في بداية حياته أراد أن يكون رجل إطفاء، ومن ثم مصارع ثيران، لكن، في يومٍ ما، رأى أن الفرشاة أقل خطورةً من العكازة.
&
لوحاته مليئة بمشاهد مصارعة الثيران، والشخصيات الضخمة، المفعمة بإنسيابية لا حدود لها. والأشياء القبيحة في عالمه ترتدي حُلّة جمالية، ومن ثمّ تتحول إلى شئ جميل.
وأما كولومبيا، فأنها تحتفل في كل يومٍ بصمتٍ وإمتنان، لفشل إبن شقيق خواكين في أن يتحول إلى مصارع ثيران في عام 1944، وذلك في مدرسة مصارعة الثيران لميدان (لا ماكارينا) في ميديلين.
وأن ذلك الصبي البالغ عمره 12 عاماً، كان فجأة قد تخلّى عن رغبته الأصلية في أن يكون من رجال الأطفاء، واضعاً نصب عينيه حلبة مصارعة الثيران بحثاً عن الشهرة، والمال، والخلود. وقد قام عمه، الذي كان وصياً عليه، بإلحاقه بميدان (لا ماكارينا)، ولكن كما تقول الأسطورة، أن الذي كان يطمح في أن يكون في يومٍ ما، لاعباً في ميدان مصارعة الثيران، نظر إلى عيون عجل بثبات، وقرر أنه من الأفضل، والأكثر شاعرية، والأقل خطورة، أن يرسم إندفاع الثور وقوته، وأن يتمكن من اللون، وأن يجسّد كل تلك الإثارة التي تتخلل تلك المعارك داخل ميدان المصارعة على شطل رسومات، ومنحوتات .
وبعد أربع سنوات على ذلك، قفز إلى حلبته الحقيقية التي أرادها نهاية لرغبته، وإفتتح المعرض الأول في حياته في ميديلين، المدينة التي ولد فيها، وحلم، في يومٍ ما، أن يطفأ الحرائق، وينقذ الناس، ويصارع الثيران.&
وفرحة الكولومبيين لفشل بوتيرو في أن يكون مصارع ثيران، تتقاسمها أمريكا اللاتينية، وإسبانيا والعالم أجمعه، كون الأعمال التشكيلية التي أنجزها فنان الميديلين إجتازت كل الحدود، وأضحت اليوم شأناً عالمياً. وراحت تزرع لوحاته، ورسوماته، ومنحوتاته، الدهشة في كل بقعة من هذا الكون.
عندما عرض أعماله الفنية البالغة 175، والتي تراوحت ما بين لوحات ورسومات، كان قدأنجزها على مدى أكثر من 50 عاماً، عن عالم مصارعة الثيران، قال بوتيرو أن هذه الأعمال ولدت بسبب من الحب العميق الذي يكنه لهذه اللعبة.
وأكد أن مصارعة الثيران تجعل الحياة أسهل للرسام، لأنها "واحدة من النشاطات التي، بحدّ ذاتها، تزدان فعلاً بالألوان، من حيث الزي المطرز الذي يرتديه مصارع الثيران، والرمال، والحواجز، والجمهور. كل ذلك يشكل مادة رائعة، تمنح اللوحة المزيد من الشاعرية". وتنطوي هذه اللعبة أيضاً على الدراما التي تعطي أبعاداً أخرى للعمل الفني، وذلك حسب رأي الفنان.
والكولومبي فيرناندو بوتيرو فنان ملتزم بحياة معاصريه، وبأصالة الفن في كل الأزمنة، وذاع صيته عالياً، عقب رحلاته إلى أغلب بلدان أوروبا، ومحطاته البارزة في المكسيك والولايات المتحدة، بسبب من أعماله المتميزة بشخوصها البدينة وأجسادها الضخمة المتناسقة، سواء أكانت من خلال لوحاته أم منحوتاته. أن الكائنات البشرية، والحيوانات، وكل ما يخضع لريشة بوتيرو، يتمّ تصميمها عبر منظار جمالي مثير، بالنسبة للبدانة، والضخامة، والسمنة، التي كانت قد هزّت أحاسيس الشاعر خوسيه ليزاما ليما، الذي عاش وتوفي مقتنعاً &من أن الكمال الوحيد والممكن تجسّد في الصفر بإستدارته الكاملة، لأنه تصوّر بصري للمطلق.
&
يجسّد بوتيرو شخوصه من خلال رسم أشكال قبيحة ومشوهة، إذا ما نظرنا إليها بالصورة الطبيعية والتقليدية. وما يحدث أن مهمة الفنان وإمكاناته التقنية، وإحساسه، تمنح أعماله هذه شكلاً جمالياً مختلفاً وجديداً، مستعيناً في عملية تنفيذ نقد المجتمع بسكاكين كبيرة، ومشارط رهيبة.
أن أولئك الذين يعرفون التأثيرات، وتلك التفاصيل التي تلاحق الفنانين، يقولون أن الفنان الكولومبي لديه الكثير مما يربطه بفن الرسم الإستعماري والشعبي الذي ظهر في بلده إبان القرن التاسع عشر، مع إيطاليا، والفنانين الجداريين المكسيكيين، ومع أهم الرسامين لفن الباروك الإسباني، ولا سيما مع غويا.
وعلى الرغم من أنه عاش معظم حياته ولا يزال يعيش بعيداً عن موطنه الأصلي، إلاّ أن بوتيرو يعتبر نفسه "الأكثر كولومبياً من بين الكولومبيين الرسامين". غير أن موطنه الأصلي وأميركا اللاتينية كانت دائماً حاضرة في ذاكرته وأعماله. وأن جوهر الحياة في كولومبيا ومدنها نراها متجسدة في أي عمل ينجزه هذا الفنان، سواء أكان في لوحاته، أو أعماله البرونزية، أو الرخامية. وبصماته هذه تطلّ في وفياته الطبيعية، ورؤيته للسيرك، والدين، والإثارة.
والفنان فيرناندو بوتيرو يواكب سحر العجائب اليومية، وفكرة الإبداع التي ترى في أن مصدر الإلهام يجب إقتناصه من وقتٍ مبكرٍ جداً. ويرفض إخفاء السحري، والغريزة، والعظمة في كولومبيا، ضمن الواقعية السحرية. لأنه يرغب في أن ينطلق حراً في أرجوحته، من دون أن تعيقه أرجوحة أخرى، مع الراقصات البدينات اللاتي يخرجن عن الإيقاع، والخيول التي لا تسعها اللوحات، ولا تعثر على الفرسان القادرين على ركوبها.
وفيرناندو بوتيرو هو القائل "الواقعية السحرية، كلا بالتأكيد، لأنه في أعمالي لا وجود للسحرية. أنني أرسم الأشياء غير المحتملة، ولكنها ليست مستحيلة. وفي لوحاتي لا أحد يحلق عالياً ، ولا توجد أشياء غير واقعية. والفن يحمل معه معنى التضخيم دائماً ، إن كان في اللون، أوالشكل، وحتى في الثيمة. لقد كان الفن دائماً هكذا". & & &
&