إيلاف من بغداد: في خضمّ بحث عربي عن هوية فنية معاصرة، انبثقت في السبعينيات فكرة معرض فني يجسد هذا التطلّع، فكان معرضُ السنتين العربي الذي انطلق من بغداد عام 1974.

ويوافق اليوم الذكرى الخمسين للبينالي العربي الأول في بغداد، ومن هذه الذكرى تلقي "إيلاف" الضوء على بدايات حركة الفن التشكيلي في المنطقة، في محاولة لفهم تأثير هذا الحدث التاريخي على الساحة الفنية العربية.

شهدت فترة السبعينيات من خلال تنظيم المؤتمرات والمعارض والمبادرات الفنية، جهوداً جادة لبناء هوية فنية عربية معاصرة ولتعزيز التواصل والتبادل الثقافي بين الدول العربية.

مؤتمر ثقافي
في تشرين الأول (أكتوبر) 1971، عقدت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (اليكسو) مؤتمر "الأصالة والتجديد في الثقافة العربية المعاصرة" في القاهرة، وتلاه في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه مؤتمر الفنون الجميلة العربية الأول في دمشق، حيثُ ناقش الفنانون العرب واقعَ الفنّ التشكيليّ العربيّ في كل قطر عربي وموقعه من حضارة القرن العشرين ومن الحضارة العربية المعاصرة.

كما ناقش المؤتمر واقع الفنان العربي لناحية حقوقه والتزاماته، وتم طرح مشروع تأسيس "اتحاد الفنانين التشكيليين العرب". وهكذا كانت بداية تشكيل الاتحاد، حيث اختير الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط أمينًا عامًا له.

ولادة فكرة
وفي نيسان (أبريل) 1972، أُقيم مهرجان الواسطي في بغداد، ودعي آنذاك العديد من الفنانين العرب لزياره المهرجان، ما شكّل فرصةً للتواصل وتبادل الأفكار بين الفنانين العرب، وأثمرت اللقاءات عن ولادة فكرة إقامة معارض فنية عربية دورية، يُقامُ أوّلُها في بغداد، على أن تليه بقية الأقطار العربية.


قسم الأعمال الفنية العراقية في معرض النستين العربي الأول في بغداد 1974

مؤتمر تأسيسي
بعد هذا المهرجان مباشرة، أي في كانون الأول (ديسمبر) 1972، أقامت دمشق المهرجان العربي الأول، وكان محوره الحديث عن الفن القومي. كما اهتم المتحدثون في إبراز قضية الأصالة والتراث. ولم يشارك فنانوا العراق بأعمال فنية في المهرجان.

وخلال المؤتمر الأوّل للاتحاد العام للفنانين التشكيليين العربِ في بغداد في نيسان (أبريل) 1973، تمّ إقرارُ مشروع "معرض السنتين العربيّ"، الذي تقدم به العراق بعد مناقشته ووضع له نظاماً.

كان "معرض السنتين العربي" يهدف لاستعراض مختلف الاتجاهات الفنية العربية المعاصرة التي تستلهم التراث العربي والتطور الحضاري في العالم، لإيجاد صورة مثلى للتفاعل الفني بين الأعمال الفنية العربية، بهدف تحقيق شخصية فنية عربية واضحة في خضم التيارات الفنية العالمية. كما كان يطمح إلى تكوين مناخ ملائم لتوثيق الروابط الفنية والاجتماعية بين الفنانين العرب بغية تحقيق فن عربي معاصر.


بينالي بغداد 1974: قسم الأعمال الفنية الكويتية

البينالي العربي الأوّل
وبعد تأجيل، انطلق في آذار (مارس) 1974 معرضُ السنتين العربيّ الأوّل في بغداد، بأكثر من 600 عمل فني، وبمشاركة العراق والمغرب والجزائر وتونس وفلسطين ولبنان ومصر والكويت واليمن الديمقراطية وسوريا، بالإضافة إلى فنانين من السعودية والأردن وقطر والسودان.

مُساهمة عراقية بارزة
قدّم العراق مساهمات كبيرة لضمان نجاح هذا الحدث، فتكفل بتمويل استضافة الوفود المشاركة من الفنانين والنقاد والصحافيين، وغطى تكاليف شحن وتأمين الأعمال لضمان سلامتها، كما تكفل بطباعة البوسترات الإعلانية والمطبوعات الدورية ذات الصلة وبينها دليل الفنانين العراقيين الذي نشر عام 1974، وأشرف عليه الفنان جميل حمودي، إلى جانب دليل معرض السنتين العربي الاول الذي استعرض صور الأعمال العربية المشاركة باستثناء صور أعمال الفنانين من تونس وفلسطين ولبنان ومصر، التي تأخرت جداً عن الموعد النهائي لاستلام الأعمال الفنية، فجاء دليل الفنانين متضمناً أسماء الفنانين المشاركين وأعداد وعناوين أعمالهم لكن من دون نشر صور هذه الأعمال. وفي حينها، غابت أسماء وأعمال فنانين من الأردن وليبيا والسعودية وسوريا.

تخليد لذكرى تاريخية
وعلق الاتحاد العام للفنانين العرب على الحدث بالقول إنه "يحق لنا كفنانين تشكيليين عرب أن نفخر ونعتز بأن اتحادنا هذا الذي لم يتجاوز عمره السنتين وبضعة أشهر نجح بانجاز أشياء كثيرة كانت أحلاما وتحققت، ونقدر للعراق الذي قدم لنا المساعدات اللامحدودة، والتي مكنتنا من تحويل الحلم الى حقيقة موجودة فرضت نفسها بفضل ارادتكم، إرادة الفنانين التشكيليين العرب الذين تجاوبوا مع الفكرة".

وشكّل البينالي العربي الأول إنجازا هاما بالنسبة إلى الحركة الفنية العربية، وبات رمزاً للوحدة العربية والتطلّع إلى المستقبل.