يعرّض الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني قسمًا كبيرًا من مصداقيته للخطر في المفاوضات النووية مع القوى العظمى، التي وعد بأن تسفر عن نتائج، تتيح إنعاش اقتصاد بلاده المأزوم، لأن إقناع المحافظين، يتقدمهم خامنئي، بضرورة تقديم بعض التنازلات، يبدو مهمة شبه مستحيلة.


فيينا: كان روحاني جعل في 2013 من خبرته في المفاوضات النووية مع الغرب في مستهل العقد الماضي، محور حملته للانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أنه أفضل من يمكنه التوصل إلى إبرام اتفاق. وقد وعد بأن يؤدي هذا الاتفاق إلى إنعاش الاقتصاد الإيراني، الذي تأثر كثيرًا بالعقوبات الدولية، وإنهاء عزلة الجمهورية الإسلامية على الصعيد الدولي.

لكن المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، المثير للخلاف، التي دخلت الثلاثاء مرحلتها الأخيرة في فيينا، تقسم إيران، لأن الشريحة المتشددة في النظام ترفض تقديم أي تنازل للغرب.

عائق المرشد
ويواجه الرئيس روحاني من جهة ثانية مهمة بالغة الحساسية، تقضي بإقناع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يقول الكلمة الأخيرة في الملف النووي، بفوائد اتفاق على البرنامج النووي الإيراني.

واعتبر داود هرميداس باوند، الخبير السياسي والباحث التاريخي، أنه "إذا ما تبيّن أن هذه المفاوضات قد فشلت أو اعتبرت فاشلة، سيجد روحاني نفسه في موقف بالغ الصعوبة". وأضاف في تصريح لوكالة فرانس برس أن "المتشددين الذين يهددون مناخ التعاون (في المفاوضات) سيقولون إن روحاني قد فشل، وسيكون من الصعب عليه أن يقول إنه أوفى بوعوده".

ويهاجم المحافظون سياسة الاعتدال والانفتاح، التي يعتمدها روحاني، ودائمًا ما يوجّهون انتقاداتهم إلى أعضاء الحكومة. ومن شأن دعم صريح يعلنه آية الله خامنئي لاتفاق نووي، أن يسكت الانتقادات الموجّهة إلى فريق المفاوضين، الذي يرأسه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وسيمد الحكومة بالقوة الضرورية لمتابعة سياستها.

منصب في مهب التشدد
وإذا لم يتأمن هذا الدعم، فسيكون موقف روحاني ضعيفًا، وقد يؤدي ذلك إلى سقوط وزير خارجيته، كما اعتبر سيافوش رندجبار- دائمي، الخبير في الشأنين الإيراني والشرق أوسطي في جامعة مانشستر. وقال إن "التوقعات التي أوجدتها هذه الحكومة ستمنى بالفشل، وستهتز صورتها الناجحة عن أنها تضم مسؤولين قادرين على التوصل إلى حل ملائم للملف النووي".

ويؤكد روحاني أن المشكلة تكمن في التوصل إلى نتيجة "مطابقة لمصالح الأمة"، من خلال الحفاظ على برنامجها النووي وإقناع الغرب بطابعه السلمي. وأشادت إيران وبلدان مجموعة 5+1 (الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا) بالمناخ الجديد للمفاوضات منذ بدئها في أيلول/سبتمبر 2013، وتؤكد أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق في فيينا.

لكن مطالب طهران تزداد لدى كل استحقاق. وفي السابع من تموز/يوليو، قبل نهاية الاتفاق الموقت، الذي تم تمديده حتى تشرين الثاني/نوفمبر، وضع آية الله خامنئي شروطًا جديدة. وأكد أن إيران تريد حيازة قدرة على التخصيب تفوق 20 مرة حجمها الحالي، خلافًا للخفض الكبير الذي تريده البلدان الغربية.

مجازفة لا واقعية
وتطالب ايران من جهة ثانية برفع فوري وشامل للعقوبات الاقتصادية الدولية، في حال التوصل إلى اتفاق، إلا أن الفريق الآخر يعتبر هذا المطلب "غير واقعي أبدًا". وقد يكون ذلك مجازفة، كما يعتبر رندجبار-دائمي، الذي يحذر الغربيين أيضًا من الفشل.

