لطالما حذّر خبراء الجماعات الاسلامية من خطورة استراتيجيا الذئاب المنفردة، التي لجأ إليها "الجهاديون" سابقا لتنفيذ اعتداءات في الغرب، بواسطة عناصر قليلة لا تتبع بالضرورة توجيهات وأوامر المركز. واعتداء باردو الإرهابي في تونس هو تطبيق لتلك الاستراتيجيا.


مجدي الورفلي من تونس: عملية متحف باردو في تونس فاجأت الجميع، إذ لم يكن من المتوقّع أن تنتقل الهجمات المسلّحة من جبال الشعانبي، على الحدود الغربيّة مع الجزائر، والمناطق النائية إلى قلب العاصمة، ومن إستهداف رجال الأمن والجيش التونسيين إلى اعتبار السيّاح والمدنيّين هدفًا مباحًا.

مثّلت العمليّة، التي أودت بأكثر من عشرين شخصا أغلبهم من السائحين، نقلة نوعيّة في استراتيجيات الجماعات المتشدّدة في تونس وطريقة تعاملها مع الوضع، كما كان مُتوقّعا منذ إنتشار معلومات تُفيد بتلقّي عدد من التونسيّين تدريبات في ليبيا ومن ثم العودة، وتهديد بعض القيادات السلفيّة بإحراق البلاد.

إستهداف المدنيّين

هذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مدنيين أو أجانب في تونس، منذ الإطاحة مطلع 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وظهور مجموعات إسلامية مسلحة ركزت عملياتها بالأساس على استهداف عناصر الامن والجيش.&

وتشير تقارير الى ان مئات التونسيين يتواجدون في ليبيا تلقوا تدريبات عسكرية ومنهم من عاد لتونس، من بينهم منفّذا هجوم متحف باردو، لتنفيذ هجمات مسلّحة خاصّة بعد تهديدات صريحة من قيادات سلفيّة تونسيّة ومقاتلين بإشعال تونس و"فتحها".

إستراتيجيّة جديدة

ويرى خبراء أن الجماعات المتشدّدة انتقلت إلى مرحلة اخرى في استراتيجياتها ودخلت منعرجا جديدا في حربها على تونس يتمثّل في استهداف المدنيين والسياحة، وإسقاط أكبر عدد ممكن من القتلى وتخريب الاقتصاد.

واعتبر المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجيّة طارق الكحلاوي العملية الاخيرة خطوة تصعيديّة في مسار يتضمن استعمال اسلوب "الذئاب المنفردة" في اطار إشاعة الفوضى والإنهاك وخاصة ضرب ثقة المواطنين في الدولة وضرب ثقة الاجهزة الامنية والعسكرية في نفسها.

الذّئاب المنفردة

وقال المدير السّابق للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجيّة: "التكتيك الإرهابي الجديد "الذئاب المنفردة" هو اقرب نموذج يمكن به فهم الهجوم الارهابي في العاصمة تونس ويبدو انه سيصبح أكثر بروزا في الأشهر المقبلة".

ويرى الكحلاوي من خلال حديثه لـ"إيلاف" انه بالتوازي مع تواصل الأسلوب التقليدي المتمثل في عمل المجموعات المسلّحة في إطار حرب عصابات في الجبال المحاذية للحدود التونسية الجزائرية من المتوقّع أن توجّه ضربات داخل المدن عن طريق أفراد او مجموعات صغيرة".

إنهاك الأمن والجيش

ويتابع: "كل من الطريقتين يتأتّى في إطار المرحلة الحالية في خطة "ادارة التوحش" اي المرحلة الاولى المعروفة باسم "شوكة النكاية والانهاك" والتي تهدف تحديدا الى اشاعة حالة فوضى وتشتيت قوات الامن والجيش وإنهاكها".

وكتاب "إدارة التوحّش" هو أحد أبرز أدبيات "الجهاديين"، يعتقد خبراء أن تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" يستند اليه في تنفيذ أجنداته وسيره نحو السيطرة على مناطق يطبّق فيها تصوره للحكم.

ويوضح الكحلاوي قائلا "أسلوب الذئاب المنفردة تم تفسيره في عدد من الادبيات سواء الغربية الاميركية حيث نشأ في اوساط اليمين المتطرف الاميركي بداية التسعينات او في سياق التيار السلفي "الجهادي" ويعتمد اساسا طريقة المجموعات الضيقة التي تقوم بالمبادرة، عبر اغتيال أفراد مشهورين، أو إغتيالات يمكن أن تحدث الفوضى بما يحقق الفرقعة الإعلامية المناسبة".

ويذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أعلن تبنيه الهجوم على باردو في تسجيل صوتي متوعدا بالمزيد& في "تونس الإسلام".

ومنذ نهاية 2012 تتعقب قوات الامن والجيش مجموعات "جهادية" متحصنة بجبل الشعانبي من محافظة القصرين (وسط غرب) الحدودية مع الجزائر، تطلق على نفسها اسم "كتيبة عقبة بن نافع".

منعرج خطير

وفي نفس السياق الذي ذهب إليه الكحلاوي، اعتبر الخبير الأمني نصر بن سلطانة ان الجماعات المتشدّدة بدأت العمل بصفة فردية أو ما يُعرف باستراتيجيّة "الذئاب المنفردة" أو ضمن مجموعات صغيرة العدد غير مرتبطة هيكليّا بأي مجموعة أخرى.
&
وقال رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والأمن الشامل لـ"إيلاف" ان هجوم باردو الأخير يُشكل منعرجا خطيرا في الحرب على الارهاب وأن البلاد تسير في اتجاه مرحلة اكثر دموية من السابق بالنظر الى طبيعة المرحلة الحالية، وانه سيتم استهداف المدنيين بالاساس.

أكثر دمويّة
&
وتابع: "تحول العمل الإرهابي من مرحلة تستهدف الأمنيين والعسكريين لتشهد تطورا مرحليا في ما بعد من خلال تنفيذ الجرائم الإرهابية في تونس وهي مرحلة جديدة تستهدف المواطنين بغض النظر عن استهداف السياح وهي أخطر انواع المراحل في العمل الإرهابي وهذه المرحلة تحضر لمرحلة اكثر دموية داخل تونس ما لم يتم اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد كل من يساعد على انتشار الظاهرة".

واكد بن سلطانة ضرورة تجريم الإرهاب وطالب بمراقبة وتتبع العائدين من سوريا، وهم حوالى 500 فرد، حاملين أفكارًا "جهادية" ومدرّبين إضافة إلى الآلاف الذين منعوا من السفر والمتواجدين في تونس مشيرا إلى ضرورة "إعادة تأطيرهم ومراقبتهم".

وأعلن "امير الجهاد" في كتبية عقبة بن نافع وناس الفقيه، في فيديو نشر مؤخرا، قبل الهجوم المسلّح على متحف باردو، عن بداية الغزوات العسكرية في تونس "السليبة"، على حدّ تعبيره.

ودعا أمير التنظيم المتحصّن بالجبال، الشباب التونسي للجهاد قائلا "لقد أقام الله سوق الجهاد في تونس والمجاهدون في الجبال من المهاجرين والانصار يترقبون هبّتكم".

فيما حثّ بيان، نُشر إثر العمليّة، لنفس التنظيم "الشباب الجهادي" على القيام بعمليّات مشابهة و"قتل أكبر عدد ممكن من قوات&الأمن والجيش والمدنيّين عوض السّفر إلى ليبيا".