وصل التوتر بين واشنطن وتل أبيب إلى مستويات غير مسبوقة، بلغت حد إشاعة نية الولايات المتحدة سحب الحماية الدولية التي توفرها لإسرائيل في المحافل الدولية، على خلفية التصادم في مسألتي الاستيطان والملف النووي الإيراني.


دبي: ليس الأميركيون وحدهم من يأخذون على رئيسهم باراك أوباما أنه لم يكن عسكريًا، ولم يختبر المواقف الخطرة في الميدان.

فالاسرائيليون ايضًا يفاخرون الأمة الأميركية بقياداتهم السياسية، التي مرت بمعمودية النار في جبهات القتال مع دول الجوار العربي، أو ضد العمليات التي كان "الفدائيون" الفلسطينيون، أو المخربون بحسب التوصيف الاسرائيلي المعتاد، ينفذونها ضد مصالح إسرائيلية حول العالم.

نقمة متبادلة

ففي 8 أيار (مايو) 1972، وبينما كان الشاب باراك أوباما يدخن الحشيش، ويسمّر جسده النحيل في هاواي، كان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي، يشارك في عملية تحرير الطائرة الاسرائيلية التي تم اختطافها في رحلة بين فيينا وتل أبيب، وجرح خلالها. وهذا ما يجعل نتنياهو بطلًا مكرمًا في عيون شعبه، حتى في عيون من لا يوافقه في السياسة.

وحين اذاعت القناة السابعة الإسرائيلية قبل ايام أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمر وزير خارجيته جون كيري، قبل ايام من الاعلان عن الاتفاق النووي المبدئي بين إيران والغرب، بالرد على أي مكالمة هاتفية واردة من نتنياهو، لأنه لا يرغب شخصيًا في التحدث إليه، استشاط بعض الاسرائيليين غيظًا.

ولم يكن هذا نابعًا من قلقهم بسبب التوتر غير المسبوق بين إسرائيل والولايات المتحدة، بل من نقمة على أوباما، لأسباب عدة منها موقفه من الاستيطان في الضفة والقطاع، وموقفه المتردد من السياسة النووية التي تنتهجها طهران.

ناقم

أتى الاتفاق النووي عن طهران ليزيد طين العلاقات بين واشنطن وتل أبيب بلة. فأوباما ناقم على نتنياهو، إذ يتهمه بتصميمه على إفشال كل مساعيه الجادة للتوصل لإتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي، وعلى رفض وقف النشاط الإستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، خصوصًا أن أوباما وعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتجميد الإستيطان أثناء جولات محادثات السلام.

تشبّه واشنطن بوست محادثات أوباما - نتنياهو بشأن برنامج طهران النووي بمحادثات جرت في العام 1981 بين الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن، حول موافقة الكونغرس على تزويد السعودية بطائرات أواكس.

رفض بيغن إتمام الصفقة، بينما اصر عليها ريغان، وعقدها رغم رفض الاسرائيليين وخوفهم على أمنهم. فبالرغم من اعتماد الحجة نفسها، أي الخوف على أمن دولة إسرائيل وامانها من التهديد النووي الإيراني، عقد أوباما الاتفاق مع نظام الملالي في طهران، من دون أن يستمع إلى نتنياهو الذي دعا لزيادة العقوبات على إيران، "لأنها تحت ضغط اقتصادي كبير، واستمرار العقوبات وتعزيزها قد ينتجان حلًا دبلوماسيًا أفضل، بطريقة سلمية".

ندًا لند

أراد نتنياهو معاملة أوباما ندًا لند، فطار في زيارة استثنائية إلى روسيا، إذ أراد توجيه رسالة للادارة الأميركية، مفادها: "أوباما خسر الكثير بسبب وقوفه مع الاخوان المسلمين في مصر، فدفع بالقاهرة نحو موسكو، وهو يكرر ذلك بوقوفه إلى جانب إيران، دافعًا بتل ابيب أيضًا نحو موسكو"، بحسب مراقبين.

