طالب الأمين العام للناتو ألمانيا أن تلعب دورًا مهمًا في السياسات الأمنية والخارجية للاتحاد الأوروبي أو الناتو، ورأى أن ألمانيا دولة قوية ويمكن للجميع أن يتوقع أنها ستقوم في المستقبل بدور نشط بالنسبة إلى مستقبل أوروبا.


تطرق الأمين العام لحلف الناتو المنتهية ولايته، أندرس فوغ راسموسن، في سياق مقابلة مطولة أجراها مع مجلة دير شبيغل الألمانية لمجموعة ملفات، وجاء النص كما يلي:

شبيغل: مر 25 عامًا على إعادة توحيد الألمانيتين وحوالى 7 عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية، هل أصبحت ألمانيا كغيرها من الدول من حيث السياسة الأمنية؟
راسموسن: ألمانيا اليوم دولة عادية، فهي تتمتع بحقوق وواجبات الدول الأخرى. ولهذا يتعين على ألمانيا أن تلعب دورًا مهمًا في السياسات الأمنية والخارجية، وليكن هذا الدور في الاتحاد الأوروبي، حلف الناتو أو في السياسة الدولية.

شبيغل: ولهذا خاطب الرئيس الألماني يواخيم جاوك مشاعرك بشكل مباشر حين دعا أخيرًا إلى دور أكثر فعالية على صعيد السياسة الخارجية، بما في ذلك الجانب العسكري؟
راسموسن: لا أريد أن أتدخل في نقاش ألماني داخلي. لكني أتفق تمام الاتفاق مع الموقف الذي عبّر عنه الرئيس الألماني. وأنا أرحّب بهذا النقاش. وليس فقط باعتباري أمينًا عامًا لحلف الناتو، بل بصفتي أيضًا كرئيس سابق لوزراء الدنمارك، تلك الدولة المجاورة الصغيرة التي سبق لها أن كانت محتلة من قبل ألمانيا. ويمكنني تفهم أن تكون ألمانيا غاية في الحذر حين يتعلق الأمر بالانتشار العسكري حول العالم بسبب ماضيها. لكن الوقت حان الآن لذلك النقاش في ألمانيا. وأوروبا مستعدة له أيضًا. والهدف يجب أن يتمثل في تطوير فهم مشترك للدور الجديد الذي يمكن لألمانيا أن تلعبه.

شبيغل: هل الألمان شعب مسالم؟
راسموسن: لا يزال الألمان على دراية تامة بماضيهم، ولذلك هم متحفظون بشأن تفاعلهم على الصعيد الدولي. وأنا من جانبي أحترم ذلك الموقف. وفي الوقت نفسه، أصبحت ألمانيا مثل هذا اللاعب المهم اقتصاديًا وسياسيًا، ولهذا لا يمكن لها أن تتراجع حين يتعلق الأمر بالشؤون الدولية. وألمانيا دولة قوية ويمكن للجميع أن يتوقع أنها ستقوم في المستقبل بدور نشط. وهذا أمر حاسم بالنسبة إلى مستقبل أوروبا.

شبيغل: عبَّر كثير من الألمان أثناء الأزمة الأوكرانية عن تفهمهم لنهج روسيا.. ما مدى تأكدكم من علاقات ألمانيا مع الغرب؟
راسموسن: تظهر استطلاعات الرأي المتاحة لنا أن الأمر غير متعلق فحسب بالقيادة السياسية، وإنما كذلك بالأشخاص الذين لديهم قناعة بالشراكة القائمة عبر المحيط الأطلسي. ووجهة النظر التي يؤيدها معظم الألمان هي أن أمن أوروبا قائم على التحالف مع أميركا الشمالية.

