أن تكون شيعيّا في لبنان هذا يعني حتما وبالضرورة أنّك ستواظب وبعدد الفروض الخمس، وحسب التوقيت المحلّي لمنطقة الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، على لعن بني أميّة، وشتم الدكتور سمير جعجع، تماما كما تبخس وليد بيك جنبلاط صولاته وجولاته ومستجدّاته وتحولاته الوفاقيّة والخصاميّة على حدّ سواء وفي أيّ اتّجاه كان، وفي غمرة هذا وذاك لا بدّ أن تزدري خبرة الشيخ سعد الحريري السياسية، وتشجب قدرته الاقتصادية القادرة والقديرة، وتستنكر علاقته الوطيدة والمميّزة بالمملكة العربية السعودية التي تبذل الغالي والنفيس لرأب الصدع السياسي وترميم ثغرات العجز المالي لتحافظ على أولوية ndash;الطائف - في القرار السياسي وصدارة الموقف في المشهد العربي والدولي واللبناني بالتأكيد متمثّلة بجهود سفيرها البار عبد العزيز خوجه المُتّهم بالانحياز لفريق دون آخر، والمُنتقَد بجملة أدائه الذي مهما بلغ من الموضوعية والمصداقية سيظلّ في نظر هؤلاء غير ما هو عليه بنظر أولئك، وسيبقى على الدوام بحاجة للنفي والتبرير بيانا تلو البيان في النشرات الإخبارية والتصريحات الصحافية مطلع كل حراك ميداني على الساحة اللبنانية، ولا يقتصر الاستنكار على اللحمة الحريرية وآل بني سعود، بل يطال تقدّم سعد الحريري فريق quot;14 quot; آذار، وتربّعه في قلوب الناس دون منازع، على الرغم من كل ما كان وما لم يكن بعد، والعلم عند الله وعند نتائج صناديق الاقتراع التي ستحملها الانتخابات النيابيّة القادمة وما يترتّب حولها من نتائج ووقائع وتخمينات يُعمل لها ألف حساب ويعمل عليها بألف حساب وحساب!.

أمّا أن تكون سنّيا في لبنان فهذا كفيل بأن تحبّ الشيخ سعد الحريري حبّا جمّا، وتؤيد وليد بيك جنبلاط على بياض مرّة وعلى مضض أخرى، وتُبارك الدكتور سمير جعجع قولا وعملا ووجهات نظر واضعا في اعتبارك أنه قد تكبّد وحده ما لم يتكبّده سواه فقد سدد الكثير من ديونه ب11 سنة من القهر والاعتقال وما تبقّى منها، فقد استكمله اعتذارا علنيّا ودعوة حقيقيّة لمصالحة /مسيحيّة ndash; مسيحيّة / هي بالتأكيد إن دلّت على شيء فهي تدّل على حسن نيّة وغيرةٍ حقيقية على وطن يسعى ما بوسعه لانتشاله من أي حقد مبطّن أو ثأر مبيّت أو عدوانية لا تحتاج للكثير لإطلاق العنان لها وقد خبرها الجميع دون استثناء في أكثر من جولة وأكثر من مناسبة وأكثر من مرحلة مفصلية لم تسفر إلا عن دم وندم وأبرياء يواصلون أسئلتهم وعتبهم المُلح والدائم والمستمرّ بنظراتهم المعلّقة على جدران بيروت التي يصعب تلافيها حتى وإن تجاوزها القتلة بتجاوز الشارع أو الزقاق المتفرّع عنه، فنظراتهم المعلّقة بعيدة المدى وشديدة الوطأة والحيوية والحياة فهي تطاردهم بلا هوادة وبلا صفح، لتبشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين.
هكذا تقوم قائمة العواطف السياسية في لبنان بلد الحرية والديمقراطية والتناحر الطائفي المتوازن بالنقمة والمتّزن لما بعدها، إذ تظلّ جيّاشةً ضمنا وإن هدأت سريرتها ndash;الإعلامية - واتّخذت طوباويّة مرْحليّة تحكمها ضرورات اللحظة الراهنة لتسجيل الصورة بملامحَ هادئة وابتسامة مُستعارة كي تصير الصورة أجمل بل أكثر إشراقا و quot;سرّ- ياليّة- quot;.
