محمد السويسي

إن الأزمة المالية لشركة دبي العالمية بفرعيها quot;نخيلquot; و quot;ليمتلسquot; كانت أمراً متوقعاً لامفرمنه لكل مراقب للتوظيفات المالية وتحركها. وإن كانت الأزمة المالية العالمية قد سرّعت في بت مصيرها إلا أنها كانت تسير إلى تلك الهاوية عاجلاً أم آجلاً. والسبب في ذلك يعود إلى أنها كانت تعتمد إقتصاد الفقاعات العقاري الوهمي وفقاً لمردوده الذي كان يستظل بالفوضى المالية العالمية التي أعقبت عقوبات الأمم المتحدة على العراق في مايعرف بquot;النفط مقابل الغذاءquot; زاد من فوضاها الإحتلال الأمريكي لبغداد لتفوح رائحة الفساد المالي في الفضاء الأمريكي وتنشر رذاذها في العالم أجمع بانفجار الأزمة المالية بحيث كانت الأكثر تضرراً منها لانطلاقها من عندها لأسباب بات يعرفها الجميع.

أما لماذا كان هذا المصير متوقعاً بالنسبة quot; لدبي العالمية quot; فالوضع الحالي لايحتاج إلى الكثير من التحليل أو الشرح مع توجهات شركة quot;نخيلquot; في توظيفاتها المالية إلى quot;تبليط البحرquot; لمشروع عقاري ضخم بما يبعث على الدهشة والإستغراب لعدم جاذبيته مقارنة فيما لو تم بناؤه وسط الصحراء في جنة خضراء يغلب عليها شجر النخيل لأضحى معلماً سياحياً مستديماً جاذباً يخلب الألباب لانسجامه مع طبيعة الصحراء وامتدادها بما يطمح إليه كل إنسان وبالتالي توفير المليارات من الدولارات.

أما بناؤه في المحيط المالح فإنه أمر متاح لدى بلاد الغرب وآسيا بأجمل مما لدينا،لأن الجزر الطبيعية متوفرة لديهم بالآلآف معظمها لازالت عذراء.

أما سبب إقبال بعض الغربيين لشراء منزل في مشروع quot;النخيلquot; فليس إعجاباً به أو انبهاراً لشىء مميز يفتقرون إليه ، بل طمعاً في التواجد في الخليج للإستفادة من المشاريع الباهظة المتواترة لدى quot;دبي العالمية quot; ومثيلاتها من أبراج وفقاعات عقارية بشكل متسارع بأضعاف أضعاف كلفتها الحقيقية مع إستعجالهم في تحقيقها بما لاضرورة له ، كالفريسة التي تفوح رائحتها ، كما جاذبية المال السائب ، فتسارع الطيور والوحوش الكاسرة المفترسة للتقاتل على حصتها أو وجبتها في سباق مع الوقت قبل أن تختفي الفريسة من كثرة التناتش، بما يشبه التقاتل على قصعة طعام من جشعين أو جائعين.

وبذلك استطاعت quot; نخيل quot; أن تبيع معظم مشروعها لأجانب استهواهم السخاء المالي اللامحدود مع استيراد quot;نخيلquot; سفن الرمال والحجارة والصخور من أقاصى الأرض بعشرات الملايين من الدولارات إن لم يكن بالمئات لتدفن في مياه المحيط بما يفتح شهية الغربيين وشراهتهم بأن فرصة العمر لجمع الأموال التي تهدر كهدر الرمال في البحر قد أتيحت بما قد لايعوض، مع مغالاتهم في الإسفاف بالمديح الكاذب والنفاق لمشروع النخيل والقائمين عليه أثناء بنائه ومدى عظمته وأهميته بما يشبه السخرية، مما يبعث على الحزن والأسى مع عدم ادراكنا لكيفية إدارة أموالنا بما يتلائم ومحيطنا وقدراتنا وطموحاتنا وحاجاتنا مع اعتمادنا على الأجنبي الذي يتعمد تضليلنا لمصالحه الخاصة، ومع ذلك نأخذ بنصائحه مبهورين به مع صم آذاننا عن نصائح الآخرين من بني جلدتنا، وبلاده في تراجع وتقهقر إقتصادي لايدرك حتى الآن كيفية الخروج منه مع بروز الصين كدولة صناعية كبرى منافسة له في عقر داره فيحاول تعويض عجزه المالي وخسائره بالغرف من الأموال العربية المباحة بكل الوسائل والطرق الإحتيالية واللاأخلاقية.

