أحتلت كل من جمهورية التشيك وليتوانيا ورومانيا مراكز متقدمة في تقرير السعادة العالمي لهذا العام، كما حصلت على علامات عالية بالأخص في معايير سعادة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً.

ولم يكن مفاجئاً رؤية الدول الإسكندنافية مثل فنلندا والدنمارك وأيسلندا والسويد هي تستمر في صدارة القائمة، منذ التقرير السنوي الذي صدر في آذار (مارس) 2014، لكن الجديد في النتيجة هو صعود مجموعة جديدة من البلدان في التصنيف بشكل ثابت.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تفوقت دول وسط وشرق أوروبا على بعض جيرانها في أوروبا الغربية في السعادة الإجمالية وفقا للمسح. وللمرة الأولى، اخترقت جمهورية التشيك وليتوانيا المراكز العشرين الأولى هذا العام، حيث احتلتا المركزين الثامن عشر والتاسع عشر على التوالي، بينما تقترب سلوفينيا من المركز الحادي والعشرين، فيما احتلت المملكة المتحدة المركز العشرين، وألمانيا في المركز الرابع والعشرين، وأسبانيا في المركز السادس والثلاثين وإيطاليا في المركز الواحد والأربعين.

والأمر المثير للاهتمام بشكل خاص هو أنه في العديد من هذه البلدان، يُعزى هذا الارتفاع بشكل مباشر إلى السعادة المتزايدة للسكان الأصغر سنًا، وفي الواقع، تحتل ليتوانيا المرتبة الأولى في تقرير سعادة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، كما حصلت صربيا على المرتبة الثالثة، ورومانيا على المرتبة الثامنة، وجمهورية التشيك احتلت المرتبة العاشرة، وسلوفينيا استحوذت على المرتبة الخامسة عشر.

لكن هذه النتائج هي غير مفاجئة للسكان والزائرين الدائمين إلى المنطقة، إذ يقول مؤلف كتاب "أرخص الوجهات في العالم" تيم ليفيل إن "هناك المزيد من الوظائف اللائقة في داخل هذه البلدان،، لذلك لا ينتقل الشباب إلى مكان آخر في أوروبا للعمل". ويصف ليفيل اختلاف وتنوع الفئات العمرية في تلك الدول، قائلا: "في المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى رومانيا وبلغاريا قبل عقد من الزمن، كانت بعض القرى مليئة بالمسنين فقط، والآن ترى الكثير من التنوع في أعمار المقيمين، وعندما يتواجد المزيد من الشباب، فإن ذلك يجعل الجميع يشعرون بمزيد من الأمل بشأن المستقبل".

ومع الارتفاع الحاد الذي سجله نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يشعر العديد من سكان أوروبا الوسطى والشرقية الآن بأن لديهم فرصة متساوية في الحصول على السعادة، وهو مؤشر إجمالي مهم للرفاهية، إذ أن عدم المساواة في الرفاهية له تأثير أكبر على السعادة الإجمالية من عدم المساواة في الدخل.

وبعيداً عن النمو الاقتصادي، تستثمر هذه البلدان أيضاً في البنية الأساسية، وتعزز المشاهد الثقافية النابضة بالحياة وتستفيد من جمالها الطبيعي المذهل، منها على سبيل المثال الكثبان الرملية التي يشكلها البحر في منطقة كورونيان سبيت الممتدة بين ليتوانيا وروسيا إلى جبال الكاربات ذات التنوع البيولوجي في رومانيا، هذه المناظر الجميلة تزيد من الشعور بالتفاؤل والمتعة بين السكان المحليين.

ولفهم هذه السعادة الحديثة بشكل أفضل، تحدثنا إلى المقيمين والمسافرين الجدد حول تجاربهم في بعض هذه البلدان، والأماكن التي يمكن للزوار الاستمتاع فيها وعيش تجارب مميزة فيها.