إلى ذلك، يحاول نتنياهو أن يستعيد "لحظة نصر" أول رئيس لوزراء إسرائيل ديفيد بن جوريون، حين تحدى واشنطن وأجبرها على احترامه في 29 أيار (مايو) 1949، ورفض الرضوخ لإرادة وزير الخارجية الاميركي الجنرال جورج مارشال بالامتناع عن اعلان الاستقلال. فكان لبن غوريون ما أراد، وترجعت واشنطن.

أما ذروة خلاف أوباما – نتنياهو فكانت ايام الإنتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2012، بتأييد نتنياهو العلني للمرشح الجمهوري ميت رومني، وذهابه إلى واشنطن ليدعمه علنًا، لأنهما صديقان قديمان كما قال. حتى أنه وقف متحديًا أوباما في البيت الأبيض أمام الصحافيين رافضًا إيقاف بناء المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية.

ليس آخر المطاف

انتصر أوباما في النزاع حول إيران، الذي قسّم الاسرائيليين انفسهم، حتى أن غالبية إسرائيلية حملت نتنياهو مسؤولية حصول الاتفاق، بسبب موقفه المتعالي في التعامل مع أوباما وإدارته، واحراجه علنًا فى مسألة المستوطنات.

انعكس موقف الرأي العام الإسرائيلي على تعاطي نتنياهو مع المسألة الإيرانية، فانسحب من "رفض الاتفاق" إلى محاولة إقناع أوباما بإبقائه موقتًا، وعدم تحويله إلى دائم وثابت.

لكن هذا الانتصار اليوم ليس آخر المطاف، لأن ما يعرف باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لن يرضى باستمرار هذا التردي في العلاقات الأميركية الاسرائيلية.

وتشهد واشنطن جدلاً بعد أن قال الصحافي الأميركي اليهودي جيفري غولدبرغ إن الخلافات هذه ناتجة من تصرفات نتنياهو العنجهية. فالادارة الأميركية، بحسب غولدبرغ، تجد نفسها في موقف حرج، إذ تضطر في كل مرة لتعريض سمعتها ومصداقيتها الأممية بسبب استدامة استخدامها حق النقض بوجه اي قرار يدين إسرائيل.

سحب الحماية؟

وغولدبرغ، أو لسان حال اللوبي اليهودي في واشنطن بحسب مراقبين، يحتفظ بشبكة علاقات بالغة الأهمية مع الادارة الاميركية بداية بالرئيس أوباما نفسه، وامتداداً لأعضاء مجلسه الأمني القومي، وصولًا إلى الكونغرس ومؤسسات الأبحاث، ينقل عن مسؤول رفيع المستوى في إدارة أوباما قوله إن نتنياهو لا يهتم إلا بمستقبله السياسي، "فلن يفعل شيئًا للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وهو جبان في موقفه من الملف النووي الإيراني".

أتى الرد على هذا الكلام من أحد وزراء ائتلاف نتنياهو الحكومي، فقال: "هذا يعني إلقاء إسرائيل تحت عجلات الحافلة، وهذا الحديث إهانة، لم يوجهها المسؤول الأميركي لرئيس الوزراء الإسرائيلي فقط، بل لجميع اليهود".

ولا بد أن التوتر وصل إلى نقطة لا رجوع، إذ ترددت الأربعاء أنباء في أروقة مناصرة لإسرائيل بواشنطن، عن نية الإدارة الأميركية سحب الحماية الدبلوماسية المعهودة والممنوحة لإسرائيل في المنظمات الدولية، بعد انتهاء الانتخابات النصفية في 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، بالتزامن مع تقديم الفلسطينيين مشروع قرار في مجلس الأمن لوضع سقف زمني لانهاء الاحتلال. لكن مصدرًا مقربًا من الجانبين وضع هذا في خانة الضغوط الأميركية على إسرائيل.