ألقى ملك المغرب محمد السادس خطابا في البرلمان التونسي جدد فيه دعمه اللامشروط لتونس، ورفضه للعنف والارهاب، كما دعا إلى استكمال مسيرة البناء المغاربي ووحدة دوله التي يسير تعطّلها في غير مصلحة الشعوب المغاربية.


إسماعيل دبارة من تونس: خطب الملك محمد السادس في البرلمان التونسي السبت، وخصص كلمته للعلاقات التونسية المغربية، وافرد جزءا واسعا من خطابه لقضايا الارهاب والتطرّف ومستقبل بناء الاتحاد المغاربي.

وجدد الملك محمد السادس، في مستهلّ& خطابه التأكيد على دعم المملكة المغربية للجهود المبذولة من أجل توطيد دعائم الدولة بتونس، مشددا على أن مواصلة الإصلاحات في مختلف المجالات هو السبيل الأمثل، لتحقيق آمال وتطلعات جميع التونسيات والتونسيين.

رفض التطرّف

وأكد الملك أن مواصلة الإصلاحات في مختلف المجالات، وإجماع كل مكونات المجتمع التونسي، على رفض نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، هو السبيل الأمثل، لتحقيق آمال وتطلعات جميع التونسيات والتونسيين، وذلك بما يضمن الاستقرار السياسي، والارتقاء بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف ملك المغرب أن الجهود المبذولة من شأنها الاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب التونسي إلى الحرية والديمقراطية، والكرامة والعدالة الاجتماعية، في إطار السيادة الوطنية، والوحدة الترابية للبلاد.

إشادة بالتجربة التونسية

وعبر محمد السادس عن سعاته بالتوجه إلى "هذا المجلس الموقر، الذي يمثل تونس الجديدة"، مشيدا بالجهود الدؤوبة، التي بذلها رئيسه وأعضاؤه، وبروح التوافق الإيجابي لكل مكوناته، جاعلين مصلحة الوطن هي العليا، وهو ما تكلل بإقرار دستور متقدم، يؤسس لمرحلة حاسمة في تاريخ تونس الشقيقة.

ونوه الملك بانخراط كافة القوى الحية التونسية في الحوار الوطني، من أجل إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي.

وأكد اقتناعه بأن "كافة الأطراف تحذوها نفس الروح الإيجابية والبناءة، لإنجاح الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية المقبلة" بالشقيقة تونس.

هيكلة التعاون

دعا الملك محمد السادس، في خطابه أمام المجلس الوطني التأسيسي التونسي، إلى "ضرورة ترجمة الإرادة المشتركة للشعبين المغربي والتونسي إلى مشاريع مهيكلة وواعدة، وخاصة في المجالات ذات الأولوية، وذلك على درب تعزيز أواصر الأخوة والتعاون والتضامن بين البلدين".

وقال: "في إطار هذا التعاون ينبغي أن يوضع المواطن في صلب التوجهات، وأن تتم معالجة قضايا التنمية البشرية في إطار مقاربة شاملة ومندمجة، ولاسيما ما يتعلق بالتعليم والتكوين والتشغيل والصحة والمرأة والشباب".

كما دعا ملك المغرب إلى بناء علاقات تعاون مثمر بين البلدين، وجعلها نموذجا يحتذى في العلاقات المغاربية، مؤكدا أن "الاستثمار الأمثل للعلاقات المتميزة المغربية التونسية سيشكل، بالتأكيد، التجسيد الواقعي والعملي للتكامل المغاربي".

ونوه بجودة العلاقات الأخوية، الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، التي تجمع الأسرة الملكية المغربية بتونس الخضراء، وبشعبها الأصيل، مبرزا أنها "روابط روحية وإنسانية عميقة، قائمة على الإيمان بوحدة الانتماء والمصير المشترك".

وقال إن ذلك "ما تؤكده الزيارات التي قام بها لتونس& المغفور لهما الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواهما، وأن خير دليل على ذلك هو "مبرة محمد الخامس" التي قام بتدشينها، رحمه الله، سنة 1957".

وأضاف الملك، في هذا الصدد، أنه وفاء لهذه الروابط، فقد خصص لتونس أكبر عدد من الزيارات على صعيد البلدان المغاربية، مؤكدا أنه يعتبر دوما أن ما تعرفه تونس من تحولات "يهمني بصفتي ملك المغرب، ولكن أيضا كمغربي غيور على الأخوة المغربية التونسية".