ليتوانيا

كل أربع سنوات، يجمع مهرجان الأغنية الليتوانية الليتوانيين معًا للاحتفال بهويتهم الوطنية
Getty Images
كل أربع سنوات، يجمع مهرجان الأغنية الليتوانية المواطنين معًا للاحتفال بهويتهم الوطنية

احتلت ليتوانيا المرتبة التاسعة عشر في المؤشر بشكل عام والأعلى بالنسبة للمقيمين الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، وقد شهدت تحسينات ملحوظة في جودة الحياة خلال العقود الأخيرة، وفقًا لما ذكره السكان.

وقال يورجا روبينوفايت، وهو شخص ليتواني و المؤسس والرئيس التنفيذي لمدونة السفر Full Suitcase: "معظم الناس في ليتوانيا، وخاصة الأجيال الشابة، يشعرون بالسعادة حقًا، على الرغم من الحرب في أوكرانيا والحديث المستمر في الأخبار عن الاحتمال المتزايد لامتداد الحرب إلى دول البلطيق، يبدو أن الناس يستمتعون بالحياة ويقدرونها كما لم يحدث من قبل".

ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الناس أصبحوا أحرارًا في الدراسة والعمل والسفر منذ عام 1990، عندما استعادت ليتوانيا استقلالها عن الاتحاد السوفيتي. ويضيف روبينوفايت: "تقول أمي في كثير من الأحيان إن حياتها لم تك جيدة كما هي حياتي الآن، لم تشهد الأجيال الشابة أبدًا ما كانت عليه الحياة قبل أن تستعيد ليتوانيا استقلالها، لكن جميع الشباب يعرفون القصص من آبائهم وأجدادهم، وأعتقد أن هذا أحد الأسباب التي تجعل الناس أكثر سعادة الآن لأنهم يقدرون ما لديهم أكثر من أي وقت مضى".

ويؤخذ في عين الاعتبار سياسات الأمومة والأبوة التي يتم اتباعها في البلاد، إذ تعدّ الاجازات الخاصة بهذا الشأن، من أطول الاجازات في العالم، وتصل إلى 126 يومًا مدفوعة الأجر للأمهات و30 يومًا للآباء، إلى جانب وجود شبكات عائلية كبيرة للمساعدة في رعاية الأطفال.

وتجد المقيمة رامينتا ليلايت- سبالبي السعادة في المشهد الثقافي النابض بالحياة في فيلنيوس، عاصمة البلاد. إذ تحب بشكل خاص، فكرة قربها من الطبيعة والروح الاجتماعية وفرص التعبير الإبداعية، إلى جانب فرص المتاحة للتطور والنمو على المستوى الشخصي.

وتشير ليلايت- سبالبي إلى أحداث ثقافية مهمة مثل مهرجان الأغنية الليتوانية، وهو حدث مدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي ويُحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسه في شهري حزيران (يونيو)، وتموز (يوليو) المقبلين. وأوضحت: "إنها فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل أربع سنوات لمشاهدة حفل موسيقي ضخم يضم مئات الجوقات وآلاف الأشخاص الذين يغنون في وقت واحد على مسرح ضخم في الهواء الطلق، ويحمل المهرجان أهمية كبيرة بالنسبة لنا جميعًا نظرًا لدوره في الحفاظ على الهوية الوطنية لليتوانيا خلال فترة الاحتلال السوفيتي، ولهذا أطلق عليه اسم (الثورة الغنائية)".

كما يوفر قرب البلاد من الطبيعة طريقًا لتحقيق السعادة، إذ أن هناك توازناً بين العمل والاستمتاع بالحياة. يقول روبينوفايت: "الليتوانيون يحبون الهواء الطلق، إنهم يغتنمون كل فرصة تتاح لهم لمغادرة المدينة والاستمتاع بالغابات والبحيرات وشاطئ البحر الجميل".

