&بغداد: صدر للشاعر العراقي حمدان طاهر المالكي مجموعة شعرية &جديدة تحمل عنوان (غرق جماعي) عن دار &أدب فن للثقافة والفنون والنشر ، وزينت الغلاف لوحة للفنان البلجييكي ايساك كوردال.

&تقع المجموعة التي يفتتحها بمدخل (أقصى ما يمكنني حملته ، ظهري ليس سفينة نوح) ،في 66 صفحة من الحجم المتوسط وتضم بين غلافيها 52 نصا شعريا اشار الشاعر الى بعضها بأنه ترجم الى اللغة الفرنسية ،على الرغم من ان العنوان ليس له نص في المجموعة وقد يوحي الى وقائع حياتية في عالمنا الذي شاعت فيه حاليا حالات غرق المهاجرين الا ان الشاعر &كان ينظر الى جهة اخرى من الغرق فنصوصه تدور حول غرق الانسان في الحروب والألم ، ورأى أن يسميها بهذا الاسم لاسيما ان وقت كتابتها كان مابين 2014 و2015، وهاتان السنتان كانتا مثقلتان بالكثير من الشجون التي يندى لها جبين الشعر حزنا وقلقا :
(يتوهمُ الجنديُ في المعركة
أنهُ في البيت
وأن بندقيتَهُ التي يحملُها
هي ولدُهُ الصغير
وأن العربةَ التي يقودُها
هي سيارتُهُ التي اشتراها
ولم يسددْ أقساطَها بعد
يتوهمُ أنه ذاهبٌ الى رحلة
من أجلِ سماعِ مطربِه المحبوب
يتوهمُ أن مايسمعَه من رصاص
تحيةً له
ويتوهمُ أنهُ حي
رغمِ موتِهِ البعيد ..)
من نصوص المجموعة تفوح روائح كثيفة للحزن والالم والغربة تملأ الاجواء التي تحيط بالقاريء ، ففي النصوص كثير &من النداءات المؤلمة ، فيها شيء كثير على مجزرة سبايكر &وعن اصدقاء واحبة وعن الأم والغربة وشجون متراكمة لكنها تنسج نفسها من شؤون الانسان وما يختلج في دواخله من هموم كبيرة، يبوح الشاعر بها لانه يرى انه كان لصيقا بها ولا بد من التعبير عنها بسلاسة وتناغم له في نفس القاريء رجع الصدى .
النصوص ليست هادئة وان بدت على الورق او في القراءة هكذا ، انها ذات ايقاعات تنز وجعا ، مفعمة بالشفافية ومكتملة الموضوعية ، فتتم قراءتها بسهولة من دون ان تعرق الانسيابية كلمة طارئة او استثنائية او للضرورة الشعرية ، بل انه يجعل من نصه وحدة واحدة لا يمكن ان تكتمل المتعة الا بقراءتها كاملة ومن ثم التوقف قليلا للتأمل .
(أيّها الغريبُ الذي ملَّ الوقوفَ
على الابواب .ِ
أنا مثلَك أيضًا غريبٌ .
تعالَ نمضي .
هناك صَوْبَ الارضِ الوحيدةِ
الارضِ التي تنتظرُنا.
وبلهفةِ غريقٍ
نُمسكُ أطرافَ العتَمةِ
ونمضي بعيدًا..)
كثيرة هي المواقف الانسانية التي تضمها المجموعة مثلما هي كثيرة الصور الشعرية التي يلتقطها الشاعر من ايام حياته فيقدمها بالوان شتى تستغرق الخوض في حكايات عديدة مليئة بالاسى فيما هناك دمعة تنز ، وهي تحمل مشاعر ناضجة ترفرف في فضاءات الروح حيث لابد من النظر اليها بمشاعر تتواءم مع الايقاع الذي تنساق به الكلمات التي تحمل معناها مؤثرا :
(كلّ يومٍ أمضي
مع البشرِ الطيبين .
هناك أتفرقُ
قطعةً .. قطعة .
وحين يلمُّني السرير
ألتئمُ,
وأستقيم مثلَ عصا
كي أحسَّ بثقلِ الحياة ..)
&
بين النصوص يطل نص برأسه هنا او هناك تشعر به يبتسم وهو يقدم نفسه للقاريء ، وهو يحمل فكرة لطيفة وموسيقى مؤثرة ورنين يأخذ اللب ، يتهادى بهدوء على وجه الورقة :
&( دعِ الوردةَ تنامُ
&على خدِّ الطّفلِ
لا توقظْهَا بقُبلةٍ
لا تسْقِهَا بالماءِ
&أو تلمسْهَا
&اُتركْها هكذَا
وتصوّرْهَا صورةً على جدار .. )
&
وكأن الشاعر تعمد ان يضع القصيدة التي تحمل رقم ضحايا مجزرة سبايكر في اخر المجموعة ،لانه يريد للقاريء ان لا يطوي الكتاب بل ان تظل كلمات هذا الوجع ينزف ويظل الرقم علامة دالة على هذا الغياب القسري الحزين ،وهو هنا يشرح الصورة ويمنحها ابعادا مؤسفة تتمثل في ما خلفه الفقد في نفسه التي تستمع الى اصوات تلك العذابات ، ان الشاعر يرسم الصورة لا كما جاء في الاخبار بل ينسج لها مشاعره الذائبة&
(1700 رصاصةٍ أصبتُ بها
لكني لم أمتْ
وليس هناك دليلٌ على حياتي .
سوى أن أحدَهم أخبرني
قبل أن يصوبَ الرصاصةَ
التي تكملُ العدد
لقد صار لك
1700 أم
1700 أب
أمسى عندَك الكثيرُ
من الاخوةِ والاطفال
وصارَ لزامًا عليَّ
أن أعتنيَ بهم .
كلَّ يومٍ أجلسُ وحيدا
أستمعُ لاصواتِ النهرِ النادرة
إلى النبضِ الطافحِ
من عمقِ الارض
أستمعُ لاصواتٍ كثيرة
لكن الاخرينَ لم يسمعوا صوتي ..)