في الخطاب الذي ألقاه المرشد الأعلى علي خامنئي في عيد النوروز المنصرم، والذي رکز فيه على الأوضاع الاقتصادية باعتبارها من أکبر المشاکل التي يواجهها النظام الإيراني، أکد أن النظام في طريقه إلى مواجهة تلك الأوضاع وتذليلها، ووصف احتمالات "الانهيار الاقتصادي" المحدقة بالنظام بأنها رغبات العدو، لکن المثير والملفت للنظر أن خامنئي، وبعد مرور 15 يوماً، تناول حالات محددة من الانهيار الاقتصادي المتمثلة في "الغلاء، وعدم استقرار السوق، وخفض قيمة العملة الوطنية والفجوة الطبقية".

خامنئي، وبعد طرحه الحقائق المرة التي سردنا ذکرها، فإنه ومن أجل تخفيف مشاعر الصدمة والاحباط الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية، وبطريقة تبدو فيها أساليب الحيلة والخداع ظاهرة، أشار إلى ما أسماه "حقائق حلوة للاقتصاد"، قائلاً إن "الجزء الجميل من الاقتصاد هو أنشطة البنية التحتية الواسعة التي تحدث، والتي ستظهر نتائجها على المدى المتوسط وليس الطويل". لکن العبرة ليست في ما طرحه ويطرحه خامنئي من توقعات يمکن من خلالها انتظار التغيير الإيجابي في الأوضاع الاقتصادية وتمکن النظام من عبور أزمته المستعصية، بل إن العبرة في مدى مصداقية هذه التوقعات ومدى ثقة الشعب الإيراني بها وقدرته على التعويل عليها.

إقرأ أيضاً: أزمة إيران الداخلية مقنعة بالأزمة الدولية

إغداق الوعود بتحسن الأوضاع وصيروتها بالشکل والمضمون الذي أکد عليه خامنئي وقادة النظام والخبراء الاقتصاديون للنظام، لم يعد في الحقيقة إلا مزاعم وادعاءات مشبعة بالکذب والخداع، لا تمت إلى الحقيقة والواقع بصلة، وصار واضحاً ومعروفاً أن النظام، وکلما ضاق خناق الأزمة العامة بقوة أکبر وازداد القلق والتخوف من الاحتمالات السلبية المتداعية والناجمة عنها، خاصة لناحية اندلاع احتجاجات عامة ستکون بالضرورة أشد وأقوى من التي جرت سابقاً، فإنه يلجأ إلى الکذب والخداع والمزيد من الهروب للأمام وجعل الشعب ينتظر إلى إشعار آخر تحسن الأوضاع الاقتصادية وحدوث القفزة الاقتصادية المنشودة!

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني يتزايد طغيانه لتجنب السقوط

الوعود الكاذبة باتت لازمة تتکرر، لا سيما خلال الأعوام الأخيرة وبالأخص خلال عهد إبراهيم رئيسي، وقد تم جعل الکذب والوهم والخداع الأساس المعتمد عليه من قبل خامنئي ونظامه في سبيل تهدئة خاطر الشعب والحيلولة دون نزوله إلى الشارع وتکرار الاحتجاجات الشعبية غير العادية التي تجري ابتداءً من 28 كانون الأول (ديسمبر) 2017 إلى احتجاجات 16 أيلول (سبتمبر) 2022، لکن المشکلة التي يواجهها النظام عموماً وخامنئي خصوصاً، أن الشعب بات يسخر من الوعود بهذه الطريقة والأسلوب الواهي، وصار يعلم أن النظام يمارس کذباً في وضح النهار، ولذلك لجأ لسياسة إثارة الحروب والأزمات في الخارج للتغطية على أوضاعه برداء مختلف، بالرغم من أنه نفس رداء الهروب للأمام، وهو الأمر الذي فضحه قائد المقاومة الإيرانية مسعود رجوي، عندما قال: بالنظر إلى الظروف الموضوعية للمجتمع الإيراني والوضع الثوري، نفهم أفضل لماذا أصبح خامنئي ملكياً أكثر من الملك بالنسبة إلى الفلسطينيين. انه يعقد الأمل ويرى السبيل الوحيد للخروج من المآزق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الشاملة التي يواجهها نظامه في مواصلة الحرب والقتل في غزة وتوسعها في غرب آسيا، ويقول: اليوم، القضية الأولى هي قضية فلسطين وغزة. المقاومة في غرب آسيا هي القضية الأساسية اليوم. ولكن الآن أصبح "رأس الأفعى" عالمياً، والجميع يعلم أنه بالنسبة لخامنئي، فإن حفظ النظام هو "الهدف"، وكما قال إمامه خميني، "أوجب الواجبات".