كريم بقرادوني: تواجه الإنتخابات النيابية في لبنان نظرياً ثلاثة أخطار: خطر مستبعد وهو عدم إجرائها، وخطر محتمل وهو التدخل الخارجي، أما الخطر الداهم فهو المال. في المجال الخارجي تشهد السياسة الاميركية عملية اعادة تموضع في الشرق الاوسط ولبنان. وقد برزت معالم هذه السياسة اثناء الزيارة الأولى التي قامت بها وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الى لبنان والتي التقت خلالها رئيس الجمهورية دون سواه ، وحرصت، خلافاً لما كانت تفعله كونداليزا رايس، على تأييد فريق 14 آذار/ مارس عن بعد دون اللقاء به، كما اعتمدت خطاب الوجهين: من جهة حذرت قبل وصولها من مغبة فوز quot;حزب اللهquot;، ومن جهة ثانية أكدت بعد لقائها رئيس الجمهورية انها تتطلع الى العمل مع الحكومة الجديدة التي ستنبثق من الانتخابات النيابية.

اما اسرائيل فتتابع بحذر التحرك السياسي وتنشط على الصعيد الامني. وقد أظهرت التحقيقات مع شبكات التجسس ان جهاز الموساد يحضر لعمليات أمنية محدودة من دون التورط في عمليات عسكرية كبيرة تغيظ الرئيس الاميركي الساعي وراء احلال التسوية السلمية والانفتاح على سوريا والحوار مع ايران.

يبقى الخطر الثالث المتمثل بعامل المال، وهو الأدهى. فحيث يستشري المال يسود الفساد الذي يهدد الوفاق الوطني والحكم الصالح والانتخابات الديمقراطية النزيهة. ان الخطر الناجم عن تحالف أهل الثروات واهل الطوائف في عملية تبادل المصالح وتقاسم المغانم يحوّل الوطن ولاية يحكمها أمير ويكون المواطن فيها مجرد ناقم، وتمسي الدولة شركة يديرها مجلس ادارة لا تعير المواطن اي اهتمام حقيقي.

ولا يلعب المواطن دوراً إلا اذا انتمى الى حزب، ولا تستقيم الديمقراطية الا عن طريق الاحزاب، ولا احزاب بلا مشروع اقتصادي واجتماعي يجري النقاش حوله، ويتم الاقتراع على اساسه. واذا ما القينا نظرة على التنافس الحاصل لاكتشفنا ان الأحزاب والأفراد يعلنون برامج فيها الكثير من التشابه، لكن المعركة تدور في الواقع بين الاشخاص والطوائف، وتبقى البرامج واجهة تغطي حقيقة الصراع بين فريق 14 آذار الذي يريد المحكمة الدولية ونزع سلاح quot;حزب اللهquot; وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وفريق 8 آذار الذي يريد حماية المقاومة وبدء الاصلاح وتمتين العلاقات مع سوريا ، مع اقتناع الفريقين في السر او العلن ان لا طريق لحكم لبنان الا بالمشاركة ، وان تجربة الاستئثار التي تلت اغتيال رفيق الحريري أدخلت الدولة في دائرة التوترات التي لم تنتهِ الا بتشكيل حكومة الاتحاد الوطني في اعقاب مؤتمر الدوحة.

من جهتي لست في عداد القائلين أن الانتخابات لن تبدل شيئاً في الاوضاع القائمة، فهي ستحسم على الأقل مسألة تمثيل اللبنانيين، وبخاصة تمثيل المسيحيين منهم، وسترسم خريطة التحالفات الجديدة التي تحدد صورة الحكم للسنوات الاربع المقبلة بدءاً بانتخاب رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة الجديد.

المهم ان تحصل الانتخابات في اطارquot;حوار بعبدا quot; الذي يقوده رئيس الجمهورية ويرمي الى التهدئة والحفاظ على الاستقرار للوصول الى الخاتمة المرجوة، وان تتم في موعدها بمعزل عن قرار القضاء الدولي في شأن الضباط الاربعة الموقوفين في جريمة اغتيال رفيق الحريري. quot;حوار بعبدا quot; لا يؤثر على نتائج الانتخابات، بل يضمن حسن اجرائها. اما قرار القاضي الدولي فقد تكون له انعكاسات مباشرة على الاوضاع السياسية والانتخابية.

في المحصلة، أخطر ما في الانتخابات المقبلة ان يتحكم فيها المال، والمال يستجر المال، فتتفرغ الانتخابات من ديمقراطيتها وتمسي التسويات مجرد صفقات. وحده الناخب اللبناني هو الضمانة الحقيقية ضد مخاطر المال ليكون الثامن من حزيران عن حق يوماً تشرق فيه شمس جديدة على لبنان.

*وزير سابق ورئيس سابق لحزب الكتائب