أوضح التقرير السنوي للعام 2014 من "التصنيف العالمي لحرية الصحافة"، الذي تديره منظمة مراسلون بلا حدود،& ما تحمله الصراعات من آثار سلبية على حرية الإعلام والاعلاميين، إذ تراجعت بلدان في سلم الترتيب بسبب تأويل سلطاتها بشكل مفرط وفضفاض لمفهوم حماية الأمن القومي، على حساب الحق في الإخبار وتلقي المعلومات، لما ينطوي عليه هذا من تهديد لحرية الإعلام، حتى في دول الحق والقانون.


ساره الشمالي من دبي: حافظت فنلندا على صدارتها للعام الرابع على التوالي في التصنيف العالمي لحرية الصحافة. وحلت بعدها هولندا والنروج كما في العام الماضي. أما في آخر القائمة فيقبع الثلاثي الجهنمي المعهود تركمانستان وكوريا الشمالية وإريتريا. ففي هذه الدول، حرية الصحافة معدومة.

ويشمل التصنيف العالمي 180 بلدًا هذا العام، مقابل 179 في السنة السابقة، إذ انضمت ببليز إلى القائمة لتحتل مباشرة المرتبة 29، إذ سُجلت حالات عنف نادرة ضد الصحافيين في هذا البلد، إضافة إلى بعض الشوائب المتمثلة في محاكمات بتهمة التشهير، مصحوبة بغرامات مالية مغرضة، إلى جانب بعض الاستثناءات المتعلقة بالأمن القومي والتي تعيق التطبيق السليم لقانون الوصول إلى المعلومات العامة، إلى جانب تدخل الحكومة في إدارة تردد المحطات الاذاعية والتلفزيونية بشكل جائر.

نزاعات مسلحة

وسائل الإعلام مستهدفة من قبل الجماعات أو الأفراد الذين يحاولون فرض رقابة على كل من يسعى إلى نشر المعلومات، في انتهاك فاضح للضمانات التي تقدمها المواثيق الدولية، ولاسيما المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقيات جنيف للعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني للعام 1977.

تعتبر سوريا منذ آذار (مارس) 2011 البلد الأخطر على الصحافيين والأكثر تهديدًا لحرية الإعلام، وتقف على عتبة الثلاثي الجهنمي. كما أن تداعيات الأزمة السورية تحمل تأثيرات مهولة على المنطقة، مساهمة في تعميق الشقاق بين وسائل الإعلام في لبنان، حيث الاستقطاب على أشده، وتشديد الخناق في الأردن، وتسريع دوامة العنف التي تعصف بالعراق بين الشيعة والسنة. أما في إيران، فوعود الرئيس حسن روحاني بتحقيق تقدم على مستوى حرية الإعلام ما زالت في مهب الريح.

حبر على ورق

تراجعت مالي إلى المرتبة 122، وجمهورية أفريقيا الوسطى إلى المرتبة 109، لأن الحروب والاضطرابات في الساحل الأفريقي، والاشتباكات التي تزعزع استقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومناورات العصابات والجماعات الإرهابية في الصومال ونيجيريا لا تساهم في تحسين تصنيف هذه البلدان بأي شكل من الأشكال.

حلت مصر في المرتبة 159 مع وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في صيف 2012 وتصاعد الاعتداءات على الصحافيين وإخضاع وسائل الإعلام لسلطة الجماعة، إلى أن توقف ذلك بعد عام. وتشهد دول الخليج - وخصوصًا الإمارات التي تراجعت ثلاثة مراتب لتحل في المرتبة 118، محاكمات بحق إعلاميين بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان.

وبقي تحرك المجتمع الدولي حبرًا على ورق. ودعت منظمة مراسلون بلا حدود الأمم المتحدة إلى تشكيل فريق خبراء لتقييم مدى وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها المتعلقة بحماية الصحافيين والتحقيق في جميع أعمال العنف وتقديم الجناة إلى العدالة.

ضرورات المراقبة

ويقول تقرير "التصنيف العالمي لحرية الصحافة" للعام 2014 إن دول سيادة القانون ليست مثالًا يقتدى، بل على العكس من ذلك تمامًا. ففي كثير من الأحيان تُضحي السلطات بحرية الإعلام لتبقي الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام كل تأويل فضفاض لمفهوم الأمن القومي، ما يمهد الطريق نحو تراجع مثير للقلق في ما يتعلق بالممارسات الديمقراطية، حيث تواجه الصحافة الاستقصائية صعوبات جمة في بعض الأحيان كما هو الحال في الولايات المتحدة، التي حلت في المرتبة 46، متراجعة 13 مرتبة، وهو أحد أكبر التراجعات وأكثرها إثارة للانتباه في سياق يتميز بملاحقة شرسة لمصادر المعلومات ومتابعة أشرس لكاشفي الفساد.

