تتلاشى الأمال شيئًا فشيئًا في حل لغز اختفاء الطائرة الماليزية، بسبب اقتراب صندوقها الأسود من التوقف عن بث الإشارات، والأمل اليوم في تمكّن السفينة الأسترالية أوشن شيلد من كشف مكان الحطام سريعًا.


دبي: على الرغم من التحذير الروسي بفقدان الطائرة الماليزية المفقودة إلى الأبد، بسبب التوقف المنتظر للصندوق الأسود عن بث الاشارات، أعلنت أستراليا الاثنين رصد إشارات جديدة في المحيط الهندي، متطابقة مع الإشارات فوق الصوتية التي تصدرها الصناديق السوداء.

الصندوق الأسود يسجل جميع المعلومات المتعلقة بأداء الطائرة

إشارات مباشرة

وفي هذا الاطار، قال إنغوس هيوستن، رئيس مركز تنسيق وكالات الدول المشاركة في عمليات البحث عن الطائرة الماليزية: quot;تم رصد إشارات تصدر من أعماق المحيط، وهذا أمر يبشّر بأن المحققين باتوا قريبين جدًا من المكان الذي يجب أن يبحثوا فيه عن حطام الطائرةquot;. وهذه معلومات مبشرة فعلًا، عشية انقضاء شهر على اختفاء الطائرة، في ظل الخوف من توقف الصندوقين عن بث أي إشارات بصورة نهائية، كما هو متوقع.

وأوضح هيوستن أن سفينة أوشن شيلد الاسترالية ، المزودة بجهاز لالتقاط الإشارات على مسافة ثلاثة آلاف متر تحت سطح البحر، رصدت ذبذبات صوتية في مكان في المحيط الهندي يختلف عن المكان الذي رصدت فيه سفينة صينية ذبذبات في وقت سابق. وقد استمرت الاشارة الأولى ساعتين وعشرين دقيقة، واستمرت الثانية 13 دقيقة. وخلال بث الإشارة الثانية كانت تسمع موجتان متمايزتان.

وسيتم ارسال الغواصة بلوفين-21، التي يتم التحكم بها عن بعد، إلى أعماق المحيط، لكن ليس قبل ايام، إذ إن السلطات تأمل في تحديد منطقة البحث بشكل أدق.

صندوق أسود

بعد شهر على اختفاء الطائرة الماليزية، يتساءل العالم: quot;هل نفذ الوقت للعثور على الصندوق الاسود، فتذهب الطائرة في غياهب النسيان، فلا تنكشف ملابسات أكثر الألغاز غموضًا في تاريخ حوادث الطائرات؟quot;

لكن ما هو الصندوق الأسود، الذي تتعلق به كل الآمال؟ إنه ذاكرة كل رحلة جوية، يسجل جميع المعلومات المتعلقة بأداء الطائرة، والمحادثات التي تجري في مقصورة القيادة، وطاقة بطاريته تكفي 30 يومًا فقط، ما سيجعل من مهمة العثور على الطائرة الماليزية أو حطامها من باب الصدف لا أكثر.

وتلزم القوانين الدولية جميع الرحلات التجارية بحمل جهازي تسجيل معلومات خاصين بأداء الطائرة وظروف الرحلة أثناء الطيران. يعتقد كثيرون أن لون الصندوق أسود، وهذا خطأ، فلونه برتقالي أو أصفر لتمييزه بسهولة بين حطام الطائرة. أما التسمية فذهب البعض إلى ردّها للكوارث الجوية وحوادث تحطم الطائرات التي يرتبط بها هذا الجهاز، الذي يسمى أيضًا مسجل معلومات الطائرة.

راحة اليد

في ستينات القرن العشرين، فكر الباحثون في تطوير جهاز يستطيع تحمل الانفجارات وتحطم الطائرات والنيران والمكوث في قاع المحيطات وتحمل السقوط من آلاف الكيلومترات.

ومنذ العام 1953، كان خبراء الطيران يجاهدون لمعرفة أسباب حوادث سقوط عدد من طائرات شركة كوميت التي بدأت تلقي ظلال الشك على مستقبل الطيران المدني برمته. وبعد عام، اقترح عالم الطيران الأسترالي، ديفيد وارن صنع جهاز لتسجيل تفاصيل رحلات الطيران، فكان الجهاز الأول أكبر من حجم اليد، ويستطيع تسجيل أربع ساعات من الأحاديث التي تجري داخل مقصورة القيادة وتفاصيل أداء أجهزة الطائرة.

رفضت سلطات الطيران الأسترالية الجهاز، وقالت إنه عديم الفائدة، فنقل وارن ابتكاره لبريطانيا حيث تم تطويره واعتماده عالميًا.

صندوقان

في كل طائرة صندوقان، يقعان في مؤخرة الطائرة. وظيفة الصندوق الأسود الأول حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية كالوقت والسرعة والاتجاه. أما الصندوق الأسود الثاني، فوظيفته تسجيل الأصوات كالمشاحنات والاستنجاد والحوارات في قمرة القيادة.

والصندوقان مجهزان ببث غوص ينطلق إذا غاصا في الماء، يطلق إشعارًا فوق صوتي للمساعدة على العثور عليهما. ويبث هذا الإشعار على ذبذبة 37,5 كيلوهرتز، ويمكن التقاطه في عمق يبلغ 3500 متر.

