تداخلت وتغيرت أولويات المرحلة الحالية في الكويت إلى درجة تشابك الاشكال بين طبقة "متحفية" وطبقة جديدة، أي طبقة تحمل قضايا تستحق أن تكون مقتنيات متحف وطبقة أخرى جديدة تسعى إلى تدمير ووأد الدولة المدنية...طبقة ظروف غير مستقرة وثائرة بمظلوميتها الخيالية.

الطبقة "المتحفية" لم تنفع في تصدير روح العمل الوطني إلى أجيال اليوم والمستقبل ولا تلبي احتياجات ومتطلبات مرحلة سياسية دقيقة وحرجة بأبعادها في انتخابات مجلس الأمة 2024، فالحسم يوم الخميس 4 ابريل 2024 قد يكون من نصيب طبقة جديدة...طبقة الانتقام السياسي والعصبيات الفرعية...ربما!

الأولويات في العام 2024 اقصت ألويات الماضي الجميل والعليل، وهو تطور حتمي للتخلف الاجتماعي والسياسي الذي تقوده النعرات الفرعية...ثقافة اغتيال التاريخ ونسيج المجتمع الواحد...اغتيال لروح ومستقبل الدولة المدنية بسبب تقاعس الدولة عن دورها في حماية الدستور والهوية المدنية.

اهتزازات سياسية شتى اجتاحت الكويت تاريخياً، لكن ظروف الامس واليوم تختلف شكلاً وموضوعاً عما شهدناه تاريخياً، وهو ما يستوجب استيعاب احتياجات وتحديات اليوم ومتطلباته...تحديات قد تطول الدستور وتقدم مزاج انتقائي في قراءة المشهد الحالي واخفاقات ثقافية نتيجة تنازل الدولة عنها.

بلا شك ثمة ملامح انسداد سياسي قادمة وهيمنة تيارات متحجرة اجتماعياً وأصولية دينية ومساعي تخريبية وعبثية قد تقود المشهد السياسي العام وملامح اخرى تحفز على النفور من التطور الحتمي للنظام الديموقراطي، بسبب غياب العمل الممنهج الرسمي نحو ترسيخ العقد السياسي الدستوري.

لم يتبلور النظام الدستوري في الكويت نتيجة ترف في التفكير والتدبير ولا رفاهية الانتظار، بل شقت قواعد النظام السياسي طريقها بعد نضال تاريخي ساهمت فيه كل أطياف وشرائح وفئات المجتمع الكويتي في مراحل دقيقة وحرجة للغاية.

ضم جزء من تاريخ الكويت صدامات دموية بين القوى المناهضة للديموقراطية وقوى مؤيدة لها من أهل الكويت، حتى برز فجر التفاهم والتوافق بديلاً عن الخلاف، والتلاقي والاتفاق بديلاً عن الصدام بين الحاكم والمحكوم، مما أدى إلى طي مرحلة من التحدي العظيم بعد إرساء قواعد النظام الدستوري.

مرحلتنا الحالية...مرحلة انتخابية خطرة وغير مسبوقة سياسياً...مرحلة تستوجب الاستشعار بالمخاطر الدستورية وطبيعة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من قبل كل الأطراف المعنية لاسيما الطرف الحكومي الذي يقوده الشيخ محمد صباح السالم، رئيس الوزراء، بجمود وشلل سياسي!

الطرف الحكومي قبل الطرف النيابي مطالب بامتصاص الأزمات المحتملة والاعداد المبكر للانسداد القادم، ومن الضروري معالجة ما نشهد من تحديات ومخاطر نيابية وعصبيات اجتماعية بطرق سلمية وحكيمة بهدف القضاء على الاحتقان السياسي والصدام بين السلطتين وحالة من اليُتم الاجتماعي للدستور، نتيجة عواصف فزعات قبلية وطائفية ومناطقية وعائلية وفئوية تغتال روح الدولة المدنية.

ينبغي أن تكون الغاية الوطنية المشتركة بوابة الديمقراطية نحو تحقيق توافق حقيقي وفهم عميق لما تواجهه الكويت وشعبها أيضاً من شروخ وتحديات سياسية في جدار الوطن، إذ إننا بحاجة ملحة إلى تقريب وجهات النظر وردم هوة الخلاف والاختلاف بين أطراف الخصام السياسي والتيار القبلي والطائفي والديني الأصولي، ومن دون ذلك ستمضي الكويت في دهاليز مظلمة، ويتحول بالتالي الملف المحلي المعقد سياسياً إلى شأن دولي على صعيد الحريات الدستورية والنظام الديمقراطي.

فثمة صفحات من التاريخ السياسي، التي برهنت على الرؤى التوافقية نحو مستقبل متسامح، حيث لا يمكن للدول أن تستمر في النهوض سياسياً واقتصادياً ودولياً من دون إيجاد حلول جذرية تعيد الوئام الاجتماعي إلى الدولة وامتصاص الأزمات المفتعلة والمصطنعة.

لا شك أن وأد مصادر خطاب الكراهية والعداء الحالي والمستقبلي والعصبيات بين أفراد المجتمع الواحد يلعب لمصلحة الكويت وطناً وشعباً، خصوصاً أن الاتفاق الجامع بين كل الأطراف السياسية يتلاقى عند تاريخ من التسامح والسمو فوق جراح العمل السياسي.

ولا بد لنا من التوصل إلى تحقيق مصالحة وطنية من أجل تدشين بوابة الإصلاح السياسي الشامل، فتاريخ الكويت الحديث لم يشهد نقطة دم واحدة ولا صداماً مسلحاً، بل إن جميع أطياف الشعب الكويتي يدركون الالتزام بالعقد الدستوري بين الشعب والأسرة الحاكمة، وهو ليس محل جدال أو نزاع من أي طرف.

طبقة عشائرية قد تفوز وتجلس على كراسي مجلس الأمة، البرلمان، وهي طبقة ذات جوانب فنية خاصة لا تحتاج إلى التقديم والتبسيط...طبقة ابعاد النزاع والصراع الاجتماعي لكنها بالتأكيد مختلفة عن الطبقة "المتحفية".

4 ابريل 2024، نأمل أن يكون يوم وحدة الشعب الكويتي وحسن الاختيار والانتخاب والمشاركة الكثيفة في الانتخابات النيابية وألا يكون مجلس 2024 مسماراً في نعش الديمقراطية، فالمسؤولية جماعية والضرر على الدولة والخسارة على الشعب فادحة وعظيمة.