نصح الخبير الاقتصادي صلاح جودة رئيس مصر القادم بتطبيق الدستور على الصناديق الخاصة، ما يوفّر 110 مليارات جنيه، ويحلّ اشكالية الحد الادنى للأجور.


محمد نعيم من القاهرة: يتقن الحديث بلغة الارقام، مهموم حتى النخاع بمشاكل مصر الاقتصادية وكيفية مواجهتها بعد ثورتي كانون الثاني (يناير) 2011، وحزيران (يونيو) 2013... إنه الخبير الاقتصادى الدكتور صلاح جودة، وكيل مؤسسي حزب الشعب، التقته quot;ايلافquot; للوقوف على آليات يجب على رئيس مصر القادم تبنيها للخلاص من الأزمة الاقتصادية او ربما تخفيف حدتها.

وضع جودة النقاط على الحروف في عدد ليس بالقليل من الاشكاليات الاقتصادية، كما وضع حلولًا جوهرية لكيفية التعاطي معها، مشيرًا في حواره لـ quot;ايلافquot;، الىانه وضع امام الببلاوي العديد من تلك الحلول، الا أن الاخير لم يعرها اهتمامًا، ما ادى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد.

في ما يأتي متن الحوار:

هل استقالة حكومة الببلاوى أول المؤشرات الجيدة على حسن تعاطي الرئيس المقبل مع الملف الاقتصادي؟

استقالة الببلاوي كانت شرًا لا بد منه. فالاستقالة جاءت لتغيير الببلاوي برئيس وزراء جديد وحكومة جديدة تعطي الفرصة لتهدئة المطالب الفئوية، التى اتسعت لتشمل معظم الفئات، من عمال وسائقين واطباء وصيادلة وفئات أخرى. فالحكومة الجديدة ستعطى مبررًا لمطالبة هذه الفئات بضرورة الصبر لفترة ما، وضرورة اعطاء الحكومة الجديدة الفرصة لدراسة الموقف والتفاوض بشأنه، كما أن حكومة الببلاوى لم تحقق ما كان مرجوًا منها. واكثر اخطائها فداحة كان اعلانها عن تطبيق الحد الادنى للاجور في اواخر كانون الثاني (يناير) الماضي، وجاء شباط (فبراير) ولم تتحرك الجهات والهيئات الحكومية لتطبيقه، وفوجئ موظفون وعمال بانه يطبق بشكل انتقائي من دون عدالة اجتماعية.

قلت إن تمرير دستور 2013 يجلب لمصر 110 مليارات جنيه، فهل قصدت المساعدات السعودية والاماراتية؟

تحدّيات واستحقاقات أمام الرئيس المصري الجديد

قلت ذلك، ولكنني ربطته بتطبيق حقيقى للمواد المتعلقة بالخطوط العريضة للموازنة العامة في الدستور. استندت في ذلك إلى أن المادة الدستورية الخاصة بوضع جميع ايرادات وموازنات الدولة في موازنة واحدة دون استثناء ستلغى الصناديق الخاصة، وهي صناديق سرية فيها 110 مليارات جنيه، ولو كنا طبقنا الدستور عليها لكنا وجدنا مصدر تمويل للحد الادنى للاجور يغطى كل العاملين في الحكومة والقطاع العام، حيث يحتاج ذلك إلى 114 مليار جنيه، وهناك في الدستور مواد اخرى كان تطبيقها سيساهم في توفير باقي المبلغ.

رجال مبارك

ما أهم واخطر التحديات التى ستواجه الرئيس المصري القادم؟

تحديات كثيرة، أخطرها طموح الشعب المصري بعد ثورتين. فالناس قد تتنازل عن الديمقراطية، الا انها لن تتنازل ابدا عن حلمها في تحقيق تنمية اقتصادية يتم توزيع عوائدها بشكل عادل، وهذا يضع أمام الرئيس القادم تحديًا آخر، وهو تنقية وتعديل منظومة القوانين الاقتصادية في الدولة، وسن القوانين اللازمة التى تحقق التنمية الاقتصادية العادلة، وتحقق العدالة الاجتماعية، فلا بد من تعديل القوانين التى تكرس الفساد السياسي والاقتصادي المقنن، ولا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد.

في مصر موظفون يحصلون على اكثر من 60 مليون جنيه في السنة، وهناك تفاوت كبير في الاجور لا بد أن يكون له حل نهائى، لانه لم يعد مقبولًا بعد ثورة، ومن التحديات ايضا التى ستواجه الرئيس القادم جذب الاستثمار الاجنبي، وتشجيع الاستثمار الوطنى وكيفية تنويعه في ظل حالة الاستقطاب التى فرضت على مصر دوليًا، بحيث لا يكون الاستثمار الاجنبى خليجيًا فقط أو روسيًا فقط، وانما يكون متنوعًا حتى لا تقع مصر في فخ التبعية.