وقال هذا الأستاذ الجامعي إن "الرسالة التي يريد الإيرانيون توجيهها، بطريقة لبقة، هي إمكان وصول فريق من المفاوضين مختلف جدًا إذا ما أخفقت المفاوضات". وأضاف "لذلك يجب عقد اتفاق طالما توافر هامش للمناورة" مع الفريق الحالي. وهو اتفاق يضمن أيضًا رفع العقوبات، التي تخنق البلاد، وعودة الاستثمارات الأجنبية وإنعاش الاقتصاد. لكن إذا ما فشلت المفاوضات، تتعيّن على روحاني مواجهة ارتياب رجال الأعمال، الذين يعلقون كثيرًا من الآمال على التوصل إلى اتفاق، كما يقول رندجبار - دائمي.&

على المحك
هذا وتبدو الجولة الأخيرة من المحادثات حول الملف النووي الايراني على المحك الخميس، بعدما اعربت بريطانيا عن تشاؤمها في امكان التوصل الى اتفاق قبل مهلة الاثنين.
واعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند من لندن أن اكثر ما يأمل به هو احراز تقدم كافٍ لتبرير تخصيص مزيد من الوقت بعد مهلة الاثنين.

وقال هاموند الاربعاء "لست متفائلاً بامكانية الانتهاء بحلول الاثنين. الا انني اعتقد أنه في حال تمكنا من انجاز بعض الخطوات الاساسية، فقد نجد السبيل لتمديد المهلة المحددة للتوصل الى اتفاق نهائي، في حال انجزنا تقدمًا في الاتجاه الصحيح". وشدد متحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية على أن المفاوضين "لا يزالون يركزون" على التوصل الى اتفاق بحلول الاثنين، وهو ما يشكك به عدد كبير من الخبراء، خصوصًا بعد تفويت مهلة اولى في 20 تموز/يوليو.

ويبدو انه تم التوصل الى تسوية موقتة حول بعض المسائل، مثل مستقبل مفاعل اراك، وتشديد عمليات التفتيش لرصد افضل لأي محاولة لتصنيع قنبلة ذرية. لكن تبقى مسألتان اساسيتان، هما تخصيب اليورانيوم لغايات سلمية، وايضًا بنسب تتيح تصنيع اسلحة ووتيرة رفع العقوبات عن ايران في حال التوصل الى اتفاق. وتريد ايران زيادة عدد اجهزة الطرد لتأمين وقود كافٍ لمفاعلاتها المستقبلية على حد قولها، بينما يريد الغرب أن تحدّ من عددها الى النصف تقريبًا.

تعاقد روسي
وتقول القوى العظمى إن ايران لا تحتاج هذه الكمية من الوقود في المستقبل القريب، اذ انها تعاقدت مع روسيا حتى العام 2021 لتأمين وقود للمفاعل الوحيد في بوشهر. وكانت ايران وقعت في الاسبوع الماضي اتفاقًا لبناء مفاعلات أخرى. ويفترض أن يتوجه وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظراؤه من الدول الست الى فيينا في وقت لاحق هذا الاسبوع. لكن من غير المنتظر وصول كيري قبل بعد ظهر الخميس على اقرب تقدير، وذلك بعد زيارة الى باريس للقاء نظيريه الفرنسي والسعودي لوران فابيوس والامير سعود الفيصل.

ولن يشارك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الا في حال تحقيق تقدم كافٍ، حسب ما اعلن كبير المفاوضين الروس سيرغي ريابكوف. ونقلت وكالة الانباء الروسية ريا نوفوستي عن مصدر روسي أن "امورًا كثيرة مرتبطة الآن بزيارة كيري"، موضحًا ان "التوصل الى اتفاق يتوقف على رغبة وقدرة الولايات المتحدة على رفع العقوبات" عن ايران.

وقال محلل& لدى جمعية مراقبة الاسلحة كيلسي ديفنبورت لوكالة فرانس برس: "لا يزال من الممكن التوصل الى اتفاق بحلول 24 تشرين الثاني/نوفمبر". واضاف ديفنبورت أن "الجانبين ملتزمان التوصل الى اتفاق جيد، وهناك ما يكفي من& الوقت على الجدول الدبلوماسي لتحقيق ذلك. من الممكن تجاوز العقبات الباقية اذا اراد الجانبان إبداء بعض المرونة".

لا تنازل في تحويل أراك
من جانبه، استبعد كبير المفاوضين الإيرانيين علي أكبر صالحي الخميس تحويلًا لمفاعل آراك النووي، الذي يمكن استخدامه لتصنيع قنبلة ذرية، وذلك خلال المفاوضات الجارية مع القوى العظمى في فيينا.

وكانت إيران أعلنت إجراء تعديلات على هذا المفاعل، الذي يعمل بالمياه الثقيلة، والذي لا يزال قيد الإنشاء من أجل الحد من كمية البلوتونيوم، التي ستنتج فيه، بينما الغربيون يريدون أن تتخلى ايران عن المشروع بشكل كامل.
&