وأنت ما عليك إلا أن تبصر ولا ترى، وتصغي ولا تفهم، وتتكلم ولا تنطق وتتنفّس كافة ndash;التناقضات - لتواصل اختناقك بإمعان، فأنت مُطالبٌ أن تتابع بشغف أو بقرف لا فرق، وحيث لا أحد يبالي بكِ أو يكترث لكَ، حالك حال المواطن العربي على امتداد الخريطة، ولكنَ بامتياز أكبر هو أنّك في لبنان برسم الموت دائما، تحت طائلة أيّ تفجير إرهابي أو مذهبي في أيّ مناسبة يأخذ ndash;التصعيد - فيها مأخذه دون تردد ودون مواربة؟!
المهم في ذلك كلّه أنّ الشقيقين اللبناني ndash; السوري عادا أخيرا إلى رشدهما لمراعاة مسيرة حسن الجوار، وتحسين العلاقات السياسيّة، وتعبيد المسالك الدبلوماسيّة، واستعادة أصول وquot;فروع quot; المنفعة المُتبادلة، إن لم يكن على صعيد الشعب، فلا شكّ على صعيد القيادات وهذا الأهم فطالما أنّ القيادات بخير فبالتأكيد أنّ الشعب سيكون بخير، وبمأمن، إذ على الأقل يضمن التهدئة الإعلامية ويدرأ غضب الصواعق القابلة للانفجار بأي شارع وأي شخصيّة تملك صوتا أعلى من أصوات الجوقة السياسية الناشطة على منصّة الأحداث، كما أنّ quot;حزب الله quot; بارك الله أتباعه وأنصاره ورسله ومنافقيه لم يقف مكتوف الأيدي بل راح يواصل في غمرة ndash; تقاعده - الوشيك عن المواجهة المحليّة، والمجابهة الإسرائيلية لرد الصاع صاعين باسم القائد quot;مغنيّة quot; والتي تتأجّل ربّما لتقليص مسافة الخلافات التفاوضية الإسرائيلية ndash; السورية، ناهيك عن quot;المماحكات quot; الدوليّة وأحكامها المبرمة بشأن سلاح حزب الله وبكل ما تستلزمه في المقابل من رفع للوتيرة والنبرة والسلاح لتأديب الشارع اللبناني عند أيّ مفترقٍ أو مفارقة، ولتسجيل حضوره كالعادة جاءت مساهمته الجليلة في تعزيز سبل التفاوض المُشار إليه، عندما وافق على ترميم quot;الكنيس اليهودي quot; لأبناء عمومتنا الكرام في منطقة السوديكو- بيروت، فمن يعلم متى ستكون انطلاقة أول قافلة سياحيّة من -تلّ أبيب - إلى دمشق مرورا ببيروت وبالعكس، وخاصّة أنّ الدكتور بشار الأسد قد نوّه في إحدى لقاءاته على قناة الجزيرة مع الإعلامي محمد كريشان لدى سؤاله حول طبيعة العلاقات السورية ndash; الإسرائيلية وقتها أشار السيد الرئيس إلى علاقة طبيعية كالتي تربط باقي الدول بعضها البعض، وربما الدبلوماسية السورية ndash; اللبنانيّة التي تمّ الإعلان عنها، هي جزء من سيناريو المفاوضات الراهنة، فليس من المعقول أن تتوصل سورية وإسرائيل إلى تسوية ويبقى لبنان الحلقة المفقودة في جملة المفاوضات السارية في عموم المنطقة العربية، ومن المُستغرب فعلا أنّ لبنان الذي كان من المتوقّع أن يكون في مقدمة البلدان الساعية للسلام مع إسرائيل، يتأخّر به الدور حتى هذه اللحظة التي لم يجرأ فيها أحد بعد على طرح مسألة المفاوضات -العلنية - مع إسرائيل على غرار غيره من الدول، ومن يعلم ربما يكون مُلحقا ثانويا من ملاحق المفاوضات السورية ndash; الإسرائيلية الراهنة، وربما المصالحات التي نراها حبل على جرار الوقت هي تحضيرات أوّليّة للقفزات النوعية القادمة.
هو الوقت إذا بهلوان على منصّة الجميع يراقصهم ككائناتٍ مدرّبة، ويغافلونه بدورهم كالشياطين، ونحن كالبلهاء، نقوم ونقعد، نشاهد ونكتب، نتمنّى ونخيب، ونتكلّم ولا نسكت، ونتعلّم من كبار المرحلة ما فاتنا أن نتعلّمه في جملة قضايانا المصيريّة الباهتة، أنه ما من عداوة وعدو مُطلق، وربما ما من صداقة وصديق أكيد.
www.geocities.com/ghada_samman
[email protected]