ونجد البرهان على ذلك مع مطالعة أهداف وخبرات المستشارين الأجانب الموظفين برواتب وتعويضات عالية مع عقم نصائحهم لدى شركة quot;ليمتلسquot; التي من مهماتهم quot;تطوير وعولمة محفظة دبي العالميةquot; و quot;التخطيط لمشاريع التطوير الحضري الكبرى quot; بالإضافة لنصائح الجدوى ؟ فأي خداع هذا وأي جدوى ؟ وقد أدخلت نصائحهم quot;دبي العالميةquot; لنفاقهم وتضليلهم في عجز مالي كبير بلغ حتى الآن 26 مليار دولار طلبت تأجيل سداده لمدة ستة أشهر والشروع في بيع بعض أصولها المالية ،هذا العجز الذي لم يتأت إلا نتيجة الأزمة المالية العالمية التي لجمت التضخم المالي بإجراءات وتدابير واقعية وعقلانية من الحكومة الأمريكية التي أصرت على quot;تعويمquot; الحالة المالية ، إن صح التعبير، أي ترك الأمور المالية تأخذ مجراها بحيث يخرج الضعيف ويبقى القادر على الإستمرار وهي عملية ذكية لأنها الطريقة الوحيدة للجم التضخم المالي والمحافظة على قوة النقد وحث المواطنين على الإنفاق مستقبلاً وإعادة إحياء المشاريع الصغرى والعائلية حتى لاتضيع أموالهم في البنوك المفلسة مع عدم ضمان الودائع إلا وفق حد أو نسبة معينة تبعاً للحالة.

حسن تصرف حكومة دبي :

رغم كل السلبيات التي أصابت quot;دبي العالمية quot; إلا أن حسن تصرف حكومة دبي جاء واعياً وعلى مستوى المسؤولية ، مستفيدة من التجربة الأمريكية في المعالجة دون شك ، والتي جاءت على لسان عبد الرحمن آل صالح ، المدير العام للدائرة المالية في حكومة دبي ، عندما أعلن بأن quot; دبي العالمية تأسست كشركة تجارية مستقلة وصحيح أن الحكومة هي المالك ولكن بحكم أن للشركة نشاطات متعددة ومعرضة لأنواع متعددة من المخاطر لذلك كان القرار منذ التأسيس أن الشركة غير مضمونة من الحكومة وبالتالي كان تعامل الشركة مع جميع الأطراف مبني على هذا الأساس quot; .. وبأن على المقرضين أن يتحملوا جزءاً من المسؤولية.

إن هذا التصريح يدل أن الحكومة مدركة لخطأ مغامرة quot;دبي العالميةquot; ومصرة على أخذ الموضوع بيديها لمعالجة الأمر بما يقتضي ، خاصة وأن أصول شركتي quot; نخيل quot; و quot;ليمتلس quot; بلغت محفظتهما العقارية نحو 110 مليارات دولار.

إن مشروع quot;نخيلquot; البحري وإن كان قد بيع معظمه إلا أنه لم يتم تسديد كامل ثمنه من المشترين لإحجامهم وامتناعهم عن تسديد باقي ديونهم إثر الأزمة العالمية وبالتالي تحملت حكومة دبي كامل نفقاته مما أوقع المشروع في هذا العجز الكبير مع إنخفاض قيم أصوله بنسبة 50 بالمئة في بعض الحالات وتوقع بعض المحللين تراجعاً آخر بنسبة 30 بالمئة.

