لم يمهلنا الزمن لمعرفة إذا كان مجلس أمة 2024 سيكون "سيد قراراته" كما حصل في 2022 و2023 ولكن عرفنا أن مصدر الفوز والخسارة بالانتخابات والمتلقي للصدمة السياسية هو الشيخ محمد صباح السالم، الذي تعرف وعرف بالتعقيد الحالي قبل اللحظة الأخيرة...ربما!

دخل الكويت في شجون تعقيدات دوامة سياسية جديدة ولكنها متوقعة، فالاعتذار للشيخ محمد صباح السالم المزعوم في أخر لحظة سياسية عن رئاسة حكومة 2024 وهو ممثل لجناح السالم الحاكم ليست سوى نتيجة حتمية لأزمة حكم لم تفارق الدولة.

الرأي والموقف الخاص والانفعالي طغى على المصلحة العامة والمكابرة والعناد جاء من داخل كواليس سياسية غير ودية تزامناً مع تقديم استقالة رئيس الحكومة الشيخ محمد صباح السالم لصاحب السمو الأمير السبت 6 ابريل 2024 دون حاجة التخمين والترجيح قبل ذلك.

الشيخ الدكتور محمد صباح السالم، رئيس الوزراء السابق، يلام شخصياً على القبول بتلقي صدمة الانتخابات قبل الإعلان الرسمي عنها، وكان يتوجب عليه التنحي دون صخب إعلامي ولكنه اختار التضحية بالحصافة السياسية ومجاراة صراع الحكم، فهو المتيم بضجيج السياسة وصخابة المشهد.

رئيس الحكومة السابق لشهور معلومة الشيخ الدكتور محمد سبق له ركوب موجة الضجيج الإعلامي عند اعلان "الاستقالة" حين كان وزيراً للخارجية فهو الهاوي لبهرجة الصوت والصورة في وقت سابق ولاحق وخفيف الوزن سياسياً ووزيرا حتى في التشكيل الوزاري في العام 2023.

نقسو على الشيخ محمد صباح السالم ليس حباً في التدمير والتسفيه ولا الطعن والتشويه لترجيح جناح حكم على أخر، فالحكم ثابت بدعم وتأييد شعبي مطلق لأسرة الصباح الحاكمة ولا يتأرجح ولا يتغير ولكنه غير مستقر داخل الأسرة ذاتها.

نقسو بشدة وصراحة على الشيخ الدكتور محمد صباح السالم فهو الذي نصب نفسه وحيداً على خط المواجهة واختار لنفسه أن يكون ضحية صراع الحكم وكان الاجدر ألا يبلع الموس، لذلك باتت القسوة السياسية مستحقة فليس امامنا سواه.

ليس مستبعداً أن الشيخ محمد صباح السالم اختار أن يكون ضحية جناح السالم الحاكم مع قصد خوض دور بطولة هامشية والمغامرة بجناح أسرته... ربما، فصراع الحكم بلغ مداه سياسياً وإعلامياً... صراع مختلف عما شهدناه تاريخياً...صراع لا نتمناه لكنه حقيقة وواقع وليس فيه بطولة التضحية.

ربما تحقق القتل السياسي المبكر للشيخ محمد الصباح بصفته ممثلا لجناح السالم الذي كما يبدو تطور حتمي للصراع بين اجنحة الحكم في الكويت... نجهل الكثير عن كواليس الحكم ولكن الواقع يقول ان كل ما اقتربنا من الانفراج عدنا إلى المربع الأول!

نحتضن الأمنيات والتمنيات بسيادة الحكمة وانتصار العقل وعودة روح الرأي والرأي الأخر بين الحاكم والمحكوم، فالكويت ليس فيها مواطناً واحداً يفكر حتى في السر ولا بغفلة الزمن الانقلاب على حكم الصباح ولا القبول حتى بالمناقشة مهما تعقدت الخلاقات والظروف.

نتمنى ألا يتعرض أجيال اليوم والمستقبل لسوء التقدير ولا سوء التدبير في التصعيد السياسي، فالمستقبل لهؤلاء الأبناء والاحفاد أهم من أطراف الخصام والاختلاف والصراع السياسي وتعقيداته ولا ينازعنا في ذلك حكيم وطني...حكيم حريص على الدستور والحياة البرلمانية.

الكويت دخلت جدلا دستورياً وسياسياً بسبب فريق مع انعقاد جلسة الافتتاح في موعدها في 17 نيسان (أبريل) وفريق آخر ضد التأجيل إلى 14 أيار (مايو) كما نص عليه المرسوم الأميري الصادر في 8 نيسان (أبريل) 2024 وفريق ثالث مع عودة مجلس 2023 بقوة الدستور!

"مجلسيون"، أي نواب الأمة، زمان الحكمة الجميل وزمان مجلس الشورى والمجلس التأسيسي ومجالس لاحقة غابوا وغابت حكمتهم وحل بدلا عنهم مجلسيون جدد وهذا لا يعني الطعن بحسن نوايا جميع النواب ولكنها ظاهرة غالبة وطاغية، للأسف، في الحكومة الممتدة ومجالس الأمة الحديثة.

"مجلسيون" تعبير تميز فيها سكرتير المجلس التشريعي الأول والثاني الراحل خالد العدساني بقسوته وتوثيقه لزمن العمل الوطني والنضال السياسي... زمن التضحيات الوطنية التي شملت شتى أطياف وشرائح المجتمع الكويتي وليس زمن سباق التحجر والجمود والعناد والنفاق... زمن نبكي عليه سياسياً ووطنياً.

مجالس الأمة خلال 2013-2020... مجالس كئيبة نيابياً وهي الاستثناء عن قاعدة مجلس الشورى والمجلس الـتأسيسي ومجالس لاحقة قبل العام 2013... لا نتمنى أن يحمل مجلس 2024 نعش الدستور بذنب من سلطته وخارجها ونتمنى الانفراج من عقل حكيم من داخل مجلس 2024.

المفارقة الساخرة أن رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم 2013-2020 وغيره من نواب موالين له قادوا الانتهاك الصارخ للدستور في ابتداع وتأييد ما يعرف بـ"المزمع" في حين ينادي هو ومجموعته بعودة مجلس 2023 "بقوة الدستور"!

ما زلنا نجهل إذا كان مجلس 2024 سيكون "سيد قراراته" بمبادرة حكومية أو نشهد ترجيح سياسي لطرف نيابي على أخر وما زال البصر تائهاً بين رئيس حكومة مستقيل واخر "لم تثبت رؤيته"!

*إعلامي كويتي