رغم مرور ثمانية أشهر على اندلاع الثورة المصرية، إلا أن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للمصريين في تدهور مستمر، ما دعا الكثيرين إلى تحميل تلك الثورة المسؤولية عن هذا التدهور، فيما يقف آخرون مدافعين عنها، ومؤكدين أن لا دخل لها بالمشاكل الإقتصادية والإجتماعية والفراغ الأمني الشائع في البلاد. وبين هؤلاء وهؤلاء تقف الغالبية العظمى من العامة والبسطاء حائرين، لا يدرون أي الجانبين يصدقون.


القاهرة: يؤكد خبراء اقتصاديون أن أداء الاقتصاد المصري بعد ثورة 25 يناير جاء أفضل من المتوقع، مشيرين إلى أنه استطاع التحرر من الاحتكار وإيقاف نزيف نحو 8.5 مليارات دولار سنوياً بسبب الفساد، فضلاً عن تعيين 2 مليون عامل في الدولة.

ويقول الدكتور فاروق العشر الخبير الاقتصادي لـquot;إيلافquot; إن الاقتصاد المصري قبل 25 يناير وصل إلى مرحلة الإنهيار في الموازنة العامة أو العجز التجاري في ميزان المدفوعات، فكانت مؤشرات النمو ضعيفة للغاية، ويكفي أنه قضي على الفساد الذي بلغ إجمالي الأموال المهدرة بسببه، وفقا لإحصائيات البنك الدولي 8.5 مليارات جنيه.

مشيرًا إلى وجود خسائر في الاقتصاد المصري بعد الثورة، ولكن ليس بسببها أوبسبب الانفلات الأمني والوقفات الاحتجاجية، وتمثلت هذه الخسائر في قطاع البورصة المصرية أسبوعياً منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، وصلت إلى 65 مليار جنيه، وإن كان بعض الاقتصاديين يرونها ليست خسائر حقيقية، وإنما خسائر سوقية من الممكن استعادتها فى مرحلة الاستقرار في ما بعد، مع التأكيد على أنها خسائر لفئة بعينها ومكاسب لفئة أخرى، وليست لغالبية الشعب.

وأضاف العشري أن هناك خسائر اقتصادية كبيرة لحقت ببعض الشركات نتيجة توقف الإنتاج أثناء الثورة، وهي المرحلة التي حدث فيها ارتباك البنوك، ما تسبب بعدم وجود سيولة ماديةلشراء الخامات أو التصدير في الوقت الذي طالبت فيه الجهات الموردة في أميركا وأوروبا بدفع فاتورة هذه الواردات نقدًا. لافتاً إلى أن قطاع السياحة في مصر هو أكثر القطاعات تأثرًا بعد الثورة،وبلغت الخسائر حوالي 8 مليارات جنيه.

وأشار إلى نقطة مهمة هي أن الذي يخيف المهتمين بالشأن الاقتصادي في مصر أن هناك حالة من عدم وضوح الرؤية أمام المستثمر الأجنبي، وهي حالة تجعلهم ينتظرون ويترقبون ما سيحدث في مصر على خلفية المحاكمات التي طالت رموز النظام ورجال أعماله، وما سيترتب على تلك المحاكمات من قوانين تشريعية تساعد على زيادة الاستثمار في مصر.

ونبه العشري إلى أن الثورة إذا نجحت فى تقديم نموذج للمحاكمات العادلة مع مبارك ونجليه ورموز نظامه فسوف تعيد الأموال المنهوبة مرة أخرى إلى الدولة، ما قد يكونبديلاً من الأموال التي خسرتها مصر بعد الثورة، مضيفاً أن الأمر الآخر الذي يجب أن ننظر إليه هو نجاح الثورة في وقف استنزاف الأموال المنهوبة من قبل النظام السابق، والذي قدر بضعف ميزانية الدولة.

كمايرى الدكتور إبراهيم المزلاوي عضو المجالس القومية المتخصصة أن الثورة المصرية كانت وجه الخير على الاقتصاد المصري، وعلى غير المتوقع تمامًا من انهيار الاقتصاد وإعلان الإفلاس، فإن ما حدث كان تباطؤًا وهذا أمر طبيعي.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أنه للمرة الأولى نجد الاقتصاد حرًا،ويكفي قضاء الثورة على احتكار السوق، الذي كان سببًا مباشرًا في طرد المستثمر مثلما فعل أحمد عز في احتكاره سوق الحديد بنسبة تجاوزت الـ60%.

ويعتبر المزلاوي أن ما يشهده الاقتصاد من تراجع في الواردات نتيجة توقف عجلة الإنتاج فإن هذا أمر مؤقت، وكنا ننتظر أن يأخذ هذا الأمر وقتًا كبيرًا، لكن هذا لم يحدث، متوقعًا انتعاشة كبيرة للاقتصاد قريبًا في ظل الشفافية والحرية،ما يزيد من فرص الاستثمار الأجنبي وفتح أسواق جديدة.

ودعا المزلاويالحكومة إلى سرعة إصدار مجموعة من التشريعات الاقتصادية التي تساعد على جذب المستثمر الأجنبي والعربي والمصري بعيدًا عن الروتين الذي كان طاردًا لهم في عهد النظام البائد، والذي ترك البلاد من دون وجود قواعد اقتصادية قوية، بل ترك مصر شبه مفلسة.