اتحاد المغرب العربي

طرق العاهل المغربي في خطابه أمام البرلمان التونسي كذلك موضوع اتحاد المغرب العربي الذي تم تأسيسه منذ أكثر من ربع قرن، لكنه لايزال يشكو التعطيل وضعف الأداء بسبب الخلافات البينية بين أعضائه.

ودعا محمد السادس في هذا السياق، دول المغرب الكبير إلى التحلي بالإرادة الصادقة لتجاوز "العقبات والعراقيل المصطنعة التي تقف أمام الانطلاقة الحقيقية لاتحادنا، في إطار من الثقة والحوار وحسن الجوار والاحترام المتبادل للخصوصيات الوطنية".

وجدد التأكيد على أهمية انبثاق " نظام مغاربي جديد، على أساس روح ومنطوق معاهدة مراكش"، مؤكدا بالقول: "ما فتئنا ندعو، منذ سنوات، إلى انبثاق نظام مغاربي جديد، على أساس روح ومنطوق معاهدة مراكش التأسيسية، التي أكملت عامها الخامس والعشرين".

كما أكد الملك على أن الاتحاد المغاربي "لم يعد أمرا اختياريا، أو ترفا سياسيا" بقدر ما أضحى يفرض نفسه كمطلب شعبي ملح وحتمية إقليمية استراتيجية.

وأضاف الملك أن هذا النظام سيتيح للدول الخمس مواكبة التحولات المتسارعة التي تعرفها المنطقة، وفق مقاربة تشاركية وشاملة، كفيلة برفع مختلف التحديات التنموية والأمنية.

ولاحظ الملك أن تحقيق تنمية شاملة لشعوب المنطقة المغاربية، يفرض توفير المناخ المناسب لإنجاز المشاريع الاندماجية الكبرى، وخاصة استكمال إقامة منطقة التبادل الحر المغاربية، وبناء شبكات للربط تهم مختلف البنيات التحتية، وذلك لتسهيل حرية تنقل الأشخاص والخدمات والبضائع ورؤوس الأموال بين دول المغرب الكبير.

كما أكد عاهل المغرب محمد السادس، أن توفير هذه الشروط ، سيمكن بشكل عملي من فتح آفاق أوسع للتنمية، بما تعنيه من إفراز للثروات ولفرص الشغل.

وربط بين تحقيق الطموح المشروع في بناء مغرب كبير، قوي وقادر على القيام بالدور المنوط به، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وإقامة علاقات ثنائية وطيدة بين دوله الخمس من جهة، وخلق مشاريع اندماجية تعزز مكانة ومسار الاتحاد المغاربي من جهة أخرى.

وأكد أنّ المملكة لن تدخر جهدا لتعزيز علاقاتها مع باقي البلدان المغاربية الشقيقة، التي تشاركها نفس الإرادة "إيمانا منا بأن التعاون الثنائي يشكل الأساس المتين للعمل المغاربي المشترك".

وعبر عن تخوفه من أن تخلف المنطقة المغاربية موعدها مع التاريخ، أو يظل اتحادها، الذي يعاني تبعات تعطيل مؤسف، خارج منطق العصر.

ونبه الملك في هذا الصدد إلى ما أكدته التجارب من فشل المقاربات الإقصائية، في مواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد المنطقة، خاصة في ظل ما يشهده فضاء الساحل والصحراء من تحديات أمنية وتنموية.

وشدد على بطلان كل مقاربة ترى في الإبقاء على الوضع القائم، وعلى حالة الجمود التي يعيشها المغرب العربي " استراتيجية ناجحة"، وخاصة التمادي في إغلاق الحدود الذي لا يتماشى مع الميثاق المؤسس للاتحاد، ولا مع منطق التاريخ ومستلزمات الترابط والتكامل الجغرافي.

وأعلن الملك أن هذه الوضعية تسير ضد مصالح الشعوب المغاربية، التي تتطلع إلى الوحدة والاندماج.

وشدد على أن "انبثاق مغرب كبير مندمج، ينبغي أن يشكل مقاربة عملية ومضمونا ملموسا لتطلعات شعوب المنطقة، من شأنه أن يوطد الشراكة بين الدول المغاربية والجوار الأوروبي، سواء في إطار حوار خمسة زائد خمسة لغرب المتوسط، أو في النطاق الأوسع للتعاون الأورو- متوسطي، من دون إغفال الشراكة مع افريقيا التي تحمل في طياتها آفاقا كبرى للتقدم".