فهد سعود من الرياض: من خلال النظرة المتفحصة، نجد أن المسلسلات البدوية قد بدأت فعلا في سحب البساط من تحت قدمي الدراما التقليدية، وأصبحت بذلك منافس جدي وقوي للمسلسلات التاريخية التي لا تزال تتربع على عرش الصدارة، بما لها من قيمة تاريخية واقتراب للنفوس.

وعلى الرغم من الصورة العامة التي تعطي الكثير عن خلائق البدو وبعض عاداتهم الأصيلة، يرى البعض أن المسلسلات البدوية، تتخذ دورها المحوري وثقلها الدرامي من أحداث قد تسبب نعرات قبلية انتهت مع قيام الدول الحديثة، مما يؤثر سلبا في قيمة التاريخ خاصة لو تم التعاطي مع هذه الأحداث برؤية إخراجية قد لا تتناسب مع أفراد تلك القبائل، كما حدث العام الماضي في مسلسل سعدون العواجي الذي توقف عرضة بسبب شكاوي قبيلة عنزة وعائلة الشاعر الراحل من تعامل المخرج مع تاريخ الشيخ العواجي بصورة اعتبرتها بعضالقبائل مبتذله وغير صحيحة في كثير من أحداثها.

ولم تستقطب المسلسلات البدوية المشاهدين بمثل هذا الزخم، رغم إنها ظاهره قديمة جدا على الشاشة العربية منذ مسلسل وضحى وابن عجلان القديم الذي قدمه يوسف شعبان والراحلة سلوى سعيد في منتصف ستينيات القرن الماضي، وذلك لأنها كانت أعمال درامية ذات مؤلف ومحتوى خيالي من وحي بنات أفكار المؤلفين، على عكس المسلسلات الحالية التي تخرج من إطار تاريخي وأحداث واقعية وشخوص معروفة لا يزال أحفادهم موجودين حتى الآن.

انتشار هذه النوعية من المسلسلات جاء في وقت تضخمت الشاشة الصغيرة بالمسلسلات الدرامية في ظل وفاة دماغية للدراما المصرية، التي بدأت تفقد بريقها وقدرتها على جذب المشاهد العربي بعد سيطرتها حقبة طويلة من الزمن بعد أن تزاحمت فيها القصص وتشابكت الأحداث مما جعل الرتابة سيدة الموقف حيث من النادر أن تجد الجديد فيها مما اضطرها إلى استقطاب دماء عربية في محاولة لتجديد حيويتها وحجز حصتها من ساعات البث الرمضانية.

وأمام ذلك، اختار المشاهد العربي التوجه إلى المسلسلات البدوية التي صارت بالنسبة للجماهير حافلة بالجديد والقصص المثيرة التي تحكمها الأجواء والعادات المتشددة.

وهذا في حد ذاته صار هاجس الشركات الإنتاجية التي صارت تتسابق على تقديم هذه الوجبة الدسمة مع معطيات جديدة حتى وان كانت القصص واقعية من تاريخ قبائل العرب الحافل بالقصص المثيرة والمدهشة.

وطبعا قد يقول البعض أن هذا مبالغ فيه، ولكن نرى أن هذه الصياغة ليس فيها عدل فلقد دخلت الشاشة العربية مجال الدراما التاريخية بشكل واسع جدا، بعد نجاح نجدت أنزور في مسلسله الشهير (الجوارح)، وتوالت الأحداث بعد الضجة الكبيرة لمسلسل الزير سالم عام 2001م وهنا صارت الشاشة متضخمة جدا بعد أن قدمت العديد من الشخصيات التاريخية بغض النظر عن التي نجحت أو التي فشلت إنما المسلسلات البدوية تستند إلى نقطة هامة وهي أنها من التاريخ القريب نوعا ما مما يجعلها مهدده دائما بالنقد والتصادم.

مثلما حدث في مسلسلي سعدون العواجي وفنجان الدم، العام الماضي، لان التعاطي مع مثل هذه الأعمال يجب أن يكون بحذر، لان كل القبائل التي شهدت تلك الفترة موجودة حتى الآن وأحفاد تلك الشخصيات قد لا يتقبلون العرض الدرامي لتاريخ أجدادهم بتلك الطريقة.

ومن خلال ردود الأفعال المتباينة على تلك المسلسلات نجد أن الغالبية تندرج نحو فصيلتين إحداهما كانت حياتها حافلة بالأخطاء والأعمال السيئة مما يجعل تذكير الناس بها شيء غير مرغوب فيه تماما، لأنه يؤلب النفوس وهم قد عانوا في الفترة الماضية من محاولة الاندماج والحصول على الصفاء مع بقية القبائل، بينما الفصيل الثاني إنما يريد أن تنتهي النعرات الجاهلية والحروب القبلية التي لا فائدة منها ولا تجلب سوى العداوة وسفك الدماء بدون طائل.

وتنطلق المسلسلات البدوية في فترة حامية، ضمن وجبات شهر رمضان المبارك، حيث سيعرض مسلسل quot;قبائل الشرقquot; على قناة أبو ظبي الأولى، فيما quot;جمر الغضاquot; سيعرض على قناة دبي الفضائية.

مسلسل quot;فنجان الدمquot; على قناة الـMBC، quot;عطر النارquot; على قناة قطر، quot;مخاوي الذيبquot; الـMBCquot;، quot;العنودquot; قناة ليبيا وقطر، وأخيراً مسلسل quot;راعية الوضحةquot; قناتي ليبيا وقطر 15 حلقة فقط.

أخيرا، بقى أن نشير إلى موقف الحكومات الخليجية الذي وان لم يكن واضحا، إلا أن أطرافها تراقب عن كثب ما ستخرج به المسلسلات هذا العام وربما قادته الى ضفاف آخر وأوقفت ما قد يهز ثوابت المواطنه لدى شعوبها، كما حدث العام الماضي في مسلسلي quot; فنجان الدمquot; وquot;سعدون العواجيquot;.