سيطر مسلحو "فجر ليبيا" الإسلاميون على العاصمة طرابلس، فأصبح سكانها ممن تشير كنيتهم إلى قبائل معادية هدفًا لحملة اعتقالات واسعة. كما ظهر فيديو يبين عناصر إسلامية تسبح في بركة السفارة الأميركية.


إعداد عبدالاله مجيد: دخل مسلحو الميليشيات الإسلامية الأحد مبنى السفارة الأميركية المهجور، ونُشر على الانترنت شريط فيديو يظهرون فيه وهم يعبثون في بركة السباحة التابعة لمجمع السفارة، حيث يقفز بعضهم من أحد الطوابق العليا إلى الماء وسط تشجيع الآخرين. وقالت ديبورا جونز، السفيرة الأميركية في ليبيا، في تغريدة على تويتر: "إن شريط الفيديو صُور في الملحق السكني لمجمع السفارة، ويبدو أن المسلحين لم يعبثوا بالمجمع".

وكانت الولايات المتحدة أجلت دبلوماسييها من ليبيا في 26 تموز (يوليو)، ونقلتهم إلى تونس تحت الحراسة. واعلنت الخارجية الأميركية تعليق اعمال السفارة بسبب الوضع الأمني. ودعت جماعة فجر ليبيا الدبلوماسيين الأجانب إلى العودة بعد أن انحسر القتال في العاصمة.

وبقي الرجال

هذا، وتعيش آلاف العائلات في العاصمة الليبية طرابلس في رعب، بعد سيطرة الميليشيات الإسلامية على المدينة، خشية تعرض ابنائها للاعتقال على الشبهة بتهمة المعارضة.

فأرسلت هذه العائلات النساء إلى أماكن آمنة خارج طرابلس، وبقي الرجال يواجهون خيارًا صعبًا، بين الالتحاق بالنساء وترك بيوتهم تحت رحمة المسلحين واللصوص، أو البقاء ومواجهة مصير اسوأ على أيدي رجال الميلشيات.

وقال الابن الأصغر لإحدى هذه العائلات، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب مفهومة،& إن عائلته لا تستطيع أن تغادر بيتها الواقع وسط بستان من النخيل، "لأن المنزل سيُدمَّر وليس أمامنا سوى البقاء". ثم اضاف: "إن هذه ليالٍ طويلة حقًا".

على الشبهة

لاحظ مراقبون أن جماعة فجر ليبيا التي اعلنها البرلمان الليبي تنظيمًا ارهابيًا تركز على ملاحقة السكان الذين ينتمون إلى قبائل معينة في طرابلس. وخاض مسلحو فجر ليبيا معارك ضارية على مدى خمسة اسابيع مع مقاتلين من قبائل الزنتان وورشفانة وورفلة. والآن أصبح سكان طرابلس ممن تشير كنيتهم إلى هذه القبائل هدفًا لحملة ملاحقة واعتقالات، بصرف النظر عن اتجاهاتهم السياسية وعدم ارتباطهم بهذه القبائل إلا بالاسم.

وقال طالب ليبي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن هذا ما حدث لأحد جيرانه ذات ليلة عندما اوقفه مسلحو فجر ليبيا عند الاشارة الضوئية ورأوا اسمه. واضاف الطالب: "اشبعوه ضرباً ثم أخذوه بسيارته إلى منزله وكسَّروا البيت".

ونقلت صحيفة غارديان عن الطالب قوله إنه لا يستطيع النوم منتظرًا كل ليلة تلك الطرقة المشؤومة على باب بيته، فيبقى مستيقظًا على ضوء الشموع.

وكان الشيخ الصادق الغرياني، الذي يسمي نفسه مفتي الديار الليبية، وجه رسالة من بريطانيا حيث يقيم، إلى الميلشيات الإسلامية يحثها على استخدام الشدة مع سكان طرابلس، ويبدو أن الميليشيات لم تتوانَ عن تطبيق تعليماته حرفيًا.

وراء المتاريس

تشاهد في النهار أعمدة الدخان تتصاعد من بيوت مؤيدين للحكومة والبرلمان المنتخب بعد إضرام النار فيها. وتحدثت صحيفة "ليبيا هيرالد" الناطقة بالانكليزية عن 280 هجومًا كهذا، أُحرقت خلاله بيوت بينها منزل رئيس الوزراء المستقيل عبد الله الثني.

في الليل، يتحصن السكان الذين ينتمون إلى قبائل مؤيدة للحكومة وراء متاريس داخل بيوتهم. وانتشرت الاعتداءات واعمال النهب في انحاء طرابلس، حيث طالت وزارتي الداخلية والكهرباء ومكتب رئيس الوزراء. وتحدثت سيدة ليبية على تويتر عن عودتها إلى منزلها في مجمع ريغاتا السكني الفاخر على البحر، لتجده محطمًا وممتلكاتها مسروقة. وحاولت مجموعة تعمل على فايسبوك طيلة الاسبوع الماضي الاتصال بمسؤولين في جمعية الهلال الأحمر للمساعدة في استعادة 10 جثث مجهولة الهوية رُميت في مبنى وزارة الداخلية، الذي اقتحمته ميليشيات مصراتة ثم انسحبت منه بعد تحطيم مكاتبه.

طرابلس مدينتان

وهاجمت الميليشيات الإسلامية مخيم اليرموك للاجئين في طرابلس، الذي يضم نازحين من بلدة طوارقة قرب سرت، وتحدثت تقارير عن خطف خمسة من سكان المخيم. وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن الميليشيات الإسلامية تستهدف بصورة متزايدة الصحافيين، مؤكدة دفع المراسلين إلى كتابة "أخبار سارة" عن ليبيا وتخريب عدة قنوات تلفزيونية. كما خُطف منتجان من قناة "الدولية" التلفزيونية.

وقالت المنظمة إن المنتجَين أُوقفا في البداية وأُخضعا للاستجواب على أحد الحواجز، لكن عندما اتضح انهما يعملان لقناة "الدولية" تعرضا للاهانة والضرب ثم الاحتجاز. أُفرج عنهما في النهاية، لكن بعد اساءة معاملتهما والاعتداء عليهما خمسة ايام، بحسب المنظمة.

وتروي طرابلس اليوم قصة مدينتين. ففي حين أن الخوف يسود المناطق الغربية من المدينة، عاد ما يشبه الوضع الطبيعي إلى المناطق الشرقية، معقل مؤيدي فجر ليبيا.

وأطلق هذا الانفصام مناوشات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث كتب ليبي تغريدة على تويتر قال فيها: "أن من يدَّعون أن الأمور بخير في طرابلس يقفون على الأرجح مع فجر ليبيا، لكن الأمور ليست بخير لمن أُحرقت بيوتهم أو تعين عليهم الفرار من ارهاب فجر ليبيا".
&