهكذا تتوالى التواريخ اليومية متتابعة لتنتهي بالتالي بنهاية مفتوحة بهذه الجملة:"صنعاء& 2001 ".

* ماحكاية روايتك هذه؟
ـ يوميات غياب الندى.. هي استحضار الذاكرة.. جلدها.. استنفار الوقائع التي مر بها العراق والعراقي (الشخصية) خلال ردح من الزمن شهد أزمات وأحداث ومتغيرات اجتماعية بالغة الأهمية.. في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين لم نكن قادرين على أن نمر عابرين على ما يحدث.. الحرب العراقية ـ الايرانية، ثم الحصار الذي استمر أكثر من عقد.. فضاء سيكولوجي وعاطفي مشحون بالأحداث عاش فيه (العراقي) وحين قرر الهرب منه اكتشف انه لم يأخذ معه إلى مغتربه شيئا سواه.. لذا ما إن يعرف هو الذي لفظه وطنه على (ندى) التي غدت له وطنا ويصطدم بأن شعورها المتفاقم بالاغتراب سيقذفها بعيدا عنه.. إلى مغتربها هي حتى يقئ ما مر به من أحداث ومشاعر خنقته ثلاثين سنة وفتح رحيل نداه صنبورها فتدفقت.. يوميات غياب الندى إذن سيل من الذكريات..

* لماذا هذا العنوان الشعري؟ وماذا تعني به؟
ـ لأن الشعرية هي المعادل الموضوعي لأكداس الآلام التي نعيشها وتشعرنا بالاختناق.. لسنا قادرين على خوض حروب جديدة.. ولسنا مستعدين لمواجهات أخرى، ربما لم نعد قادرين على الكلام.. فصرنا نلوذ بالصمت، والهمس، والكلمات غير الجارحة التي يراها البعض شعرية.. رغم ان الذاكرة متخمة بالدم والدخان والخراب وهذه مفردات قافزة على الشعرية.. وهي المحصلة الحقيقية لذاكرة الراوي والروي.. إلا إنه (العراقي) فقد قدرته على أن يظل غريبا، بعيدا عن وطن.. فاختار وطنا شعريا..، (ندى) لم تكن مجسدة في الرواية سوى من خلال ما يستحضره منها.. لم تغير فيه شيئا في الواقع.. عشقه لها حد التماهي كان عشقا للفكرة.. الحب.. ربما كان الوطن.. حبيباته السابقات.. ذاته المتصدعة... ربما سلبت أحداث ذاكرته قدرته الأزلية على الحب فأراد أن يعيش تدفق نبضاته واكتشف انه تسرب ككل ما رآه ذات يوم جميلا وضاع بين سرفات الدبابات ورصاص قتلة كربلاء في عام 1991 أو جوع سنوات الحصار.

* اين تقع احداث الرواية وما زمنها؟ ولماذا؟
ـ نقطة انطلاق أحداثها في صنعاء بدأت في أحد أيام عام 2001 لتتواصل لمدة عشرة أيام تالية.. إلا إن هذه الأيام غدت اختزالا لحياة عاشها العراقي التقط الكاتب شذرات من سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات العراق في القرن المنصرم حيث كان حاضنة لحياة العراقي الذي تفاعل مع أحداث حرب عام& 1973 ثم الحرب العراقية الإيرانية فالحصار وأخيرا الهجرة التي ساهم بها وانعكست عليه فكريا ووجدانيا ورسمت له مسارات الأحداث التي خاضها.. لا أعتقد أن عراقيا عاش على هامش الحرب أو الحصار.. والخروج من أتون كهذا سيكون محملا بالحكايات والمشاعر والأفكار.. كانت صنعاء هي البادئة لأن العراقي هاجر إليها بعد أن لفظه الوطن، وشعر بأن ندى ـ الفتاة اليمانية الشفافة غدت وطنه بعد أن امتلأت بها مفردات حياته، لكنها كائن مغترب كذلك.. كانت قد قررت أن تغادر لأنها لم تكن متناغمة مع ما عاشته ويفترض أنها ستعيشه في اليمن لذا أخذتها الطائرة بعيدا ليجد العراقي نفسه وحيدا تماما سوى من ذاكرة متخمة بالانكسارات والعشق.. فواصل طيلة عشرة أيام جلد ذاته لتكون يوميات غياب الندى.

*هل تعتقد ان الرمزية في الرواية تؤدي واجبها؟
ـ بالتأكيد ستؤدي الرمزية واجبها في الرواية إن ارتقت بها من المباشرة الفجة، فما سيشكل محثا جماليا ودلاليا للقارئ سيدفعه لمزيد من الإرتباط بالمتن الروائي، والروائي العراقي بشكل عام يعمد إلى نثر مرموزات عالية الدلالة توخيا لمزيد من التفاعل مع ذائقة القارئ..

