&

&جَلسَ على التلَّةِ القَريبة وهو يُعَاين بَلْدَته ويَستَعيدُ مَعَها ذكرياتهُ حَيثُ كَانَتْ أفواهٌ كثيرةٌ تَنتظرُ كالعادة مَواسِمَ الخَير.
&حينَ يحْلُّ مَوعِدَ الحصاد..
&تنضج السنابل..
&تَنحني بِرؤوسِهَا حتى تَكادُ أنّ تَلْمُسَ الأَرضْ.
&سَيِّدَ الوَطنْ ومَعَهُ عليَّة القوم كانوا يَقيمونَ& مَوائِدَهُمْ الضَخْمَة حَول الحُقول..
&يَمرحونْ..
يَحتفلونْ..
يأكلونَ حتى التُخْمة...
&يَحْتَسونَ كؤوساً عديدةً نَخَبَ تميٍّزهم عَنِ الرَعيّة..
يُدخّنونَ لَفافاتً غليظةً من تَبغِ السَعادة..
&ينفثونَ عُبابها في الهَواءِ الطَلْقْ ثُمَّ يَرمونَ بأعقابها و يَمتطونَ آلياتهمْ التي تُصدِرُ هَديراً قوياً...
&يُغادرونَ المكانْ مُفَعَّمِينَ بنَشوةِ النَصرْ... محمَّلِين بالغِلال... تاركين الحَقْلَ بما تبقّى مِنَ المَحْصول لعامة البَشَرْ إلّا في تلكَ السنةِ التي هَطلتْ فيها أمطارٌ كثيفةٌ و نَمتْ الثِمارُ في الرَبيعْ و تأمَّلَ خلق الله الخَيرَ الوفيرِ مِنْها مَعَ دُنُّوِ أوان القِطافْ... في تلك السنة تَركَ سيّد الوطن كلَّ شيء& في عُهدةِ أقزام& بِلُحَىً طَليقة يَسيرونْ باتجاه معاكس للريح, مخلِّفينَ زَوابِعا شَديدةً مِنَ الغُبار مِنْ خَلفِهمْ& لِتُعَكِّر صَفَاءَ الجو و تُلَّوِثُ نَقَاءَ الفَضَاءْ.

في تلك السنة و حينَ رَحلوا....
دَعَا كَبيرَ الأَقزام صُحْبَهُ للاجْتِماعْ...
&أَقزامَ العالم من كلِّ حَدْبٍ و صَوبْ حَضروا...
القَزْم الكَبيرْ لَبِسَ عَباءة أميرَ القَومْ, أشارَ إليهمْ بإيماءة سريعة إيذاناً بِجَمعِ ما تبقَّى من الغِلالْ.
&في مكانْ الحَفلْ قاموا بلَمْلَمَةِ نفايات تَبغْ العَظَمَة.... أشعلوها من جَديد... تنشَّقوا ملئ رئتيهم أنفاساً عميقةً مِنْ دُخَانِها حَتى أتوا على آخرِها تَبادلوا نَظراتً مليئةً بالخُبثْ... رموا أعقابَ سَجَائِرهمْ في الحَقلْ... غادروا المكانْ فيما ألسنةُ النيرانِ تَلْتَهِمُ بَقايا الزَرعِ الهَشْ... تَسيرُ بِسُرعة في الهَشيمْ و يرتفعُ اللهيبُ في السماءِ مِنْ وِرائِهمْ مُخلّفاً سُحُباً داكنةً من دخان أسود تلبَّدتْ في السماءِ القَريبِ و حَجَبَتْ النًورَ عَنْ تِلكَ البُقعةِ مِنَ الأرض إلى أجل غير مُسَمَّى.


... تَبَّاً... قالها بامتعاض و احساس عميق بالمَرارة& سَيطَر عَليهْ... لَيْسَ با الأمْرِ السَهْلِ أَنْ تكون إنساناً.
حَتَّى تَعبَ ملائِكة الخير استولوا عليهِ هَؤُلاءِ الأوغادْ و نَصَبوا أَنْفُسَهُمْ وكلاء للإِله, أَحسَّ بالشفقةِ على ذَلكَ المَلاكِ الذي كانَ يَسْمَعُ بِهِ منذُ نُعومةِ أظافرهِ بأنَّه يُحلِّقُ في عَلياءِ السماءِ حاملاً بيمينه سَوطاً طويلاً مِنَ النُور , يقترب ُمِنَ& الغُيوم الداكنة ,يرفعها& في الهواء ثُمَّ يهوي بِها على ظهرِ كُتَلِ السُحبِ الضَخْمة بضَرَبات قَوية موجعة, مُحدِثَةً صوتَ رعد يَصمّ الآذان, ثُمَّ يُعيدُ الكَرةَ فترتعدُ فَرائِسُ الغُيوم و تَصرخُ مذعنةً استسلامها وعجزها& على المتابعة فتبدأُ بالانكماشْ, تعتصرْ, تَتَحَوَّلُ إلى أمطار كثيفة.. تَهطلُ بشدة على الأرض الظمآنة التي تستقبلها بِشَغَفْ... تَملئ تَصَدُعاتها بالمياه فتَلتئمُ نُدوبَها و تَعودُ شُروخها التي تكاثَرَتْ تَحتَ وَطأةِ الجفاف إلى الالتحام ويَدْبُّ فيها الانْتِعاشْ... لتَنْبُتَ فيما بَعْدْ الثِماْر فَتَستَمِرُّ الحَياة.
نَهَضَ مِنَ مَكانِه.. حَوقَلَ ثلَاثَ مرات متتالية ثم قال مناجيا نفسه:
&لقد ضاعت البلدة...
ضاعت..
ضاعت.&

&ستوكهولم
2015-06-28
Farmaz_hussein@hotmail. com

&