العملية الإرهابية التي قضى فيها 14 جنديا تونسيا الاربعاء الماضي، دفعت بالسياسيين والبرلمان والحكومة والمجتمع المدني، إلى الاسراع في الدعوة إلى سن قانون جديد لمكافحة الارهاب وعقد مؤتمر وطني حول هذه الظاهرة.


مجدي الورفلّي من تونس: لم تستفق تونس بعدُ من هول الصّدمة التي خلّفها الهجوم على الوحدات العسكريّة المرابطة بجبال الشعانبي نظرا للخسائر البشريّة الفادحة في صفوف الجيش والتي تُعتبر الأسوأ في تاريخ المؤسّسة العسكريّة في تونس منذ إستقلال البلاد في 1956.

وبعد إعلان وزير الدّفاع أمس الجمعة العثور على جثة الجندي المفقود منذ الهجوم "الإرهابي" الذي استهدف مساء الاربعاء عناصر من الجيش بجبل الشعانبي (وسط غرب) على الحدود مع الجزائر، إرتفعت حصيلة الخسائر إلى 15 قتيلا و18 جريحا من بينهم 3 في حالة خطرة فيما لم تخسر المجموعة الإرهابيّة سوى عنصر وحيد سقط خلال الهجوم وهو تونسي الجنسيّة.

نفس التّاريخ والتوقيت

تزامنت هذه العمليّة مع نفس تاريخ وتوقيت الهجوم الذي إستهدف دوريّة لقوات الجيش العام الماضي والذي أسفر عن مقتل 9 جنود، بعضهم ذُبح، ممّا أثار عديد التساؤلات خاصّة ان وزير الدّاخليّة أعلن عقب العمليّة أنّه نبّه المؤسّسة العسكريّة بوجوب الإستنفار لوجود معلومات تؤكّد إعتزام الجماعات المتشدّدة القيام بعمليّات إرهابيّة.

في هذا السّياق، قال الخبير العسكري مختار بن نصر لـ"إيلاف": "المعروف أن المجموعات الإرهابيّة تصعّد عمليّاتها خلال شهر رمضان وأكثر من هذا وزير الدّاخليّة اشعر المؤسّسة العسكريّة لمزيد الإستنفار لتوفّر معلومات تفيد بوجود مخطّطات إرهابيّة وكلّ القيادات العسكريّة تعلم بهذا خاصّة أنّه سبق وتلقّت ضربة في نفس التّوقيت واليوم العام الماضي، وبالتّالي كان من الأفضل إتّخاذ أكثر إحتياطات حتى لا تُلدغ المؤسّسة العسكريّة مرّتين من جحر الإرهابيّين".

ويتحدّث بن نصر عن العمليّة الإرهابيّة النوعية قائلا: "كانت دقيقة ومنظّمة، أُختير لها الوقت بعناية وهو وقت الإفطار وكما هو معروف هو وقت إرتخاء ونفس تاريخ هجوم السنة الماضية على الدوريّة العسكريّة وهذا يحمل& أكثر من دلالة أهمّها أن هذه المجموعة إسكتشفت المكان قبل تنفيذ العمليّة وتعرّفت على أماكن تواجد العسكريّين وخطّطت للهجوم بعناية وضرب النقطتين في وقت دقيق متزامن".

ليس مفاجئا

وحسب العسكري المتقاعد، والذي شغل سابقا منصب الناطق الرسمي بإسم وزارة الدفاع، فإن عنصر المفاجأة لم يكن في توقيت الهجوم، بالنّظر لإحباط العديد من العمليّات والمخطّطات الإرهابية ممّا يدلّ على تصاعد نشاط المجموعات المتشددة خلال شهر رمضان ولن يكون هجوم الشّعانبي الأخير.

ويخلص بن نصر إلى القول إنه "يجب على المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة أن تكون أكثر إستعدادا لتفادي حدوث عمليّات مشابهة خاصّة داخل المدن".

حصيلة القتلى ترتفع

إرتفعت حصيلة هجوم مسلّحين المحسوبين على تنظيم القاعدة والذي إستهدف عسكريّين، الإربعاء الماضي، لتصبح 15 قتيلا عسكريًا بعد العثور على الجندي المفقود ميّتا بقرب مكان الإشتباكات، جبل الشعانبي.