وأكد الدكتورحمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي ورئيس أكاديمية السادات السابق لـquot;إيلافquot; أن التداعيات التي لحقت بالاقتصاد المصري بعد الثورة كانت أقل من التوقعات مقارنة بأوضاع العديد من الدول التي حدثت فيها ثورات، مثل تونس التي تراجعمعدل الدخل القومي فيها.

وأوضح أن معدلات النمو بعد ثورة 25 يناير تراجعت إلى النصف تقريبًا، فيما كان التراجع قبلها بمقدار الثلث، وذلك رغم أن معدل النمو الصناعي والإنتاجي لمصر خلال فترة الثورة جاء quot;صفرquot; صاحبها تراجع حاد في الاحتياطي النقدي لقيام الحكومة بالسحب منه لسد الرواتب والزيادة في الأجور لمنع الوقفات الفئوية ولسد الحد الأدنى من الأجور لموظفي الدولة والبالغ عددهم 6 ملايين عامل.

وحسب وجهة نظر عبد العظيم، فإنه رغم تعطل عجلة الإنتاج والصناعة بعد الثورة إلا أنالاقتصاد المصري قد استطاع المقاومة،وتمكنت الدولة من زيادة الرواتب الى 200 %، وتثبيت أكثر من 2 مليون عامل في جهاز الدولة والقطاع العام، كما استطاع الاقتصاد سد الاحتياجات من الغذاء وتوفير الطاقة واستيراد المواد الأساسية من دون إحداث أزمة في السوق الداخلية، وهذا يحسب للحكومة حتى لو تم ذلك بسحب جزء من الاحتياطي النقدي في البنك المركزي المصري، فهذه الإجراءت لم تتخذها الحكومات المتعاقبة قبل ثورة 25 يناير، رغم الكاذبة بتحسن الاقتصاد المصري، إلا أن المواطن لم يشعر بأي مردود إيجابي لهذا التحسن طوال السنوات الماضية.

وانتقد عبد العظيمأرقام معدلات النمو التي كان يعلنها النظام السابق، والتي كانوا يرددون أنها تصل إلى 8 و 9 %، مشيرًا إلى أن معدلات النمو تلك كانت وهمية وغير حقيقية على أرض الواقع، حيث لم يتجاوز النمو الحقيقي نسبة 5%، مشيرًا إلى أن الاقتصاد المصري أظهر ضعفًا بعد الثورة نتيجة تأثر مصادره الأساسية بالانفلات الأمني والوقفات الفئوية والإضرابات عن العمل.

حيث تراجع عائد السياحة وقناة السويس، فوصل عدد السفن التي تمر بها في الأيام الأولى للثورة إلى عشرين سفينة في اليوم الواحد، بجانب انخفاض الاستثمارات الأجنبية.

ولفت عبد العظيم إلى تدهور أوضاع الصناعات التحويلية في مصر وتراجع دور القطاع الخاص، والذي يشكل نحو 60%من الناتج المحلي،وتحقيق خسائر كبيرة فضلاً عن أن معدلات النمو في ظل النظام السابق صاحبها إهدار فى الموارد الطبيعية كما إن النمو كان مصحوبًا بمديونية عالية ستظل تتحمل فاتورتها الأجيال المقبلة.

وأشار إلى أن سرعةمحاكمة رموز النظام السابق يعدّ من أهمإيجابياتالمرحلة الحالية، والتي ستكونعاملاً قويًا في تحسن الاقتصاد وتعافيهمن خلال تنمية الموارد البشرية وزيادة الاستثمار الخارجي وفتح أسواق عربية وأجنبية جديدة في مصر والدخول في مشروعات مشتركة تنموية.

وأكد الدكتور بهى الدين محمود استاذ الاقتصاد جامعة الأزهر لـquot;إيلافquot; أن الحكومة استطاعت تجنيب الاقتصاد المصري خطر الإفلاس والانهيار بعد الثورة،والذي كان منهارًا قبلها، ولكن تطورات الأحداث الداخلية وتوقف عجلة الإنتاج في القطاع الخاص والعام بسبب الإضرابات اليومية زاد من الحالة الضعيفة التي كان عليها الاقتصاد قبل الثورة.

ولكن الحكومة اتخذت إجراءات حدت من المزيد من الانهيار فيالاقتصاد المصري. ويرى محمود أن الاقتصاد المصرييمر في المرحلة الحالية بحالة من الضعف تتمثل في انخفاض الطاقات الإنتاجية المستغلة وارتفاع معدل البطالة إلى أعلى من 12% بعدما كان أقل من 9%، وزيادة عدد الإفلاسات وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقدر بنحو 2%، في حين أنه قبل الثورةكان 4% سنويًا.

واعتبر أن هذا لن يأخذ وقتًا طويلاً، وسيعود إلى التحسن في ظل الإجراءات والقوانين المنتظر اتخاذها في الفترة المقبلة، والتي من بينها تسهيل الإجراءات أمام المستثمر الأجنبي والعربي والمصري وتحسين أحوال القطاع العام والحكومي، بما يشجع العامل على الإنتاج.