الحريري ساير حلفاءه وحافظ على إتفاقه مع رئيس المجلس العائد
قراءة في الأوراق البيضاء والأصوات الـ 90 لنبيه بري


بري رئيسًا لمجلس النواب اللبناني ومكاري نائبًا له

إيلي الحاج من بيروت: لم يظهر أي انفعال على وجه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري خلال فرز أصوات جلسة التجديد له للمرة الخامسة في منصبه. نجح الرجل في إخفاء امتعاض بالكاد لاح على وجهه عند ذكر إسم عضو التكتل الذي يترأسه الجنرال ميشال عون، النائب عباس هاشم الذي نال ثلاثة أصوات من غير أن يكون مرشحاً، مما عنى أن ثلاثة نواب quot; عونيين quot; صوّتوا بغير المتفق عليه والموقف المعلن، ثلاثة الأرجح أنهم نواب جزين الذين أرادوا إيصال رسالة أن أصوات تلك الدائرة لم تعد في جيبه حتى في ترشحه لرئاسة المجلس بعد المعركة الإنتخابية quot;المريرةquot; فيها بينه وبين الجنرال عون. لكن هذه الأوراق الثلاث لم تكن الخرق الوحيد للتوقعات، إذ كان بري ينتظر أن ينال أكثر من 110 أصوات من أصل 128، بناء على أجواء quot;الإنفتاحquot; التي أشاعها مع رئيس quot; تكتل لبنان أولا ً quot; الجديد النائب سعد الحريري، وصديق بري اللدود رئيس quot; اللقاء الديمقراطي quot; النائب وليد جنبلاط.

نبيه بري بعد انتخابه رئيسا للبرلمان اليوم

ما حصل أن نواب حزبي quot;القوات اللبنانيةquot; الـ8 والكتائب اللبنانية الـ5 وزملاءهم في قوى 14 آذار / مارس بطرس حرب وأحمد فتفت وعقاب صقر الذين أعلنوا أنهم سيقترعون بأوراق بيضاء- في غياب أي منافس لبري بفعل إحكام نفوذ quot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; على الطائفة الشيعية- لم يكونوا وحدهم في هذا الموقف بل انضم إليهم زملاء لهم من quot;تكتل لبنان الواحدquot; شهروا موقف الورقة البيضاء، معيدين بري إلى الرقم نفسه الذي أحرزه بعد دورة الإنتخابات السابقة عام 2005 ( 90 صوتاً).

عنت النتيجة أيضاً أن الحريري المتفاهم مع بري على انتخابات رئاسة المجلس ورئاسة الحكومة المقبلة والملامح العامة لتشكيلتها وتوزيع الحصص فيها ليس في وارد التخلي عن حلفائه المعترضين في قوى 14 آذار / مارس لا سيما المسيحيين منهم، وتركهم عرضة للإستفراد والشعور بتهميش دورهم وعدم سماع رأيهم، خصوصاً أن الشعارات والمطالب التي رفعوها تلقى هوى لدى فئات واسعة من الشارعين السني والدرزي في ما يتعلق بأداء الرئيس بري خلال ولايته الأخيرة والتي اتسمت بتعطيل عمل البرلمان والتماهي مع سياسات quot;حزب اللهquot; على حساب العمل الإشتراعي والمؤسسات الدستورية، فضلاً عن مشاركته في عملية 7 أيار / مايو عبر عناصر حركة quot;أملquot; في بيروت وأجزاء من الجبل. عملية يسعى الحريري وجنبلاط وكذلك بري وquot;حزب اللهquot; إلى محو آثارها النفسية. وبعد ظهر الأربعاء في جلسة إطلاق quot;تكتل لبنان أولاًquot; الأكبر في مجلس النواب إذ ضم 41 نائباً من كتلة quot;المستقبلquot; ومستقلين من قوى 14 آذار، سمع رئيس التكتل الحريري كلاما اعتراضيا على انتخاب بري مجددا بري quot;باسم جمهور 14 آذارquot;، وعندما تكرر ذلك قيل إن الحريري، رد منبها الحاضرين بأن لا يزايد عليّ أحد، فأنا أخذت 7 أيار بصدري، وأنا دفعت الثمن، وإذا كنا حريصين على العيش المشترك يجب أن نمد يدنا الى الرئيس نبيه بريquot;.