شبيغل: لكن تبين كذلك من خلال الأزمة الأوكرانية الأخيرة أن كثيرين من الألمان يريدون قيام برلين بدور الوساطة بين الغرب والشرق.
راسموسن: ذلك لم يفاجئني. فالألمان لا يزالون ممتنين لأن إعادة توحد الألمانيتين كانت ممكنة بشكل سريع للغاية عقب انهيار الشيوعية. ومن ثم، فهنا تتولد الفكرة التي تتحدث عن ضرورة أن تكون برلين بمثابة الجسر القائم بين الغرب والشرق. وهو ما يعني أن لألمانيا دورًا خاصًا يجب أن تلعبه. ويمكنني القول إن أفضل طريقة لإيجاد حل سياسي للأحداث الجارية في أوكرانيا هي أن يظهر الغرب الوحدة والقوة.

شبيغل: هل ألمانيا متسامحة للغاية مع موسكو؟ وهل يتعين عليها أن تنتهج موقفًا صارمًا من خلال العقوبات على سبيل المثال؟
راسموسن: نجحنا حتى الآن في التحدث مع صوت واحد بداخل الاتحاد الأوروبي والناتو حول الأزمة الأوكرانية. والاختبار الحقيقي لا يزال أمامنا، حين يناقش الاتحاد الأوروبي ما يطلق عليها الجولة الثالثة من العقوبات.

شبيغل: بينما تدفع بعض الدول في حلف الناتو لوضع مزيد من القوات في شرق أوروبا، فإن هناك دولًا أخرى، من بينها ألمانيا، لا تريد أن تثير حفيظة روسيا.
راسموسن: يتعين علينا أن نكون واقعيين. فالتجارب الماضية تلعب دورًا في كل دولة. وتتذكر ألمانيا من جانبها الدور البنَّاء الذي لعبه القادة في موسكو وقت إعادة توحد الألمانيتين. وعلينا أن نفهم أن الدول تأتي بوجهات نظر مختلفة.

شبيغل: هل تعتقد أن الجنود الألمان لديهم استعداد للموت من أجل أستونيا أو لاتفيا؟
راسموسن: هذا سؤال موجّه للغاية ويحظى بطبيعة افتراضية. ودعني أقول بهذا الخصوص: ليس لديّ شك في أنه حال تعرّض أي دولة من دول الناتو لهجوم، فسيكون بوسعها أن تعتمد على المساعدات من باقي الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.

شبيغل: ولهذا أنت تقول إن المادة رقم 5 من معاهدة حلف الناتو، التي تنص على أن شن هجوم على دولة ما يعتبر هجومًا على جميع الدول، هي في الواقع عبارة عن وعد فارغ ؟
راسموسن: بالتأكيد لا. فالمادة 5 هي جوهر حلف شمال الأطلسي. وما لم نحتفِ بهذا الالتزام بنسبة 100 % في أي من حالات الطوارئ، فبالتالي لن يكون لهذا الحلف وجود.

شبيغل: هل بوسع الناتو الدفاع عن دول البلطيق بهيئته الحالية؟
راسموسن: نعم، بمقدورنا. وفي الوقت نفسه، علمتنا أيضًا التصرفات التي تقوم بها روسيا في أوكرانيا أننا بحاجة الى تحسين قدرتنا على الاستجابة بسرعة. ونحن نطور حالياً مجموعة خطط لذلك.

شبيغل: هناك نقاش دائر حالياً حول جلب الطائرات الآلية القتالية في ألمانيا. هل ممكن أن يؤثر ذلك من الناحية العملية على الحلفاء؟
راسموسن: أتصور ذلك. فمن الطبيعي في الديمقراطيات بالنسبة الى البرلمان أن يراقب استخدام الوسائل العسكرية.

شبيغل: لكنّ دولاً أخرى كثيرة في حلف الناتو لا يوجد لديها هذا الشرط الصارم الخاص بضرورة الحصول على موافقة من البرلمان، كما هي الحال في فرنسا على سبيل المثال.
راسموسن: ربما يتم التعامل مع عملية توزيع القوة بشكل مختلف في الدساتير من دولة الى أخرى، لكن هذا المبدأ المتعلق بالضوابط والتوازنات السياسية يوجد في كل مكان. ويمكنني القول إننا بحاجة إلى مزيد من التعاون متعدد الأطراف، الذي نطلق عليه "الدفاع الذكي" هنا في الناتو.
&