يؤمل من حكومة دبي ألا تستجيب للمحاولات الغربية بضرورة إمداد quot;نخيلquot; بالمال لتعويمها لأن القصد من ذلك إعادة عقارات المشروع إلى أثمانها الأولى ورفع أسهمها ليتاح لمالكيها من الغربيين التخلص منها ببيعها ومن ثم الخروج من المشروع نهائياً وبالتالي تضاعف الضرر على الخزينة الحكومية ، لذا كان من الضروري ترك الأمر يأخذ مجراه بما فيه من مصلحة إقتصادية ومالية للدولة والشعب ، فعلى المساهم كشريك أن يتحمل الخسارة نتيجة قراره كما الربح فيما لو نجح المشروع.

كما يؤمل أن تصحح حكومة دبي مسيرتها الإقتصادية في توظيفات مستديمة صناعية وزراعية وتجارية إن في الخليج أو في البلدان العربية ، ولكن من الأفضل أن تنطلق أولاً من بناء قطاع مالي مصرفي متين يمتد للبلدان العربية ، مع تحقيق كافة التأمينات الإجتماعية والصحية ودفع تعويضات البطالة لمواطنيها ذكوراً وإناثاً بأفضل مما عليه في البلدان الغربية لأنها المدخل الأساسي نحو النجاح الإقتصادي بما يتوفر من سيولة بأيدي المواطنين مع بعث الإستقرار وإرساء الأمن الإجتماعي ، إذ ليس من المقبول أن يكون حجم التوظيفات العقارية والسياحية بمئات المليارات بينما لاتزيد حجم الإستثمارات في المنشآت الصناعية عن 3،2 مليار درهم للعام الحالي ، فمجال الصناعة واسع جداً ومتنوع ومتاح وهو الطريقة المثلى للنهوض الإقتصادي والتقدم بالبلاد والقضاء على البطالة.

والإعتماد على السياحة وفقاً للحالة السائدة حالياً إنما هي شأن مؤقت لن يدوم مع إعادة حكومة دبي النظر في توظيفاتها المالية ، بحيث توقف التبذير ومما لاطائل منه وقد خاضت تجربة مشاريع quot;دبي العالميةquot; العقارية الخاسرة التي هي أشبه بمن يرمي بسائل الصابون على دفعات من وعاء يحمله في بركة ماء جارية ليثير كتلة من الفقاعات يحافظ على استمرارها فرحاً ببريقها مع رمي المزيد من السائل بشكل متسارع وبالتالي المزيد من الزبد ولكن ماإن ينتهي محتوى الوعاء حتى تختفي الرغوة وتعود المياه إلى الإستكانة والركود.

وهكذا الحال كان مع quot;دبي العالمية quot; مع هدرها المال دون جدوى في بناء عقارات النخيل التي لولا رفدها بالمال الحكومي المتواصل دون انقطاع لما استطاعت إنجاز المشروع أو بيع شىء منه بدليل عجزها الحالي عن إكمال مشروع quot;جزرالجميرةquot; وإتمامه لعدم استيفاء ثمنه من زبائن مفترضين وعدم استعداد حكومة دبي للإستمرار في رفدها بالمال في بئر تبين أنها دون قعر لمشاريع لم تكن سوى فقاعات وللأسف.

ومع ذلك وبالرغم من سلبيات هذه النكسة فإن ماحدث كان لصالح مستقبل دبي وشعبها وللإمارات بشكل عام لتكون درساً وعبرة وحافزاً في اتخاذ الخطوات المتأنية المجدية النافعة والتي لايمكن أن تستقيم إلا بالإستغناء تدريجاً عن خدمات المستشارين الغربيين لارتفاع أجورهم التي لاتتوازى وخدماتهم الفاشلة وعدم جدواها بالتجربة والبرهان والذين يتحملون المسؤولية الكبرى في التضليل بشأن مشاريع quot;دبي العالمية quot; وإقناعها بضرورة تأسيس شركة quot;ليمتلسquot; لترويج وبيع كامل مشاريع النخيل والجميرة مما أدى إلى المزيد من الإنفاق والإرهاق المالي ليتبين مدى مخادعتهم مع عدم مقدرتهم على تنفيذ وعودهم ووقوع شركة quot;دبي العالمية quot; في العجز الحالي.