ويحفظ الصندوق الأسود في قالب متين للغاية، مصنوع من مواد قوية مثل التيتانيوم، تحيط بها مادة عازلة تتحمل صدمات تبلغ قوتها أضعاف قوة الجاذبية الأرضية، ولتتحمل حرارة تفوق 1000 درجة مئوية وضغطًا قويًا يعادل ضغط المياه على عمق 20000 قدم تحت البحر. قطع التسجيل ملفوفة بمادة عازلة تحميها من مسح المعلومات المسجلة عليها ومن العطب والتآكل جراء مياه البحر لمدة 30 يومًا.

مدة التسجيل تراوح بين 30 إلى 120 دقيقة، وتبقى المعلومات طويلًا، لأنها تخزن على شريط مغنطيسي أو ذاكرة وميضية.

حريق أو خطف

منذ اللحظة الأولى لاختفاء آثار الطائرة الماليزية، سادت العالم فرضيات كثيرة، خصوصًا مع تصاعد وتيرة الغموض الذي لف هذا الاختفاء. ومن هذه الفرضيات اشتعال الطائرة بالكامل، أي تعرضها لحريق مدمر، أو على الأقل قمرة القيادة التي تعرضت لحريق مفاجئ، ما استلزم الهبوط المفاجئ في أقرب منطقة، وما دفع بالقبطان إلى إغلاق كافة الأنظمة الكهربائية لمعرفة سبب الحريق، لكن داهم الدخان الطيارين وتسبب باختناقهما، فسبحت الطائرة في السماء حتى نفاذ وقودها وسقوطها في المحيط.

وقال أحد المختصين إن الطائرة ربما خطفت وتم اقتيادها إلى الجانب الآخر من الهند، والسبب الرئيس في اختفائها من على الرادار وأجهزة تحديد الموقع هو تخفيها أسفل طائرة شحن أخرى ضخمة، وقد تكون حاليًا على حدود الهند بالقرب من أفغانستان أو باكستان.

انتحار أو انتقال

وقيل الكثير عن فرضية انتحار الطيار، الذي يواجه مشكلات عديدة، خصوصًا أن آخر رسالة من قمرة القيادة كانت وداعية للطائرة. إلا أن التحقيقات لم تتوصل في هذا الاتجاه إلى أي نتيجة حتمية. كما أثار البعض فرضية ولوج الطائرة بمن فيها فجوة كونية سوداء، وانتقالها إلى مجرة كونية أخرى، أي إلى غياهب عوالم أخرى. وتبقى هذه الفرضية غير مقنعة، أو أسطورية في جانب منها.

بالمقابل، يثير الطيار راندي بادفيلد مسألة ضغط الهواء وأهميته للمحافظة على ميكانيك الطائرة عندما تتخطى ارتفاع 8000 قدم فوق سطح البحر، فإن حدث أي خلل وتسرب الهواء لداخل الطائرة ستكون نسبة الأكسجين شبه منعدمة وتتسبب بوفاة كل من على الطائرة. هذا ممكن الحدوث بشكل غير مقصود، أو نتيجة عمل إرهابي مقصود.

بين الخطف والانفجار

من أكثر النظريات قابلية للتصديق انفجار الطائرة على ارتفاع 35 ألف قدم فوق سطح البحر، فلا تترك حطامًا، ولذلك لم يتم العثور عليها حتى الآن. كما يمكن أن تكون الطائرة قد سقطت نتيجة عملية عسكرية غير مقصودة، إذ سبق للولايات المتحدة إسقاط طائرة ركاب إيرانية في ثمانينات القرن الماضي، وتم التكتم عن الأمر إلا بعد مرور أكثر من 20 عامًا.

وفي فرضية أخرى، ما زالت الطائرة تحلق في الهواء وهي مخطوفة، تتزود بالوقود في منطقة لا يطالها الرادار، وتحلق على ارتفاع منخفض يضمن لها إبقاء مكانها سرًا.

إلا أن نظرية الاختطاف غير قابلة للتصديق، فالرحلة 370 وجهت رسالة لبرج المراقبة ليلة انطلاقها يؤكد فيها الطيار أن الأوضاع جيدة وأن كل شيء على ما يرام، فهل حصل الاختطاف المفترض بعد ابتعاده عن ماليزيا؟ إلا أن إغلاق الربان نظام الاتصالات قد يكون مقصودًا لاختطاف الطائرة.

عطل وضوضاء

تقول صحف أوروبية إن سكان بلدة ماليزية ريفية سمعوا ضوضاء عالية ومخيفة في وقت مبكر يوم السبت 8 آذار (مارس) الماضي، وهو أقرب ما يكون إلى صوت محرك عملاق، لكنهم لم يروا شيئًا. ويقول تقرير برج المراقبة إنه فقد الاتصال مع الطائرة في الوقت نفسه تقريبًا، فهل تعرضت الطائرة لعطل ميكانيكي أسقطها في منطقة غير معلومة؟

وهكذا، تتعدد الفرضيات التي تبقى من بنات الخيال، بانتظار أن تتمكن أوشن شيلد الاسترالية من التأكيد أن الاشارات التي التقطتها الاثنين تابعة للصندوق الأسود في ذيل الطائرة الماليزية، فيتم إغلاق ملف هذه المسألة اللغز، التي حيّرت العالم شهرًا كاملًا.