تجمَّع غوغاء خارج متحف بوسطن للفنون الجميلة مطالبين بإنزال لوحات الفنان بيير اوغست رينوار من جدران المتحف بدعوى انها لوحات "مقرفة". في هذه الأثناء تنامى حساب ماكس غيلر على موقع انستاغرام تحت شعار "رينوار فنان مقرف" الى حركة احتجاج متكاملة ضد الفنان الانطباعي الذي توفي عام 1919 وتعتبر اعماله دعامة لكل متحف جدير باسمه. ولكن غيلر تعلَّم قاعدة واحدة في النظر الى الفن هي أنك لكي تحب فنانين عليك ان تكره آخرين.
ويقف غيلر حائرا امام الاعجاب الذي يلقاه رينوار. ويقول جونثان جونز الناقد الفني لصحيفة الغارديان ان من حق غيلر ان يضع المرجعية الفنية واعجاب الجمهور موضع تساؤل لأننا يجب ألا نقبل توافقا باهتا على ما يشكل فنا عظيما. وان تطور النقد على امتداد مئات السنين توصل الى توافق على نخبة من كبار الفنانين الذين كثيرا ما تقدمهم المتاحف على انهم فنانون فوق النقد. ولكن التفاعل مع الفن في الحياة الحقيقية يتطلب ان يكون المرء انتقائيا بعاطفة متقدة. وبحسب شكسبير فان الموقف ليس موقفا ما لم يكن نقديا. ولاحظ تي. أس. اليوت على الغرار نفسه ان الحديث سيكون مملا مع شخص يحب الشعر كله. فان عدم الاعجاب هو جذر المتعة الحقيقية.
مَنْ تفضل كارفاجيو أم بوسان؟ جاكسون بولاك أم بريجيت رايلي؟ ان هذه ليست خيارات نهائية بالطبع ولكن إذا لم تكن هناك خيارات منحازة بحرارة فاننا لن نشعر بقوة الفن. وتشجعت اليوم كثير من المؤسسات التربوية كما يُفترض الجمهور على قبول الارشادات الواثقة للمراجع الفنية. وهي بذلك تدمر القدرة على التمتع بالفن. فالتجوال على الأعمال الفنية والاستماع الى شرحها من دليل أو استخدام دليل صوتي أو من خلال الكتب المدرسية التي لا تميز أو تشجع على التمييز الذي يغذي سيلا من الآراء "الصائبة"، كلها تخمد نار الفن. وبالتالي فان من حق كارهي رينوار ان يقوموا بهذه المحاولة لممارسة الديمقراطية الجمالية. ولكن الناقد جونثان جونز يلاحظ ان مشكلة هؤلاء تتمثل في انهم مخطئون تماما وان اسبابهم لكره رينوار ناجمة عن جهل وأُمية فنية. إذ يشكو غيلر قائلا "في الحياة الحقيقية تكون الأشجار جميلة وإذا صدقنا ما يقوله رينوار بشأنها فان الأشجار تكون مجموعة من الخطوط الخضراء العشوائية".
ولكن رينوار ينتمي الى المدرسة الانطباعية التي سعى فنانوها الى رسم الحركة المتدفقة في الطريقة التي ننظر بها الى الطبيعة وليس اعادة انتاجها بأدق تفاصيلها. وكان هؤلاء الفنانون يريدو ان يكونوا ايحائيين يستحثون الذاكرة على استحضار صور ومشاعر، بحسب تعبير الناقد الفني جونثان جونز.
وإذا كانت اشجار رينوار تبدو مجرد "خيوط خضراء" فان سماء ترنر المبهمة وضوء كلود مونية الضبابي وشوارع بيسارو غير المحددة كلها تثير القدر نفسه من الصدمة والقرف.
وتزداد الأشياء غرابة مع ما بعد الانطباعيين الذين بنوا على ما أسسه الفنانون الانطباعيون. فلنمنع سيزان ونلغي فان كوغ لأنهما يصوران الطبيعة وكأنها شظايا، وإلا فان رينوار ليس فنانا رديئا، كما يحكم عليه غيلر. فان ادعاء غيلر بأن رينوار لا يبين "جمال" الطبيعة ادعاء يخطئ الهدف الى حد يثير الدهشة. لأن فن رينوار ليس جميلا فحسب بل انه شخصيا وبمفرده علَّم العالم أن يقدِّر الأبعاد الجديدة لجمال العالم الذي نعيش فيه. وتمكن من أن يرينا دررا لم يلحظها الجيل السابق. ويمكن ان نرى ذلك في تقديره الحسي ليوم ممطر في المدينة بلوحة "المظلات".
ان رينوار عبقري صاحب مخيلة وهو يبدع ما يعادل رواية فرنسية استفزازية في لوحته "مقصورة المسرح" التي تتضمن مروية كاملة عن علاقات عاطفية خطيرة بلمحة واحدة من رجل وامرأة في المسرح. ويجسد على الغرار نفسه حياة كاملة من الهوس الفني في بورتريه التاجر الفني فولار وهو يمسد تمثالا صغيرا. هذه اللوحات القليلة وحدها كافية لأن تثبت ان الحملة التي يتعرض لها رينوار حملة غبية ورعناء. فان التفكير في الفن وامتلاك آراء حادة بشأنه أمر ايجابي ولكن على من يفعل ذلك أن يمعن التفكير ويشحذ الرؤية قبل اطلاق الأحكام.
&