وبحسب التقرير، أفاقت الصحافة على زلزال مدوٍّ بسبب فضيحة تجسس وزارة العدل الأميركية على وكالة أسوشيتد برس، برصد سجلات اتصالاتها الهاتفية من دون سابق إنذار لتحديد مصدر تسريب المعلومات من داخل وكالة المخابرات المركزية، ما أكد الحاجة الملحة لقانون وقائي لضمان حماية المصادر التي يلجأ إليها الصحافيون لاستقاء المعلومات. ولا يمكن إغفال قضية الصحفي المستقل باريت براون، الذي يواجه عقوبة السجن 105 أعوام لنشره بعض بيانات شركة ستراتفور الأمنية الخاصة.

أمن الدولة

ورفعت المملكة المتحدة، التي حلت في المرتبة 33، شعار مكافحة الإرهاب لممارسة ضغوط سافرة على صحيفة غارديان. وأتى قانون "أسرار الدولة" الياباني في أواخر 2013 ليضيف مزيدًا من الضبابية والتعتيم على تعاطي الحكومة اليابانية مع المواضيع التي تهم الشأن العام، كالقضية النووية والعلاقات مع الولايات المتحدة، وغيرها من قضايا "المحرمات الكبرى". ويقول التقرير إن نواب الشعب الياباني تناسوا مفاهيم& "الصحافة الاستقصائية" و"المصلحة العامة" و"سرية المصادر".

في تركيا، التي حلت في المرتبة 154، يقبع عشرات الإعلاميين في السجون بذريعة أمن الدولة فوق كل اعتبار، لاسيما عندما يتعلق الأمر بتغطية القضية الكردية. وأظهرت قضية علي أنوزلا أن السلطات المغربية تخلط بين الصحافة والإرهاب.

أما في إسرائيل، وهي في المرتبة& 96، فليست حرية الإعلام سوى مفهوم فضفاض يمكن تعليقه في أية لحظة بحجة حماية أمن الدولة

خصخصة العنف

في بعض الدول، تكون الجماعات الأهلية غير الحكومية مصدر التهديد الرئيس لأمن الصحافيين. فالميليشيات في ليبيا، ومرتبتها 137، أو الجماعات اليمنية المسلحة المتصلة بتنظيم القاعدة، مرآة تعكس خصخصة العنف.

والقاسم المشترك بين حركة الشباب في الصومال (المرتبة 176) وحركة M23 في جمهورية الكونغو الديمقراطية (المرتبة 151) فيتمثل في اعتبار الصحافيين أعداء. أما الجماعات الجهادية، كجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، فتهاجم بعنف الإعلاميين للسيطرة بأي ثمن على المناطق التي تسيطر عليها.

ويؤكد المؤشر السنوي لحرية الصحافة تراجع حق الإبلاغ والحصول على الأخبار على المستوى العالمي، إذ ارتفع المؤشر من 3395 إلى 3456 نقطة، ما يعكس تدهورًا طفيفًا على صعيد حرية الإعلام بين تقريري 2013 و2014 من التصنيف العالمي.

مؤشرات

ويسرد التقرير مجموعة من المؤشرات المستخدمة في إعداد التصنيف، وهي التعددية، أي مدى تمثيل مختلف وجهات النظر في وسائل الإعلام، واستقلالية وسائل الإعلام عن مختلف السلطات السياسية والاقتصادية والدينية والعسكرية، ونوعية الإطار القانوني الذي يحكم الأنشطة الإعلامية، وشفافية المؤسسات التي تحكم هذه الأنشطة، والبنى التحتية التي تستند إليها، والمناخ العام الذي تمارَس فيه حرية الإعلام.

يُعتبر المؤشر أداة تحليلية للأداء العام في كل بلد من البلدان التي يشملها الاستقصاء، الذي كانت نتيجته واضحة بشكل لا غبار عليه. ففي المنحنى البياني الخاص بالمناطق، يُظهر المؤشر أن الوضع متدهور في كل القارات باستثناء آسيا حيث يميل إلى الاستقرار.

وحقق الاتحاد الأوروبي والبلقان أعلى درجة، ثم الأميركيتان فأفريقيا ثم آسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، في حين تتذيل منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط هذا الترتيب بمؤشر يبلغ 48.7.