بالتزامن مع إعتقال المدون التونسي المعروف عزيز عمامي، بتهمة إستهلاك مادة (الزطلة) القنب الهندي، تعالت الاصوات المطالبة بمراجعة قانون تجريم المخدرات الذي يسلب كثيرًا من الشباب حرياتهم عوضاً عن الإحاطة بهم.


مجدي الورفلّي من تونس: تعالت مؤخرًا الأصوات في تونس بالتخلّي عن "القانون 52" المتعلّق بإستهلاك القنب الهندي (الزّطلة أو الحشيش) لعدم فاعليّته في الحدّ من إستهلاك الزّطلة وتدميره لمستقبل شباب تونس حسب عديد الإحصائيات والباحثين في علم الإجتماع خاصّة مع غياب الجانب العلاجي والإقتصار على العقوبة السّالبة للحريّة مع غرامة ماليّة.

قانون جائر

تقول منظّمات حقوقيّة إن قانون المخدّرات بشكله الحالي لا يمثّل إلّا أداة لخلق "مجرمين جدد" في المجتمع بسبب واقع السّجون التونسيّة، عوض الإحاطة بالمدمنين على مادّة القنب الهندي، كما أنّه تحوّل لوسيلة ضغط بيد أعوان الأمن على الشّباب التّونسي، إضافة إلى أنّ تحليل الدّم للكشف على الإستهلاك من عدمه يعتبر "إنتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان".

يؤكّد خبراء ومختصّون أنّ القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات يتبنّى مقاربة تشريعية تقوم على أساس تطبيق العقوبة السالبة للحرية للأشخاص، واعتبروا أنّه "غير كفيل بالحدّ من نسبة تعاطي المخدّرات بما فيها الزّطلة (الحشيش)، بل زاد التوجّه نحو إستهلاك مخدّرات أكثر خطرًا".

قمعي بإمتياز

أستاذ القانون الدّستوري بالجامعة التّونسيّة ورئيس جمعيّة حريّات فرديّة، وحيد الفرشيشي، حاول توضيح القانون 52 المتعلّق بالمخدّرات قائلاً: "تجريم المواد المخدّرة يرتكز على نص قانوني خاص، وليس قانون حق عام بل قانون الحق الخاص".

ويرى من خلال إفادته لـ"إيلاف" أنّ القراءة العامة للنص توحي بأنه نص قمعي وليس وقائياً، ومن منطق العقاب وليس الوقاية عكس المنطق الذي يسود جميع أنحاء العالم، سواء كان من منطلق طبي أو قانوني، فإنه منطق الوقاية.

ويقول الخبير القانوني: "القمع واضح في النص القانوني، فهو يطال المستهلك والاشخاص الذين يمكنهم التواجد في مكان يوجد به زطلة (حشيش) والمروّج، وبالتالي فإن المجموعة التي ينطبق عليها العقاب هي مجموعة موسعة، وهذا ليس بالامر العادل".

الفصل 23 من نفس القانون الذي يبيح لأعوان الامن "الدخول في كل وقت إلى المحلات والأماكن التي "قد" توجد بها مواد مخدرة، سواء للإستهلاك أو التصنيع أو الترويج أو التهريب أو التي توجد بها أشياء من شأنها أن تساعد على اكتشاف تلك العمليات"، اعتبره& الفرشيشي أحد أكثر فصول القانون قمعًا وانتهاكًا لحقوق الإنسان.

مساس بالحرمة الجسديّة

ويتابع رئيس جمعيّة حريّات فرديّة: "من منطلق الحرية وحقوق الإنسان، عقوبة الإستهلاك خطيرة إذ يمكن إعتقال أي شخص حتى ولو لم تظهر عليه أي علامة من علامات إستهلاك الزّطلة وإخضاعه للتّحليل، وهذا الأمر خطير لأنه يمس من الحرمة الجسديّة ومنافٍ لحقوق الإنسان دون الحديث عن تنصيص القانون على إقتحام الأماكن المشتبه بوجود "زطلة" داخلها دون إذن من النيابة العموميّة".

يضيف الفرشيشي "هنا وجب علينا التثبت من الهدف، فإن كان فقط الزج بأشخاص في السجن فقانون المخدّرات التونسي يفي بهذا الغرض، وإن كان الهدف منع أو حماية هؤلاء الأشخاص فيجب تتبّع المصدر ومحاربة التجار الكبار والمهربين وليس الحريف المستهلك".

يستهلكونها في السجن أيضًا

ويؤكّد أنّه قام ببحث في العام 2007 بخصوص مستهلكي المخدرات في السجون التونسية وإستخلص أنّ إستهلاك المخدّرات يتم داخل السجون، ممّا جعله يتساءل عن الهدف من جدوى الزّج بمستهلكي الزّطلة داخل السّجن وعن مدى فاعليّة القانون في الحد من نسبة تعاطيها.

وتمنع تونس إستهلاك "الزّطلة" (القنب الهندي) منذ 3 نوفمبر 1964 تاريخ إصدار أوّل قانون متعلّق بالمخدّرات ويعرف بقانون "المواد السّميّة" قبل أن يلغى ويعوّض بقانون 18 ماي 1992 الذي يعاقب كل من يثبت تحليل "بولته" أنّه إستهلك الزّطلة بسنة سجن وخطيّة ماليّة تبلغ 1000 دينار (500 يورو).

ويمكن أن تصل العقوبة السّالبة للحريّة حسب القانون إلى 5 سنوات وثلاثة آلاف دينار (1500 يورو)، في حال مثول المسّتهلك مرّة أخرى أمام القضاء بنفس التّهمة.

