ما زال شبح صدام حسين يخيّم على العراق كغيمة سوداء في يوم مشرق، لا تحجب الشمس تمامًا لكنها لا تنقشع، بعدما ماثل العراقيون ما يحصل اليوم في عهد نوري المالكي وما حصل أيام صدام.

إعداد عبد الاله مجيد: أصبح انزلاق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى نسخة أخرى من صدام حقيقة، وثقتها المنظمات الحقوقية بتقارير وشهادات عن ملاحقة السنة باعتقالات اعتباطية، أو ابقائهم في الحبس من دون تهمة، أو عدم الافراج عنهم بعد انتهاء محكوميتهم. ومن الممارسات الشائعة لقوات المالكي اليوم تنفيذ اعدامات جماعية بحق المسلحين السنة الذين يقعون في قبضتها.

على خطى صدام

في الأسابيع الأخيرة، بعد اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) مناطق واسعة من غرب العراق وشماله، بات سهلًا التقاط اصداء من الماضي الصدامي في ممارسات المالكي اليوم. المؤتمرات الصحفية الرسمية تعقد الآن في فترات متباعدة، من دون السماح عمليًا للصحافيين بطرح اسئلة، بل يقف المسؤولون عادة أمام الكاميرات ثم يتلون بيانًا رسميًا ويغادرون.

وتبث قناة العراقية الرسمية موسيقى حماسية مع افلام العمليات التي تنفذها قوات المالكي ضد مسلحي داعش، وبرامج تستمر ساعات لأشخاص يرقصون مرددين هتافات التأييد للحكومة، وملوحين بأسلحتهم في عروض مستعارة من قناة الشباب التي كان يديرها عدي صدام حسين.

وتوارى المسؤولون العراقيون عن انظار الاعلام هذه الأيام. وقال احد مستشاري المالكي أخيرًا: "ليس لديَّ تعليق، وهذا التصريح ليس للنشر". ويُعد هذا صدى حرفياً لسنوات التسعينات حين كان نظام صدام أشد الأنظمة تكتمًا وانغلاقًا وقمعًا لشعبه في العالم، لا ينافسه في ذلك إلا نظام كوريا الشمالية.

مراقبة لصيقة

من الممارسات الصدامية التي أحيّتها حكومة المالكي أن مراسل صحيفة نيويورك تايمز كان يجري مقابلة مع شيخ عشيرة سني في مكتبه، عندما دخل ضابط شرطة برتبة نقيب وجلس بجانب الشيخ ثم بدأ يجيب عن اسئلة المراسل بالنيابة عن الشيخ.

في ايام صدام، كان الفاكس ممنوعًا أو يخضع للمراقبة بوصفه أداة للتحريض على المعارضة. لكن حكومة المالكي أقدمت بكل بساطة على غلق شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفايسبوك وسكايب وانستاغرام ويوتيوب طيلة الشطر الأكبر من حزيران (يونيو).

ولعل أقوى الأصداء التي تتردد في عراق المالكي من ايام صدام، اساليب محمد سعيد الصحاف، المتحدث باسم نظام صدام، الذي اعلن هزيمة الاميركيين على اطراف بغداد في نيسان (ابريل) 2003، حين كان جنود الاحتلال في مبنى وزارة الاعلام.

كوميكال علي!

يتجسد المعادل الاعلامي للصحاف، الذي سماه الجيش الاميركي "كوميكال علي" في تنويع ساخر على لقب "علي كيمياوي"، في اللواء قاسم عطا، المتحدث العسكري الرسمي باسم المالكي، القائد العام للقوات المسلحة.

وكان اللواء عطا بدأ حياته المهنية ضابطًا اعلاميًا في نظام صدام، يوم كان المصفقون للدكتاتور يطلقون عليه ألقاباً متعددة بينها "أسد بغداد". وبوحي من هذه الألقاب يُطلق على اللواء عطا الآن لقب "كذاب بغداد"، بعد أن اعلن مرارًا خلال مؤتمراته الصحفية هزيمة الجهاديين في مناطق كانت جميع المصادر الأخرى تؤكد سقوطها بيد داعش.

وقال مدير اعلام قيادة عمليات بغداد العقيد قاسم عطية في معرض الرد على الانتقادات الساخرة من رئيسه اللواء عطا أن هذه التعليقات تأتي في اطار الدعاية التي يبثها اعداء العراق. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن العقيد عطية قوله: "نحن في حرب بطبيعة الحال ونتوقع منهم أن يستخدموا كل شيء ضدنا".

نظام صدام كان أفضل!

لكن نتيجة المقارنات التي يجريها العراقيون بين حكومة المالكي ونظام صدام تميل لصالح الأخير. إذ يقول خليل زياد، الذي يعمل سائق تكسي: "نظام صدام كان أفضل بكثير من الظروف الحالية". وزياد سني في السادسة والثلاثين من العمر، ولكن هناك شيعة ايضاً يتفقون معه في هذا الرأي. فإن رضا ساجي شيعي كردي فقد كل شيء في زمن صدام بعد أن صادر النظام محله وهجَّره إلى ايران.

وقال ساجي: "رغم كل ما حدث لي فأنا كنتُ واحداً من 1000 وكان الـ 999 الآخرون سعداء يعيشون حياة سلمية في بلد يسوده النظام. اما الآن فلا أحد سعيد مع الانفجارات وكل ما يعانونه من مشاكل".

ويُسجل لصالح المالكي أنه لم يوزع حتى الآن ساعات تحمل صورته كما فعل صدام. والأهم من ذلك أن الغرب يقف اليوم مع المالكي ضد داعش وتهديده بإشعال حرب شاملة في العراق. كما أن اللواء عطا لم ينحدر إلى مستوى الصحاف وتصريحاته حين كانت الدبابات الاميركية على ابواب بغداد.