وكانت أحزاب الجناح المسيحي في قوى الغالبية تدرك وتقر مع quot; تيار المستقبلquot; والحزب التقدمي الإشتراكي بأن لا مفر من تجديد ولاية الرئيس نبيه بري للمرة الخامسة لأن لا بديل منه عملياً ولا منافس له. لكنها كانت تفضل أن يكون إنتخابه في إطار سلة تفاهمات متكاملة تشمل البيان الوزاري وتوزيع المقاعد الوزارية والحصص في الحكومة العتيدة، فلا يؤدي التعامل بالمفرق وببرغماتية واضحة مع كل استحقاق إلى نقل الإختلافات في وجهات النظر إلى فريق 14 آذار/ مارس المتنوع، في حين تبقى قوى المعارضة جبهة واحدة وبقيادة موحدة، ما يجعلها في موقع فرض الشروط.

في المقابل رأى الفريق السالك طريق العمل السياسي quot;العمليquot; أن اعادة انتخاب الرئيس بري ليس مسألة استراتيجية. وان الإنتصار في الإنتخابات لا يعني قدرة قوى الغالبية على الحكم لألف سبب وسبب. وان أقصى الممكن تحقيقه هو إقامة توازن بين الشرعية والسلاح غير الشرعي، في نوع من مساكنة تمنع الفريق المسلح من إملاء شروطه، على غرار ما حصل في quot;مؤتمر الدوحةquot; بعد 7 أيار/ مايو 2008. وكان واضحاً في الوقت نفسه أن لا أحد يريد تفجير الوضع مجددا من خلال quot;مقاطعةquot; أو حشر فريق المعارضة إلى درجة تعيد التوتير في السياسة والإعلام، ومن ثم في الشارع كما حصل سابقاً. وهذه نقطة يتفق عليها الجميع في 14 آذار.

أما في موضوع محاولة التوصل إلى quot;سلة تفاهمquot; تشمل التوزيع الحكومي، فلا يرى ثنائي quot;المستقبلquot; ndash; التقدمي أن في الإمكان الخوض في هذا المجال قبل ظهور نتائج المساعي الجارية في الخارج لتسهيل ولادة الحكومة وانطلاقتها، لأنها هي التي تحدد quot;السقوفquot; أو حدود التفاوض والممكن والمستحيل في العروض ومشاريع التشكيلات. كذلك يجب الإنتظار بعض الوقت حتى جلاء تداعيات الأحداث التي شهدتها إيران وشكلت ما يشبه تمرداً على quot;ولاية الفقيهquot; ومعرفة انعكاساتها في لبنان.

ويتفق أصحاب وجهتي النظر تماما على نقطتي عدم القبول بالثلث المعطل أو الضامن، وحتى عدم إعطاء وزارات سيادية لفريق 8 آذار/ مارس فتكون وزارة الخارجية والمغتربين على سبيل المثال من حصة رئيس الجمهورية إذا تطلب الأمر وسمحت الظروف. وفي موضوع البيان الوزاري، الذي يشكل خطة عمل الحكومة المقبلة، لا يتوقع دعاة التعامل بإيجابية ( في 14 آذار) مع الطرف الآخر في لبنان أن ثمة إمكانا للتوصل عمليا إلى صيغة لتناول سلاح المقاومة تتجاوز بيان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الحالية التي تصرف الأعمال.

ويلفت هؤلاء إلى حقيقة يدركها الجميع، لكن بعضهم يغفل عن ذهنه أحياناً، هي أن سلاح quot;حزب اللهquot; بات سلاحا إقليميا ويرتبط بالوضع في المنطقة، وبالتالي لا مهرب من إحالته على طاولة الحوار الوطني التي لم يعد أحد يعرف ما إذا كانت ستنعقد مجددا على المدى المنظور بعد الحركة النشطة في quot;إعارة النوابquot; وتركيب الكتل داخل فريق المعارضة، وتحديدا كتلتي النائبين سليمان فرنجية وطلال إرسلان وثنائي الحزبين السوري القومي الإجتماعي ndash; البعث، ما سيستلزم من رئيس الجمهورية ميشال سليمان مخيّلة خلاقة لإطلاق صيغة quot;الطاولةquot; مجددا.

ولا يتردد دعاة التعامل بإيجابية وانفتاح في قوى 14 آذار في التأكيد أن قرار رئيس كتلة quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري المبدئي حتى الآن بالتقدم إلى مسؤولية رئاسة الحكومة، لا يعني أبدا أنه سيمضي في هذا الخيار إذا اصطدم بعراقيل وشراك ابتزازية، وإذا لاحظ نيات للمشاكسة على غرار تلك التي عاناها والده الرئيس رفيق الحريري خلال رئاسته للحكومات. وفي هذه الحال سيعتذر سعد الحريري ويبقى في السرايا الرئيس فؤاد السنيورة الذي quot;تعوّدوا عليه وتعوّد عليهمquot;، كما كتبت quot;إيلافquot; سابقاً.