في حين توصي ليلايت- سبالبي الزائرين بأخذ مسارات المشي لمسافات طويلة بالقرب من فيلنيوس، مثل أحد المسارات السياحية في المدينة بالقرب من منتزة "Strėva Green Trail" وقالت: "تلة الينابيع فيها جداول مياه لا تتجمد حتى في الشتاء، وتحتوي على بساتين الفاكهة الليتوانية". وتشير أيضًا إلى مسار كارمازيناي الطبيعي، وهو موقع رائع للطقوس الوثنية ويحتوي على مقابر قديمة.

رومانيا

شهدت رومانيا واحدة من أكبر القفزات في السعادة على مستوى العالم خلال العقد الماضي
Getty Images
شهدت رومانيا واحدة من أكبر القفزات على مؤشر السعادة على مستوى العالم خلال العقد الماضي

على الرغم من أنها احتلت المرتبة 32 فقط، إلا أن رومانيا شهدت واحدة من أكبر القفزات في العالم في ترتيب السعادة خلال العقد الماضي، حيث كانت في المرتبة 90 في تقرير السعادة العالمي لعام 2013، ومرة أخرى، كان الدافع وراء هذا التقدم في المقام الأول هو الشباب، الذين وضعوا البلاد في المرتبة الثامنة بالنسبة للمشاركين الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا.

ويعزو بعض الخبراء هذا التفاؤل إلى زيادة الشعور بالحرية والفرص المتاحة، إذ أن بلغاريا ورومانيا أصبحتا في مارس/آذار الماضي أحدث الدول الأعضاء التي تنضم إلى منطقة شنغن في الاتحاد الأوروبي، والتي تضمن حرية الحركة للمواطنين والزوار دون مراقبة على الحدود. وشهدت رومانيا أيضًا استثمارات كبيرة في البنية التحتية، ما أدى إلى تحسين نوعية الحياة للمقيمين والمسافرين على حدٍ سواء.

وقال دانييل هيرزبيرج، مؤسس مواقع Travel Insighter وهو أحد المواقع المتخصصة بالمعلومات السياحية إن "الطرق السريعة الرئيسية وكل البلدات الصغيرة التي يمكن زيارتها، مثل تارجو موريس، كلها لا تزال قيد الإنشاء". ومع ميزانية البنية التحتية المعتمدة البالغة 17 مليار يورو للفترة 2021-2027، تنفذ رومانيا التحسينات بشكل منهجي، بما في ذلك بناء 1700 كيلومتر من الطرق السريعة، وكل ذلك بوتيرة أسرع بكثير مما كان متوقعا في الأصل.

ولكن حتى في خضم التحسينات الحديثة، لا تزال التقاليد هي أحد عوامل جذب السكان المحليين والمسافرين.

تقول سيدة مقيمة في رومانيا واسمها ألكسندرا نيما: "تفتخر رومانيا بالتنوع الثقافي الغني، إذ يعيش فيها من الأقليات الساكسون والجرمانيون والغجر والرومان وغيرهم، ويعتبر إقليم ترانسيلفانيا، على وجه التحديد، مكاناً يستحق الزيارة إذا كنت تريد تجربة العيش في بيئة رعوية هادئة وبأسعار معقولة ومليئة بالمناظر والفنون الجميلة."

ويوافق هيرزبيرج على ذلك، ويقترح القيام برحلة برية في ترانسيلفانيا لرؤية أفضل المناطق في الأقليم، حيث يمكن أن تبدأ الرحلة من كلوج نابوكا وهي ثاني أكبر مدينة في البلاد من حيث عدد السكان، ويمكن رؤية قلاع القرون الوسطى بما في ذلك قلعة بونيدا بانفي المعروفة باسم "فرساي ترانسيلفانيا"، وتقع على بعد 30 كيلومتراً إلى الشمال، وثم بعد ذلك، يمكن أن يتجه المسافر مسافة 270 كيلومترًا جنوبًا إلى مدينة براسوف الأصغر حجمًا، والتي تحيط بها جبال الكاربات، حيث يمكن استكشاف جدرانها السكسونية التي تعود للقرون الوسطى، وثقافة المقاهي النابضة بالحياة.