وإندلع الجدل بخصوص قانون المخدّرات والجدوى منه بعد إيقاف النّاشط والمدوّن المعروف عزيز عمامي بتهمة تعاطي القنب الهندي، فيما تقول عديد الجهات أنّ السّبب الحقيقي لإيقافه هو آراؤه السياسيّة المناوئة لسلوكات الشرطة، والغطاء القانوني كان "إستهلاك الزّطلة".

في تزايد

تزايد عدد الذين تمت ملاحقتهم قضائيًا لإستهلاكهم الزّطلة في تونس، وبلغ العدد 1593 سجينًا خلال السّنة القضائيّة 2010-2011 حسب وزارة العدل، في مقابل 1412 سجينًا خلال السّنة القضائيّة 2009-2010، بينما لم يتجاوز خلال 2006- 2007 الـ731 سجينًا.

وحسب دراسة بعنوان"المخدرات، العود والواقع والتحديات"، فإن نسبة العود (الدخول مرة ثانية للسجن بتهمة تعاطي الزّطلة) بلغت 54 بالمئة، وفيما تبلغ نسبة من لم يتلقوا أي علاج من الإدمان 94.6 بالمئة ونسبة الذين شرعوا في استهلاك المخدرات للمرة الاولى&منذ سن المراهقة بلغت 86.8 بالمئة.

توجّه لمخدّرات أخطر

يقول الباحث في علم الإجتماع والمشرف على مركز الإصغاء والمساعدة لعلاج الإدمان من المخدرات التّابع للجمعية التونسية للوقاية من المخدرات طارق القسنطيني لـ"إيلاف": "نحن كرجال ميدان نعرف جيّدًا أن القانون المجرّم لإستهلاك الزّطلة لم يحدّ من تعاطيها، بل بالعكس جعل العديد منهم يتوجّه لمخدّرات جديدة أخرى اخطر لا يجرّمها القانون التّونسي، ويتم تعاطيها عن طريق الحقن، مّما سبّب في إرتفاع إستهلاك المخدّرات التي تؤدّي إلى امراض خطيرة كالسّيدا".

ويؤكّد الباحث في علم الإجتماع أنّ "القانون بشكله الحالي ليس الوسيلة الانجع للحدّ من إستهلاك الزّطلة نظرًا إلى انّه إذا ما قسّمنا المتعاطين نجد المستهلك العرضي والمستهلك للمرّة الاولى،&اضافة الى&مستهلك للتّجربة ومستهلكين دائمين، ووضعهم في سلّة واحدة يؤدّي وجوبًا لنتائج وخيمة خاصّة مع التركيز فقط على المنحى العقابي الرّدعي".

إغتصاب داخل السّجن

يتابع: "هناك من دخل السّجن بسبب الزّطلة وفور خروجه يعود لتعاطيها ويدخل السجن مرّة ثانية لأنّه وجد مستقبله دُمّر بالكامل، واعتقد أنّه لو تم إعطاؤه فرصة لأقلع عن تدخينها خاصّة إذا علمنا أنّ إدمانها ليس جسديًا عضويًا بل نفسي بالاساس، أمّا بعد سنة من سجن يكون المتعاطي قد عايش وتأثّر بكل أنواع المجرمين، وقد عاينت حالات لمساجين بسبب الزّطلة تعرّضوا لإغتصاب داخل السّجن".

إنتشار مفزع لـ"الزّطلة"

من جانبها، شددت مديرة الدفاع الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية نعيمة الجلاصي على ضرورة أن يستند تعديل القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق باستهلاك "الزطلة" إلى مؤشرات ودراسات موضوعية وليس وليد ظرف معين أو تعاطف مع شخص.

أشارت الجلاصي في تصريحات لوسائل إعلام محليّة الى أن وجهة نظرها تستند إلى واقع ملموس، خصوصًا أن الأرقام بخصوص انتشار هذه الظاهرة "مفزعة" داعية إلى ضرورة توفر مؤسسات بديلة للعقوبة السجنية لتأهيل متعاطي المخدرات.

وبيّنت دراسة أصدرتها خليّة علوم الإجرام بمركز الدراسات القضائية الحكومي أنّ "الزطلة" هي أكثر المواد المخدّرة استهلاكًا في تونس بنسبة 92 بالمئة من جملة المخدّرات المتداولة في البلاد.

مع التّجريم

"أنا مع الإبقاء على تجريم تعاطي الزّطلة بإعتبار أن المستهلك يمثّل العنصر الثّاني في العمليّة، إضافة إلى أن تشريع تعاطيها يشرّع بصفة غير مباشرة ترويجها"، كان هذا رأي سعد بهلول، محامي الجمعية التونسية للوقاية من المخدرات، حيث يرى أن القانون يجب أن يكون صارمًا بهذا الخصوص، فحسب رأيه لا يمكن إباحة الزّطلة لعدّة إعتبارات إقتصاديّة وإجتماعيّة ودينيّة.

ويوضح المحامي الشّاب لـ"إيلاف": "صحيح أنّ الزّطلة لا تؤدّي في جانب منها للإدمان، والإقلاع عن تعاطيها سهل، لكن الإشكال انّه بعد مدّة لن تكون كافية لتلبية حاجيات الجسد فيتوجّه المتعاطي لمخدّرات اخطر واقوى كالسوبيتاكس والهروين".

ويذكر أنّه خلال الحقبة الإستعماريّة في تونس كانت الشركات الفرنسية تحتكر بيع أحد أنواع الزّطلة (ما كان يعرف بالتّكروري آنذاك) بصورة رسمية، قبل أن يتم منعها في عهد الرئيس الراحل بورقيبة.