&* اي اسلوب اتخذته فيها؟
ـ أعتقد أننا لم نعد قادرين على أن نؤطر ما نكتبه وفق أسلوب معين، إذ ربما تختلط السوريالية بالواقعي من أحداث رواية ما.. وربما ترى ثمة انطباعات تعبيرية تتخلل نصا ذا شعرية عالية، ما اخترته لكتابة يوميات غياب الندى هو تسجيلية شعرية اعتمدتها لعرض أحداث ربما حافظت بشكل كبير على واقعيتها مؤكدا ذلك أحيانا باستخدام أسماء أشخاص ومواقع وتواريخ حقيقية، وهكذا سنقرأ أسماء كالدكتور عوني كرومي ويوسف رشيد وفلاح الكيشوان ووفاء طارق ونبيل وشيبا وهم جميعا حقيقيون كانوا ذات يوم فاعلين في أكاديمية الفنون الجميلة التي أحتوت بعضا من أحداث الرواية، كذلك أدت التسجيلية الشعرية دورها في أحداث كربلاء عام 1991 من خلال نقل بعض المشاهدات التي عشتها أيامذاك.. أعترف بأني اعتمدت كثيرا على ذاكرتي المتخمة بأحداث كنت شاهدا عليها وعشت أغلبها.

&* هل وجدت نفسك مضطرا الى دفن رؤاك بين السطور لاسباب معينة؟
ـ كتبت الرواية في عام 2001 وكان نظام صدام حسين مؤثرا في الشارع العراقي وفوبيا الإرهاب الأمني ما زالت متغلغلة في الانسان العراقي، وبعد سنوات طويلة من القمع الفكري لم ينس الكاتب العراقي آنذاك رقابة رجل الأمن على ما يكتبه لكني حاولت أن أتخلص من هيمنته بل مشاكسته أحيانا مستفيدا من إقامتي خارج العراق وشعوري بشيء من الحرية رغم الخشية على المرتبطين بي من أشقاء وأقارب وزوجة وأولاد.. لقد قدمتُ الرواية بأحداثها ورؤاها وتقنياتها السردية بما رأيته مؤثرا في القارئ الذي وضعت نصب عيني مسؤوليتي الأدبية والتاريخية والأخلاقية لأكون معه في غاية الصدق والموضوعية..

&* ما الذي اردت ان تقوله فيها؟
ـ أردت أن أقول بأن الإنسان أسمى كثيرا حتى من التاريخ نفسه.. فهو صانع هذا التاريخ.. لقد عمدت إلى أنسنة الأشياء فحمل كل شئ ملامح إنسانية، هكذا كان أصيص الورد والعنكبوت واللوحة التشكيلية والكلب.. الإنسان أولا وآخرا.. بما يحمله من مشاعر وما يخوضه من أحداث.. ووجدتني دائما أشعر بالدهشة لفرط القسوة التي يتعرض لها الإنسان على يد الإنسان.. لطالما حدث ذلك وكأن هناك إصرارا من نوع ما لشطر مفهوم الإنسانية بين قاتل وقتيل.. أعلم أن هذا واقع أكدت الميثيولوجيا الدينية حدوثه منذ قابيل وهابيل.. وكان حاضرا بقوة وقسوة في حقب التاريخ جميعا.. لكني ما زلت غير قادر على فهم استعداد الداعشي مثلا على نحر كيان إنساني كامل لمجرد أنه شيعي أو ربما كان سنيا لكنه لا يقر بأفكاره.. لم تعد كلمة كجريمة كافية لتعريف فعل كهذا.. وفي الرواية تعيش رفضا فاقعا لقتل تعرض له العراقي على أيدٍ صرت أراها اليوم أكثر رحمة من داعش الذي يستحق أن يكون موضوعا لرواية مدهشة..

&* هل استفدت من كونك مخرجا سينمائيا في كتابة الرواية؟
ـ بالتأكيد.. فقد كتبت الرواية من خلال كاميرا في قعر دماغي، كانت الصورة هي أول ما أشاهده لأجسده من خلال الكلمات لذا ترى الصورة حاضرة والعلائق الدرامية السينمائية ظاهرة وحتى البناء السردي تعمدت أن يستفيد من الانتقالات المشهدية التي تحاكي ما نشاهده في الفلم السينمائي.. ما زلت أطمح إلى أن أقدم ذات يوم فلما يُقرأ في رواية كما يشاهد على شاشة.
&