جمهورية التشيك

المجتمع والثقافة عاملان مهمان في السعادة التشيكية
Getty Images
المجتمع والثقافة عاملان مهمان للسعادة التشيكية

احتلت جمهورية التشيك المرتبة الثامنة عشر في مؤشر السعادة بشكل عام والمرتبة العاشرة بين المشاركين الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، وقد شهدت جمهورية التشيك انتعاشًا للمجتمع والثقافة في السنوات الأخيرة ما أدى إلى ارتفاع مستويات السعادة.

وقال مايكل روزنبليت، مؤسس موقع السفر The World Was Here: "تُقام الشقق ومناطق المعيشة في جوانب صغيرة في البلاد، ما يؤدي إلى إيلاء أهمية كبيرة في إعطاء مساحات للمتنزهات والحانات والمقاهي".

ويضيف روزنبليت الذي عاش في العاصمة براغ مدة عامين أنه "بعد انتهاء يوم العمل، سترى العائلات والأزواج ومجموعات الأصدقاء يتجولون في المساحات الخضراء في المدينة كما لو كانت حديقة خلفية مشتركة، حتى في الطقس البارد"، ويشير إلى وجود حانات ومقاهي جميلة تعتبر ضرورية للثقافة التشيكية.

يتم دعم هذا التوازن بين العمل والحياة من خلال السياسات الحكومية، بما في ذلك أيام الإجازة المضمونة والرعاية الصحية الشاملة وإجازة الأمومة والأبوة. وقالت ماريكو أميكودوممو، وهي أميركية تعيش الآن في براغ وتدير شركة ماريكو بريزنتس للطهي: "تشمل معظم برامج مزايا الموظفين الوصول إلى الألعاب الرياضية والأنشطة البدنية وحتى الامتيازات مثل التدليك والتمتع بالصحة الجيدة، الناس سعداء للغاية هنا لأن مستوى المعيشة رائع؟.

يوصي كل من أميكودوممو وليفيل بالمغامرة خارج براغ للحصول على إحساس حقيقي بالثقافة والمناظر الطبيعية. تقول أميكودوممو: "حتى رحلة بالقطار لمدة 30 دقيقة خارج المدينة، يمكن أن تنقلك إلى قلاع رائعة ودير تم إنشاؤه من عظام بشرية وطبيعة لم يمسها أحد، ويمكن للسير على الأقدام لمدة 15 دقيقة وسط المدينة أن يجلب الاسترخاء للسكان المحليين".

ويوصي ليفيل، الذي استكشف مؤخرًا مناطق بيلزن وسبا تراينجل في جمهورية التشيك، المسافرين بزيارة مدن أصغر مثل أولوموك وبرنو وبلزن التي "تقدم نظرة مختلفة على طريقة الحياة التشيكية" وفق قوله، بالإضافة إلى زيارة مصنع الجعة المحلية Pilsner Urquell في بلزن، إذ يقول إن "الرحلة إلى المصنع، تشبه رحلة محبي النبيذ إلى بوردو أو رحلة محبي القهوة إلى إثيوبيا".

وحصلت صناعة الجعة التي تعتبر تراثاً في البلاد على اعتراف دولي مؤخرًا، حيث تم إدراج مدينة زاتك في قائمة التراث العالمي لليونسكو لتقاليدها الطويلة في زراعة وتجهيز نبات الجنجل، وهو عنصر أساسي في تخمير الجعة.

هذه القصة الصحفية هي جزء من سلسلة Living in التي يتم انتاجها من BBC Travel لاكتشاف كيف تبدو الإقامة في بعض أفضل الوجهات في العالم.