الا ترى الاحتكار الاقتصادي في مصر تحدّيًا على الرئيس القادم مواجهته؟

نعم، هو أحد أخطر التحديات، ويحتاج لوقفة حاسمة من منظور وطنى مع رجال أعمال لهم نفوذهم، وتنتمى لنظام مبارك البائد، كمحتكري صناعة الحديد والاسمنت. فالدولة خسرت حوالى 200 مليار جنيه نتيجة بيع واحتكار صناعات معينة، منها مثالًا لا حصرًا صناعة الحديد والأسمنت والمقاولات والغزل والنسيج، فضلًا عن صناعة الأسمدة التى يحتكر 40 بالمئة منها واحد من رجال جمال مبارك. واعتقد أن الرئيس القادم سيواجه تحديًا آخر، هو اعادة الاموال المنهوبة، وتطهير البلاد من الفساد المتراكم، سواء في عهد مبارك أو في سنة حكم مرسى. ففاتورة فساد المخلوع وصلت إلى 1,5 تريليون دولار، فضلا عن فساد واهدار مال عام في بيع اراضٍ في السنوات العشر الماضية بقيمة، تصل إلى 300 مليار دولار.

الاستفادة من الهدر

استمرار الاخوان في تكريس الفوضى بالشارع هو أحد التحديات، فكيف يتعامل الرئيس القادم معها؟

الانجاز الاقتصادى يستلزم استقرارًا سياسيًا، ويوجب وجود مجتمع موحد على تحقيق اهداف عليا نسميها أهدافًا قومية. والرئيس القادم سيكون بحاجة إلى الاستقرار لتحقيق الانجاز، وضمان الحصول ولو على الحد الادنى من الرضى الشعبى. فمثلًا، السياحة صناعة يفوق حجمها 15 مليار دولار، اي ما يعادل 105 مليارات جنيه. ولا يمكن أن يعود ذلك الا بعد القضاء التام على الارهاب وعلى ممارسات الاخوان، وهذا يحتاج رئيسًا ذا افق سياسي قادر على تحقيق اللحمة المجتمعية ولو بمصالحة وطنية، تراعى فيها ضرورة محاسبة الايادي الملوثة بالدم.

وكيف يواجه الرئيس القادم تلك التحديات؟

لا بد من توافر الارادة السياسية لمواجهتها، بتشكيل حكومة على أساس الكفاءة المقرونة بالخبرة، لتحقيق حزمة مطالب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) ومكملتها 30 حزيران (يونيو)، خاصة المطالب الاقتصادية، والاسراع في تعديلات قوانين وسن أخرى تخلص مصر من قوانين سنت لخدمة 20 اسرة فقط تحتكر اهم الصناعات، وابتكار حلول على اساس الاستفادة من الاموال المهدورة في أمور تافهة لتمويل مشروعات انتاجية توفر فرص عمل للشباب. ولدي دراسة كاملة حول التحديات والحلول يمكن للرئيس القادم وحكومته أن يطلعوا عليها، ولدينا مقررات مؤتمر اقتصادي عقدناه أيام مرسي، لم يحضره وزراء حكومته، وخرجنا منه بتوصيف كامل للمشاكل والتحديات والحلول، وكلها جهود علمية في متناول كل من يريد مواجهة التحديات وحل المشاكل، ويكفي لاظهار خطورة حجم التحديات التذكر أن حجم الاحتياطي قليل، اكثر من نصفه اموال لدول اخرى كالسعودية والامارات، والديون الخارجية تزيد عن 100 مليار جنيه، ناهيك عن دين داخلى لا مثيل له في الدول الاخرى، ومساعدات تصرف على مؤتمرات وحفلات، منذ عهد مبارك وحتى الآن.

لا حياة لمن تنادي

لماذا لم تعط هذه الحلول لحازم الببلاوى قبل استقالة حكومته؟

اعطيتها لحكومة الببلاوى لكنها لم تفعل شيئًا. كانت تلك الحكومة تعتبر نفسها حكومة موقتة، وتتخوف من اتخاذ قرارات قوية على الصعيد الاقتصادى. فبعد مجيء الببلاوي رئيسًا للحكومة اعطيته 40 قرارًا لحل مشاكل قطاعات كثيرة في الاقتصاد المصري، لكنه لم ينفذ ايًا منها. ولفت انتباه الببلاوى إلى 78 مشروعًا اقتصاديًا متوقفًا بتكلفة 200 مليار جنيه، واعادة تشغيلها يوفر 1,5 مليون فرصة عمل لشباب مصر، بما يتماشى مع طموح الشعب بعد ثورتى 25 كانون الثاني (يناير) و30 حزيران (يونيو). وأوضحت للببلاوي أن مصر تستورد سلعًا ومنتجات يسهل صناعتها محليًا، ولو فعلنا ذلك سنوفر مليارات الجنيهات، وفرص عمل للشباب. لكن لا حياة لمن تنادى.

هل تحتاج مواجهة هذه التحديات رئيسًا مدنيًا ام رئيسًا بخلفية عسكرية؟

لا شك في أننا في مرحلة لها ظروفها ومعطياتها، وتحتاج المرحلة لرئيس شخصيته قوية، لديه الارادة السياسية للخروج بمصر من عنق الزجاجة، بصرف النظر عن الخلفية. وانا مقتنع بأن المرحلة تحتاج إلى أفكار اكثر من حاجتها إلى أشخاص، وتحتاج إلى حكومة لديها حس وطنى وسياسي، ومؤمنة بالمبادئ والمطالب التى دفع ثمنها الشعب المصري، ولا أشك في أنها لا تحتاج رئيسًا ضعيفًا بكل المقاييس كالمعزول مرسي. ولكي تنهض الدولة نحتاج جميعًا لبناء اقتصادها على العلم والمعرفة والتنمية العادلة، كما نحتاج لانكار الذات وإعلاء قيمة الوطن.