وحسب وزارة الدّاخليّة فإن مجموعة تضمّ "ما بين 40 و60 نفراً"، بينهم تونسيون وجزائريون و"مرتزقة أجانب"، إستهدفت نقطتي مراقبة تابعتين للجيش بجبل الشعانبي في توقيت الإفطار ، واستعملوا رشاشات وقذائف مضادة للدروع (ار بي جي).

ونشرت صفحة على فايسبوك تحت اسم "فجر القيروان" ثلاثة صور للحظة& للهجوم الإرهابي على للجيش التّونسي، ولم تتمكن "إيلاف" من التدقيق في مصداقية تلك الصور من جهات مستقلة.
&
وتعرضت دورية عسكرية العام الماضي في نفس التّاريخ والتّوقيت، 18رمضان مع الإفطار، الى كمين بجبل الشعانبي اسفر عن مقتل 9 عسكريين.

غياب الأرضيّة التشريعيّة

وفي سياق متّصل، طالبت جمعيّات واحزاب سياسيّة بالمصادقة على قانون الإرهاب ومنع غسيل الأموال، الذي طال أمد مناقشته داخل المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان)، بإعتباره الإطار التّشريعي الوحيد لمقاومة الإرهاب الذي نخر البلاد وأتّهمت المجلس بتعطيل سير تقدّم إقراره.
&
ويرى مختار بن نصر من خلال إفادته لـ"إيلاف" انّه يجب التّسريع بإصدار قانون الإرهاب قائلا: "الصدمة الأخيرة جعلت جميع أطياف المجتمع التّونسي يلتفون حول هذا القانون وإن كان موجود داخل أروقة التأسيسي منذ أشهر، وأتمنى أن تكون هذه الصّدمة دافعا لقيام الجميع بواجبهم سواء على المستوى التّشريعي أو العسكري".&

إعتصام

إلى ذلك، قرّر النائب بالمجلس الوطني التأسيسي عن التيار الشعبي (تحالفُ أحزاب يساريّة وقوميّة) مراد العمدوني تنفيذ اعتصام مفتوح داخل المجلس إلى حين المصادقة الفعلية على قانون للإرهاب، داعيا بقيّة النوّاب إلى الانكباب على العمل ليلا نهارا من اجل القيام بواجبهم الوطني.

وقال النائب العمدوني لـ"إيلاف": "أدعو رئيس المجلس (البرلمان) إلى توجيه دعوة عاجلة للنواب لعقد جلسة عامة مفتوحة، لفرض التعامل الجدي مع هذه الحرب ضدّ الإرهاب واتخاذ الإجراءات الفعلية لمحاكمة كل من يدعم الإرهابيين من داخل مؤسسات الدولة وخارجها ومحاسبة جميع المسؤولين الذين قدموا الدعم لهم".

مغالطات

وبخصوص تأخير المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، أشار رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر في تصريحات إعلاميّة إلى وجود ما أسماها بـ"المغالطات بشأنه عبر الترويج للتعطيل المتعمد من قبل المجلس في مناقشته في ظل غياب إطار قانوني للتصدي لهذه الظاهرة".

وقال ان القانون يحظى بمناقشة واسعة وستتم المصادقة عليه في أقرب الآجال نظرا لحرص الجميع على أن "يكون قانونا صالحا للأجيال القادمة وضامنا للمبادئ العامة التي نص عليها الدستور الجديد للبلاد" على حد تعبيره.

مؤتمر ضدّ الإرهاب

يذكر أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظّمة شغليّة في تونس)، حسين العباسي، قال أمس الجمعة إنه تم الاتفاق في جلسة الحوار الوطني على التوجه إلى عقد مؤتمر وطني لمناهضة الإرهاب، خلال الأيام المقبلة.

وقال العباسي في تصريحات إعلاميّة "سنبحث من خلال المؤتمر عن الاستراتيجية الوطنية الأنسب التي يجب اتباعها حتى يكون تدخل قوات الأمن والجيش ناجعا".

ومنذ نهاية 2012، تلاحق أجهزة الجيش والأمن في جبل الشعانبي من ولاية القصرين الحدودية مع الجزائر، مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "كتيبة عقبة بن نافع".

وتقول السلطات إن هذه المجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وإنها خططت لإقامة "أول إمارة إسلامية" في شمال افريقيا بتونس عقب "الثورة" التي أطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.